خطوة فى طريق طويل «لتجديد الأمل» الذى بددته قمة نواكشوط القمة أفرزت حراكا عربيا جديدا بأمل عودة الروح إلى النظام الإقليمى العربى
فترة وجيزة لا تتعدى السنة تقريبا أو أقل، هى الفاصل الزمنى بين قمة تبديد الأمل التى شهدتها العام الماضى، نواكشوط فى يوليو الماضى وبين قمة عمان التى اختتمت أعمالها نهاية الأسبوع الماضى فى العاصمة الأردنية . وفى محيط بحر ميت ربما يكون القادة العرب سعوا لإعادة الروح إلى بعض القضايا التى كادت أم تخلو من أى مقاربة أو دور عربى وخرجت تماما من محيطها الطبيعى إلى الفضاء العالمى الذى بات يتحكم فى مجرياتها سواء بالتصعيد أم التهدئة... وفى ذلك يبدو الكلام محدودا فى مسار ما تم تداوله خلال أعمال القمة التى بدت حائرة أمام ضغط الأزمات العربية الساخنة وفى مقدمتها الأزمة السورية واليمنية وبشكل أو بآخر القضية الفلسطينية والأوضاع فى العراق وليبيا ناهيك عن آفاق العلاقة مع إيران. كما سجل القادة العرب فى قمة الأردن محاولة لإعادة المياه إلى مجاريها، وهى وإن جاءت محدودة لكنها أفرزت موقفا عربيا طالما نادى به الكثيرون... موقفا عربيا مطلوبا جاء متأخرا وغير كاف، لكنه بكل المعايير أفرز حراكا عربيا يأمل فيه الكثيرون أن يعيد الروح إلى النظام الإقليمى العربي... ولا شك أن قمة البحر الميت هي»الأفضل» فى الشكل فى معايير التمثيل، ومن حيث حضور شخصيات رفيعة المستوى ومنظمات دولية ودول عظمى وهيئات وعدد غير مسبوق من قادة وزعماء العرب. لكنها لم تكن كذلك عندما يتعلق الأمر ب «نوعية النتائج» ورهانات معالجة الأزمات، خصوصاً تلك المستعصية فى المشهد العربي. فعدد الزعماء العرب الكبار الذين حضروا كان كبيرا وربما الأكبر خلال السنوات العشر الماضية. وهو الحضور الذى جعل منها قمة «رائعة» فى الشكل وهى النتيجة التى أفرزتها تحركات العاهل الأردنى الدبلوماسية وزياراته للعديد من الدول العربية قبل القمة وعلى رأسها مصر والمغرب... وإن ظلت فى «حائرة» فى المضمون....فالخروج بموقف موحد من قمة واحدة بعد سنوات تراجع لا شك يعد ضربا من المستحيل نظرا لتعقد المشهد العربى الداخلى واحتدام الصراع الدولى وتضارب الأجندات لدى جميع الأطراف الفاعلة فى إدارة الصراع فى جميع ملفات القمة (الأزمة السورية، العراق، القضية الفلسطينية، والموقف من إيران) لكنها برغم ذلك كانت محطة اختبار لمزاج جميع الأطراف، وأعطت مؤشرا ودليلا إرشاديا على مستقبل الأوضاع فى المنطقة. لاشك أن هذا المستوى من التمثيل الذى شهدته قمة الأردن وعدد الحضور كان النتيجة الإيجابية الوحيدة للقمة، وأكد مساعيها من أجل «رأب الصدع العربي» الذى فرض نفسه على الأزمة السورية والعمل الدبلوماسى الهامس الذى حاول تمرير مشروع قرار بشأن «تجميد عضوية سوريا.» لكن القادة العرب اكتفوا بالتأكيد مجددا على الالتزام الثابت بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وذلك استنادا لميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه. كما أكدوا الموقف الثابت بأن الحل الوحيد الممكن للأزمة السورية يتمثل فى الحل السياسى القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية، بما يلبى تطلعات الشعب السورى وفقاً لما ورد فى بيان جنيف (1) بتاريخ 30 يونيو 2012، وإسنادا على ما نصت عليه القرارات والبيانات الصادرة بهذا الصدد وبالأخص قرار مجلس الأمن 2254 العام 2015. وكانت القضية الفلسطينية التى طالها الجمود على حساب قضايا أخرى دولية وإقليمية فقد حاول القاده العرب أن يرموا حجرا فى المياه الراكدة بمبادرة جديده إزاء عدم اطمئنانها إلى عدالة الحل السياسى الذى تطرحه الإدارة الامريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، خصوصاً أنه يجرد الفلسطينيين من دورهم الأساسى. فكان نص إعلان “عمان” فى هذا الصدد من بين أهم قرارات القمة فى تاكيده مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقيةالمحتلة، عاصمة دولة فلسطين وإعادة التأكيد على حق دولة فلسطين بالسيادة على جميع الأراضى الفلسطينية التى احتلت عام 1967، بما فيها القدسالشرقية، وأن السلام العادل والشامل خيار إستراتيجي، وأن الشرط المسبق لتحقيقه هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكامل الأراضى الفلسطينية والعربية التى احتلت عام 1967، وتمكين الشعب الفلسطينى من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة، وإطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، استناداً إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة، والتمسك والالتزام بمبادرة السلام العربية كما طُرحت فى عام 2002. وفى الشأن الإيرانى كان يتوقع للقمة أن تأخذ موقفا أكثر تشددا على عكس القمم السابقة، ومما تم اتخاذه بالفعل فى قمة البحر الميت... وفقا لما تسرب فى كواليس القمة... لكن على ما يبدو أن الانقسام الخليجى طرح نفسه فى هذا الصدد خصوصا بعد أن هددت دول خليجية قبل القمة بأيام بخفض مستوى تمثيلها فى القمة وبأنها تلتمس العذر من الأردن إذا ما تضمنت توصيات البيان الختامى أية نصوص تتهم إيران برعاية الإرهاب فى المنطقة أو تدعو للقطيعة معها .. فى إشارة إلى أن الأمر له علاقة بالمواقف المتشددة التى تتبناها السعودية ضد إيران . برغم ذلك جاءت القمة بجديد فى هذا الصدد بالتأكيد“ من أهمية أن تكون علاقات التعاون بين الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية قائمة على مبدأ حسن الجوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، وإدانة التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية للدول العربية باعتباره انتهاكا لقواعد القانون الدولى ولمبدأ حسن الجوار وسيادة الدول، ومطالبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالكف عن الأعمال الاستفزازية التى من شأنها أن تقوض بناء الثقة وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة. كما أدان القادة العرب واستنكروا تصريحات المسئولين الإيرانيين التحريضية والعدائية المستمرة ضد الدول العربية، وطالبوا حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالكف عن التصريحات العدائية والأعمال الاستفزازية، ووقف الحملات الإعلامية ضد الدول العربية باعتبارها تدخلا سافرا فى الشئون الداخلية لهذه الدول. ودعوا إيران إلى الكف عن السياسيات التى من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والامتناع عن دعم الجماعات التى تؤجج هذه النزاعات فى دول الخليج العربي، وطالبوا الحكومة الإيرانية بإيقاف دعم وتمويل الميليشيات والأحزاب المسلحة فى الدول العربية. وفى شأن مكافحة الإرهاب ربما كان جديد قمة الأردن هو فى الترحيب بقرار حول “إنشاء إطار تشاورى بين مجلس جامعة الدول العربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “، بمبادرة مصر الرامية إلى إيجاد إطار تشاورى بين مجلس جامعة الدول العربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، استكمالاً للجهود الرامية إلى تعزيز التعاون بين الجامعة العربية والأمم المتحدة لإقامة شراكة فاعلة بين المجلسين لتحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية..وفى الشأن الليبى أيضا اكتفى القادة العرب، بالتاكيد مجددا على الالتزام باحترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها وعلى رفض التدخل الخارجى أيا كان نوعه ما لم يكن بناء على طلب من المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى وبالتنسيق معه، والإعراب عن القلق البالغ إزاء تمدد أعمال الجماعات الإرهابية فى ليبيا. كما دعوا إلى حل سياسى شامل للأزمة فى ليبيا، وتأكيد دعم المجلس للتنفيذ الكامل للاتفاق السياسى الليبى الموقع فى الصخيرات بتاريخ 17 ديسمبر 2015، والتأكيد مجددًا على دعم الحوار السياسى القائم تحت رعاية الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فى ليبيا والممثل الخاص للأمين العام لجامعة الدول العربية. وفى الشأن اليمنى أكد القادة العرب قراراتهم السابقة أيضا التأكيد على دعم ومساندة الشرعية الدستورية متمثلة فى فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادى رئيس الجمهورية اليمنية. .وعلى أن الحل السلمى فى اليمن يستند إلى المرجعيات الثلاث المتفق عليها، والمتمثلة فى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصا القرار رقم 2216. وفى الشأن العراقى اعاد قرار القمة العربية حول “اتخاذ موقف عربى موحد إزاء انتهاك القوات التركية للسيادة العراقية” التأكيد على مضمون قرار مجلس الجامعة على المستوى الوزارى فى دورته غير العادية ا لمرقم 7987 المؤرخ فى 24 ديسمبر 2015 بشأن إدانة توغل القوات التركية فى الأراضى العراقية ومطالبة الحكومة التركية بسحب قواتها فوراً دون قيد أو شرط باعتباره اعتداء على السيادة العراقية، وتهديداً للأمن القومى العربي. كما دعا الدول الأعضاء فى الجامعة الطلب من الجانب التركى (بموجب العلاقات الثنائية) سحب قواته من الأراضى العراقية تنفيذاً لقرار مجلس الجامعة الصادر فى 24 ديسمبر 2015،وإثارة هذه المسائل فى اتصالاتها مع الدول الأعضاء. على كل حال فقد كانت قمة الأردن قمة عربية مهمة فى مسار القمم العربية الدورية فحتى وإن كان سقف توقعاتها قد جاء محدودا، لكن دعونا نتفاءل بأنها كانت خطوة فى طريق قد يبدو طويلا لتجديد الأمل الذى بددته قمة نواكشوط العام الماضى.