علي خطي مصر وتونس تمكنت ليبيا أو الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي سابقا من إزاحة نظام القذافي العنيد إن صح أن نسمي هذا النوع الفريد من الحكم نظاما الذي ظل قابعا علي أنفاس الشعب الليبي ما يربو علي أربعة عقود عاني خلالها من الاستبداد والأحلام المجنونة والطائشة للعقيد. وهي الأحلام التي كانت ولاتزال حديث العالم يتندر بها الناس في كل زمام ومكان. وكغيره من المستبدين عمل القذافي علي تجهيل شعبه وخلق أجيال مشوهة ممسوخه تحكم بقبضة حديدية في ظل دولة بوليسية لا تعرف إلا لغة القتل والتنكيل, وهو ما جعله ينجح في إيجاد هالة من الأساطير حول قدراته الأمنية والاستخباراتية المتناهية, وشجعه علي ذلك تمكن رجاله من خطف بعض المعارضين له من خارج ليبيا, والقدرة الفائقة علي اعتقال الآلاف من مواطني بلاده حتي غصت بهم السجون التي شيدت بإحكام لتستوعب كل التيارات الإسلامية والليبرالية وغيرها من الاتجاهات وكل من يشتم منه رائحة المعارضة. وإذا كان حكم القذافي قد سقط بعد أكثر من ستة أشهر بذل الليبيون فيها أرواحهم وأنفسهم في سبيل نيل حريتهم حتي كتبت لهم عن جدارة واستحقاق, فإن المرحلة المقبلة تبقي هي لأهم والأخطر في تاريخهم, ذلك أن البناء يكون دائما أصعب من الهدم, فناطحة السحاب التي يستغرق بناؤها عدة أعوام يمكن تدميرها في لحظات معدودة. ولعل أول تلك المصاعب التي يتوقع أن تواجه الدولة الليبية الجديدة التي تتلمس طريقها نحو نظام حكم رشيد هي الاتفاق علي نظام الدولة وملامحها خاصة مع هيمنة النظام القبلي علي الخريطة الليبية وهو ما يصعب من مهمة استيعاب هذه القبائل تحت نظام جديد يقوم علي احترام الحقوق والقوانين.. فبخلاف مصر وتونس اللتين مارستا النظام النيابي ولو شكليا لعدة عقود فإن الدولة الليبية الجديدة ستبدأ نظاما دستوريا من الصفر بعد أن كان( الكتاب الأخضر) وما به من ترهات وشطحات هو الحاكم, فلا انتخابات, ولا حياة نيابية, ولا حتي وزارات للقيام بمهام الدولة. ولا شك أن حديث الدولة( الدينية) و(المدنية) سيكون حاضرا هو الآخر علي الساحة الليبية كما الحال في مصر لا سيما أن التيارات الإسلامية وعلي رأسها الإخوان المسلمون كان لها دورها المحوري في ثورة السابع عشر من فبراير التي عجلت بزوال القذافي. كما سيكون للأحزاب التي يفترض أن تنشأ في هذا المناخ الجديد دورها في تحريك المياه الراكدة, وإن اختلفت توجهاتها وتعددت أيدلوجياتها. وكما الحال في مصر وتونس فإن مشكلة غياب الأمن في الشارع ستواجه النظام الجديد وهناك مخاوف من( فلول الكتائب) وكثرة الأسلحة التي خلفتها الثورة سواء التي حصلت عليها القبائل من القذافي نفسه, أو تلك التي تسربت عبر الحدود في الأشهر الماضية, غير أن هذا الغياب سيكون أقل ضراوة قياسا بتونس ومصر نظرا للنظام القبلي الذي تحكمه التقاليد والأعراف, وقلة عدد السكان( نحو5.6 مليون) وانخفاض كثافتهم. والمهمة الأكبر التي ستستغرق كثيرا من الجهد هي التنمية الاقتصادية لبلد كتب عليه أن يعيش معزولا وفقيرا ومحروما من مقدرات أرضه بالرغم من غناه النفطي( يبلغ الاحتياطي النفطي لليبيا5.14 مليار برميل, واحتياطي الغاز7.25 تريليون قدم وتمتعه بمساحة شاسعة من الأرض مليون و008 ألف كم, فضلا عن امتلاكه أطول شاطئ لدولة علي البحر المتوسط( ما يقرب من0081 كم) وهو ما يحتاج إلي البدء في الإعمار وإنشاء بنية تحتية تقوم عليها أركان الدولة الحديثة, وقد يكون لتركيا النصيب الأكبر في إنجاز هذه المهمة الصعبة بعد دورها البارز في احتضان الثورة الليبية وتزكيتها عند الرأي العام العالمي, وكذلك الدور الأبرز لرجال الأعمال الأتراك في ليبيا في السنوات الأخيرة. فهل سيكون الليبيون علي قدر المسئولية في السعي إلي بناء دولة حديثة تتخذ من العلم والعدالة والحرية شعارا لها بعد أن خيم عليها الجهل والظلم والاستبداد؟!.