علينا أن نجتنب توصيف الرئيس المخلوع بأنه فرعون, فلم يكن حسني مبارك فرعونا, ولكن يحلو لنا ان نردد مايقوله الغرب بدون أن نتحقق من صحته فقد أوهمنا الغرب الذي فسر تاريخنا من وجهة نظره. بأن الفراعنة حكام مستبدون, وبناء علي ذلك قاموا بوصف الرئيس السابق بأنه آخر فرعون, وردد مفكرونا وكتابنا تلك المقولة بدون تفكير, لأنه لو كان الفراعنة حكاما مستبدين لما حققوا حضارة ونهضة حقيقية, لقد كانت مهمة الفراعنة ادارة شئون البلاد ورفع شأنها في كل المجالات: الزراعية والصناعية والفنية و العلمية والفلكية والمعمارية والعسكرية والروحانية و الفلسفية, مما جعل مصر تصنع حضارة مازال العالم حتي الآن يبحث فيها عن اجابات علي تساؤلاته, مما يؤكد أن الفراعنة وجدوا الاجابات علي كل الأسئلة. فلم تكن البلاد ملكا للفرعون, ولم تكن الأرض الزراعية ملكا لأحد, لأنها مصدر الغذاء والحياة للشعب, مثل النيل, ولأنها ثروة استراتيجية, فتكون مهمة الدولة والفرعون ادارة الزراعة فيها وتحديد نوعية المحاصيل, لم تكن الأرض الزراعية ملكية خاصة لأحد يستغلها لمصلحته. كما أن الفرعون لم يكن حاكما مستبدا ولم يكن يعامل مثل الآلهة, ففي الوقت الذي كان العالم الأوروبي مازال يعيش في كهوف, كان في مصر قانون ومحاكم وعدالة, كان هناك آلهة للعدل تدعي معات, فكانت القوانين تسن والعدالة تفرض علي الجميع حتي علي الفرعون نفسه, هذا الفرعون الذي كان عليه ان يمثل أمام المحكمة الإلهية بعد وفاته, ويقف أمام القاضي يقر بما ارتكبه من اخطاء وخطايا في حياته, ويقسم علي عدم ارتكابه خطايا أخري, فمن بين ما يقسم عليه الفرعون انه لم يلوث ماء النيل ولم يظلم أحدا.. فهل تحاكم الآلهة؟ هل يمكن لإله ان يحاكم الها آخر؟ ولم يكن الفرعون يطمس معالم وتاريخ من جاء قبله حتي ينساهم التاريخ, فان من فعل ذلك كان بسبب قلة الموارد الحجرية وعدم القدرة علي بناء معابد إضافية, فإن كان كل فرعون قد بني لنفسه معبدا لكان في مصر الآن آلاف المعابد, أما بالنسبة لحتشبسوت فقد طمست معالم وجهها من علي معبدها لأن رجال الدين قرروا انها لاتستحق الخلود لأنها حكمت بدون مباركة الآلهة, فكان رجال الدين هم الذين اتخذوا القرار, وليس من خلفها في الحكم. وأخيرا, هل كان الشعب المصري عبدا للفرعون, كما يحلو للغرب ان يردد؟ وانه قام ببناء الأهرامات بالسخرة؟ لقد اثبتت الحفريات ان البنائين من الشعب المصري كانوا عمالا يحصلون علي رواتب ثابتة, ما اثبتت الحفريات أن عملية البناء كانت تتم خلال فترات انخفاض مياه النيل, حينما تجف الأرض وتتراجع الزراعة وتنتشر البطالة, لذا تقرر تخصيص فترة بناء الهرم في هذا الوقت من أجل توفير فرص عمل للعاطلين, والطعام لعائلاتهم. أما الأهرامات فلم تكن, كما يحلو للغرب أن يطلق عليها, مجرد قبر للفرعون, لم يدرك العديد ممن كتب عن الأهرامات في الغرب, ولذا ترجم اللغة الهيروغليفية منهم, العبقرية, والفلسفة الانسانية التي وراء بناء ابي الهول والأهرامات, كما لم يدرك العديد ممن كتب عن الأهرامات في الغرب عبقرية الهندسة المعمارية لبناء هذا الصرح الضخم ولا معناه الفلسفي والفلك والروحاني. ان كان من يحاول تشويه تاريخنا المصري القديم سواء باختزاله في استبداد الفرعون, وتشبيه الرئيس المخلوع به, أو برفض هذا التاريخ الكامل علي أساس انه عهد كفر والحاد, عليه أولا ان يفكر ويبحث ويدرس لأنه من غير المقبول ان نطمس سبعة آلاف عام من تاريخنا لمجرد ان البعض قرر الا يجهد نفسه في المعرفة, وبالتأكيد لم يكن الرئيس المخلوع فرعونا, بل كان مجرد انسان بائس, ضعيف لم يستطع مقاومة الضغوط التي فرضت عليه من الخارج ومن الداخل, فقدم تنازلات مقابل الثراء والسطة, ولكي يغطي علي ضعفه استبد علي الشعب. لم يكن الرئيس السابق فرعونا, لأنه لم يبن حضارة جديدة, بل حتي لم يصن ما تبقي لنا من حضارة قديمة, أو حتي نهضة حديثة بدأت في بداية القرن العشرين مع علماء كبار مثل الدكتور علي مشرفة وطه حسين وطلعت حرب وغيرهم كثيرون, ومن غير المقبول ان نمحو اليوم تاريخنا لنعود الي نقطة الصفر مرة أخري, بينما كان لابد ان نبني علي من سبقونا. المزيد من مقالات ليلى حافظ