المرحلة الانتقالية وضع مؤقت بعد وضع غير مرغوب استمر فترة طويلة من الزمن نسبيا يرجي تغييره في سياق استشراف عمليات تغيير وتحول. ومن هنا فإن المرحلة الانتقالية لها عدة جوانب: الجانب الزمني: وهو يتسم بالفترة الزمنية المحدودة والمحددة التي يجب أن لا يسمح فيها بالفراغ. الوضع الذي دام: وهو يتسم بحالة غير مرغوبة إلا أنها مع دوامها تتمتع بقدر من الأمر الواقع الذي لا يجب القفز عليه كما لا يجب الاستسلام له, ولكن يجب اعتباره بما يشير إليه من معطيات يجب التعامل معها. عملية التحول والمخاض الآمن: إن عملية التحول أشبه بالعملية الجراحية الدقيقة التي تحتاج إلي مهارة عالية في إدارة التحول بأدني الأضرار والخسائر وبأعلي المنافع والمصالح, تأمين عملية التحول من أهم المسائل التي يجب التفكير بها. والانتقال من التأمين إلي التسيير أخذا في الاعتبار عناصرالملاءمة والقدرة علي ممارسة المرونة, في ظل تفاعل بين الأطراف المختلفة, وفق أصول يقررها الحدث ذاته بمعطياته وأولوياته وأهدافه القريبة والبعيدة, ويحدد عناصر الإنطلاق إلي المسار المرغوب. الاستشراف وعملية البناء البديل للانتقال من حال الأمر الواقع إلي وضع التحول المقصود والمنشود. تنبع أهمية وخطورة المرحلة الانتقالية بأنها تشكل مسار الحركة ما بين القديم والجديد, فهي تشهد عملية متزامنة ومتوازية من الهدم والبناء. وعليه فإن ادارتها تتعلق بوضع برامج محددة لتحقيق إنجاز في ثلاثة ملفات ملحة تشكل البنية الأساسية والتحتية لعملية الانتقال: تعزيز مشروعات تنموية قاطرة ومحركة لعجلة الإنتاج. عودة الأمن والاستقرار المجتمعي. إعلان جدول زمني للانتقال السياسي وتسليم السلطة للمدنيين. أولا: أطعمهم من جوع: تحريك الاقتصاد وتفعيل سياسات العدالة الاجتماعية وتعزيز مشروعات تنموية قاطرة ومحركة لعجلة الإنتاج: إن البعد الاقتصادي يحتاج إلي مقاربة جامعة وجادة, وكذلك إلي وصله بالأحوال السياسية ومتغيراتها, وبالنسبة للأوضاع في مصر, فهو وضع انتقالي من نظام أدار البلاد بالفساد والاحتكار وسيطرة قلة استراتيجية علي قطاعات الاقتصاد وآليات الاستثمار... ثم جاءت ثورة فزعت هذه القلة وجمدت الكثير من آليات عملها, بما أدي إلي آثار سلبية كثيرة من المنظور الرأسمالي: هروب رءوس الأموال, تجميد قطاعات وأنشطة رئيسية, وخروج عنيف للاستثمار الأجنبي وانخفاض تدفقاته, وضغوط علي العملة المحلية المصرية, وخسائر فادحة في سوق الأسهم( البورصة), وزيادة كبيرة في القروض المتعثرة, وانخفاض الإنتاجية والصادرات. وقد انعكست هذه المؤشرات في: توقعات عالية بامتداد حالة الركود فترة أخري, وتضخم أسعار السلع الأساسية, وزيادة كبيرة في معدلات البطالة, وانخفاض كبير في أرباح القطاع الخاص. الأمر الذي ينذر باحتمالات ثورة مضادة تصحبها موجة احتجاجات وإضرابات وربما ثورة جياع,, فالثورة والحكومة جمدت آليات عمل النظام السابق وهيمنته علي الاقتصاد وجمدت معه كثيرا من الاستثمارات.. لكنها لم تقدم بدائل جوهرية لتحريك الاقتصاد, بما يشير الي: ضرورة التركيز علي قطاعات محددة رئيسة وقادرة علي أن تقطر القطاعات الأخري الرئيسة والثانوية. حفز الحكومة للبنوك علي فتح صناديق استثمارية توفر صكوكا في حدود الألف جنيه تديرها البنوك تحت رقابة وضمان حكومي. تحريك الاستثمار في مشروعات تعتمد علي الموارد الذاتية والمحلية. أهمية استثمار رأس المال الاجتماعي والقيمي والوطني الذي كشفت عنه ثورة25 يناير والذي يحفظ بقية من الرمق الاقتصادي إلي الآن, وضرورة تشجيع الطاقات والقوي المجتمعية ذات البعد الاقتصادي والتي طالما قمعها النظام السابق وكبلها, وتفعيل شبكات الثقة التي نشأت وكونت بديلا اجتماعيا واقتصاديا واسعا. الانتقال من إدارة الاقتصاد بالفساد إلي إدارته بالإصلاح يحتاج إلي إدارة الانتقال نفسه: الانتقال الاقتصادي والسياسي والمجتمعي ضمن استراتيجية متكاملة الأبعاد. ضرورة تنويع وتكامل مداخل الحلول: مجتمعية وحكومية ورأسمالية. ثانيا: آمنهم من خوف: الحالة الأمنية وضرورات الهيكلة: في إطار الفلسفة التي يمكن أن تستند إليها السياسات العامة وبناء الاستراتيجيات فيما يخص المسألة الأمنية فإنه من الواجب النظر إلي الأمن بمفهومه الواسع بما يشير الي الأمن الإنساني والاجتماعي وفي هذا المقام فإن الأمن باعتباره حالة وعملية يتطلب أمورا حالة وعاجلة وذلك لاعتبارات تؤسس لذلك المفهوم الأمني الواسع( أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف), ضمن هذه الرؤية فإن حالة الانفلات الأمني تشير وبشكل مباشر إلي أطراف بعينها تسهم في عمليات الفوضي ونشر عدم الاستقرار ومنع ممارسة الحياة الطبيعية الآمنة, وفي هذا المقام فإنه من الضروري أن نتحدث عن نقطة بداية عاجلة وعن بيئة يجب أن يتحرك فيها الجهاز الأمني لتحقيق هذه الأهداف الأساسية وبالسرعة الزمنية المناسبة والفورية التي تنشد تحقيق الاستقرار والأمن المجتمعي والإنساني والقومي. أعمال البلطجة التي تمارس علي نحو فردي أو جماعي إما استغلالا لحال الفراغ الأمني أو بإيعاز من أجهزة ذات مصالح ارتبطت بها بالنظام البائد وتحاول بشكل أو بآخر أن تنشر حالة من البلبلة وعدم الاستقرار والتخويف والترويع بما يؤدي إلي تشويه صورة الثورة الشعبية بكل تنوعاتها ونقاء وصفاء شبابها, فهذا الفراغ الأمني المتعمد وغير المتعمد يتطلب إعادة الهيكلة للمادة البشرية التي تشكل هذا الجهاز والتلويح بالبديل إذا لزم الأمر. ثالثا: الانتقال السياسي الشفاف وجدولته الزمنية: إن الحالة الضبابية للانتقال السياسي قدمت مناخا نموذجيا لحالة الاستقطاب السياسي المفتعل والذي يقوم علي تصنيع الأزمات للأسف الشديد, ومن ثم وجب: الاسراع بعودة الجيش الي الثكنات: فمع الاعتراف بالدور الايجابي المحوري الذي لا بديل عنه للمجلس الاعلي للقوات المسلحة الا ان تقليص فترة بقاء المؤسسة العسكرية في سدة الحكم امر يتلاقي عليه الجميع عسكريين ومدنيين ومن ثم يصبح انتقال السلطة الي حكم مدني هو الخطوة الاولي التي يجب التأكيد علي الاسراع بها وعدم مدها أكثر مما ينبغي تحت أي ظرف. فالواقع أننا امام مراحل فرعية ممتدة ومتداخلة في سياق المرحلة الانتقالية الرئيسية للتحول الديموقراطي, وللجيش دوره في المرحلة الاولي الفرعية وعلي السلطة المدنية ان تقود بقية المراحل الفرعية من عملية الإنتقال الي الديموقراطية. تبني دستور جديد: الاجماع واضح علي الحاجة الي دستور جديد متسق النصوص ومؤسس لنظام ديموقراطي قادر علي تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وفي هذا الاطار يتم النظر الي التعديلات الدستورية بإعتبارها انتقالية وكمقدمة لهذا الدستور, مع الاتفاق علي تكوين لجنة او هيئة تأسيسية لكتابته قبل عرضه للاستفتاء. توقيت وجدولة وترتيب اجراء الانتخابات( البرلمانية والرئاسية) مسألة لابد من تحديدها بدقة وبعد حساب كافة التداعيات. تبقي الاشارة الي اهمية التمييز بين النظام السياسي والدولة, فإصلاح النظام السياسي جذريا لا يعني بأي حال من الاحوال تهديد الدولة, بل في الحالة الثورية التي نحن بصددها الآن, فإن مثل هذا التغيير الشامل يعني تقوية الدولة وحمايتها وتدعيم استقرارها علي مستوي المؤسسات والاجهزة وعلي مستوي المجتمع والناس ايضا. فمن الاهمية بمكان تخطي حاجز الخوف من التغيير كما تخطينا حاجز الخوف من القهر. فالنجاح في ادارة المرحلة الانتقالية القادمة يعتمد علي الثبات والتصميم علي تحقيق المطالب الثورية مع ادراك اهمية التعامل الهاديء والحذر مع الآثار السلبية المتوقعة لأي عملية تغيير تأتي بعد فترة جمود طويلة. مثلث الإطعام من جوع وتحريك الاقتصاد الوطني من جهة وترسيخ الأمن الداخلي والأمن القومي كمدخل لتحقيق استراتيجية الأمن الإنساني من جهة ثانية وبيان خرائط الانتقال السياسي وجدولته من جهة ثالثة, مخارج مهمة في مرحلة الانتقال القادمة وإدارتها بإرادة سياسية وشعبية. والواضح من واقع الحال افتقاد الإرادة الواضحة والقاطعة لبناء استراتيجي ممتد, وافتقاد العدة الحقيقية في إطار عجز الإدارة واضطرابها وتكلسها, وتاهت تلك القضايا التي تتعلق بالاقتصاد والأمن والانتقال السياسي بين تعثر الإرادة وتلكؤ الإدارة في مناخ حمل مع فجوة المعلومات المؤدي لفقدان الشفافية وفجوة الآليات التي أدت لفقدان الفاعلية, فجوة الإرادة وفجوة الإدارة. ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة.