بسبب عدم التزامهم .. وزارة التموين تتوعد أصحاب المخابز السياحية المتلاعبة في أسعار الخبز السياحى والفينو    بالصور.. كنيسة رؤساء الملائكة تحتفل بأحد الشعانين    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. أسرة محمد صلاح ترفض التدخل لحل أزمته مع حسام حسن    اعتقال عشرات المؤيدين لفلسطين في عدد من الجامعات الأمريكية    الزمالك يسعى لخطف بطاقة التأهل أمام دريمز بالكونفيدرالية    عاجل.. مدحت شلبي يفجر مفاجأة عن انتقال صلاح لهذا الفريق    الفرح تحول لجنازة.. تشييع جثامين عروسين ومصور في قنا    حالة الطقس اليوم الأحد ودرجات الحرارة    الأزهر: دخول المواقع الإلكترونية المعنية بصناعة الجريمة مُحرَّم شرعاً    الأهرام: أولويات رئيسية تحكم مواقف وتحركات مصر بشأن حرب غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأحد 28 أبريل    عيار 21 بكام.. انخفاض سعر الذهب الأحد 28 أبريل 2024    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    لا بديل آخر.. الصحة تبرر إنفاق 35 مليار جنيه على مشروع التأمين الصحي بالمرحلة الأولى    كينيا: مصرع 76 شخصًا وتشريد 17 ألف أسرة بسبب الفيضانات    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    موعد مباراة إنتر ميلان وتورينو اليوم في الدوري الإيطالي والقناة الناقلة    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    الأطباء تبحث مع منظمة الصحة العالمية مشاركة القطاع الخاص في التأمين الصحي    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    لتضامنهم مع غزة.. اعتقال 69 محتجاً داخل جامعة أريزونا بأمريكا    زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    التصريح بدفن جثة شاب صدمه قطار أثناء عبوره المزلقان بقليوب    ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمان لبناء العلاقات مع روسيا    أتلتيكو مدريد يفوز على أتلتيك بلباو 3-1 في الدوري الإسباني    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    تسليم أوراق امتحانات الثانوية والقراءات بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    غدا.. محاكمة عاطل متهم بإنهاء حياة عامل في الحوامدية    عضو اتحاد الصناعات يطالب بخفض أسعار السيارات بعد تراجع الدولار    حسام البدري: أنا أفضل من كولر وموسيماني.. ولم أحصل على فرصتي مع منتخب مصر    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هيئة كبار العلماء السعودية تحذر الحجاج من ارتكاب هذا الفعل: فاعله مذنب (تفاصيل)    بعد التراجع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 28 أبريل 2024 بالأسواق    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    حسام غالي: كوبر كان يقول لنا "الأهلي يفوز بالحكام ولو دربت ضدكم (هقطعكم)"    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    عمرو أديب: مصر تستفيد من وجود اللاجئين الأجانب على أرضها    غادة إبراهيم بعد توقفها 7 سنوات عن العمل: «عايشة من خير والدي» (خاص)    نيكول سابا تحيي حفلا غنائيا بنادي وادي دجلة بهذا الموعد    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري للبيع والشراء اليوم الأحد 28 إبريل 2024 (آخر تحديث)    تحولات الطاقة: نحو مستقبل أكثر استدامة وفاعلية    متحدث الكنيسة: الصلاة في أسبوع الآلام لها خصوصية شديدة ونتخلى عن أمور دنيوية    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    الأردن تصدر طوابعًا عن أحداث محاكمة وصلب السيد المسيح    تشيلسي يفرض التعادل على أستون فيلا في البريميرليج    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رمضان والعيد من زمن الإذاعة إلي زمن الإنترنت

الثابت الوحيد هو التغير‏,‏ لكن الماضي مازال يعيش في الحاضر‏,‏ ورمضان والعيد أيام أم كلثوم والشيخ محمد رفعت مازالا يسكنان وجدان الكتاب والناس العاديين‏,ممن كانوا أطفالا قبل دخول التليفزيون مصر أو بعده بقليل. والعامل المشترك في ذكريات من توجهنا إليهم بالسؤال عن رمضان والعيد زمان والآن, أنهم جميعا يتذكرون طفولتهم في القرية, القرية التي رغم أنها كانت مظلمة حتي أواخر الستينيات, قد أثارت عقل وقلب الإنسان المصري والعربي بإبداعات تفوق عطاء القاهرة والمدن المصرية الأخري.. علي الأقل من
ناحية الكم. لقد أضاء رمضان في ظلمة ليل القرية فانوس قلوبهم.. ومازال يضيء.
أحمد عبدالمعطي حجازي
رمضان والعيد زمان يختلفان عن الآن لعدة أشياء. زمان كنت أقضي رمضان في الريف, وكان الاحتفال بشهر رمضان يبدأ بشراء المتطلبات المختلفة من الأكل والياميش, ثم هناك اجتماع الاسرة علي الافطار والسحور, لانه في الأيام العادية ينشغل أفراد الاسرة فلا نجتمع في الغداء والعشاء.
كما أن هناك أيضا الجانب الروحي وهو الصيام وصلاة التراويح وهناك الدروس الدينية التي يحضرها الكبار والصغار, كما أن هناك الناحية الفنية, فالمسحراتي لم يكن شخصا واحدا ولكنه كان فرقة من عدة أشخاص: الطبال وعازف الطارة والمغني, والاغاني في أول الشهر مختلفة عن نصفه وآخره, ثم يأتي العيد نحتفل به بلبس الثياب الجديدة وأكل الحلوي وركوب المراجيح.
اما الآن رمضان بالنسبة لي شهر للعبادة والعيد احتفل به من خلال أولادي وأحفادي.
محمد إبراهيم أبو سنة:
رمضان والعيد زمان في قريتي( الودي) مركز الصف محافظة الجيزة قبل سن العاشرة مرتبطان بذكريات محزنة تدور حول رحيل أمي المبكر, وهو ماصبغ حياتي بالأسي, فكنت أشعر بالحزن, وأنا طفل في رمضان, وفي العيد كنا نذهب إلي المقابر لنزور أمي. عموما ذكرياتي في الماضي لم تكن سعيدة, أما رمضان الآن فأقضيه في العبادة مع أسرتي الصغيرة والعيد أحتفل به مع أسرتي الصغيرة وحفيدي أحمد ونذهب فيه عادة إلي النادي.
جمال الغيطاني
رمضان والعيد قد اختلفا كثيرا هذه الايام عن الخمسينيات والستينيات, فالفرائض الرمضانية كالصلاة والصوم هي التي مازالت باقية كما كانت في الماضي, أما الروحانيات والعادات الاجتماعية الجميلة لهذا الشهر الكريم فقد تلاشت عبر الزمن.
كان رمضان فرصة لتجمع الأهل والأصدقاء حول مائدة الافطار, وصلاة الفجر والتراويح في الحسين, وكان الكل يلتف حول الراديو ليستمع لفوازير آمال فهمي والبرامج الاذاعية الاخري الممتعة والمحدودة العدد فقد كان هناك وقت أكثر للتواصل الاجتماعي من الآن, الكل كان يحاول الاقتراب من الآخر فكان الرجال يلتقون بالمقاهي وتتبادل السيدات الزيارات والاطباق الرمضانية, وشيئا فشيئا بدأ التليفزيون في سحب البساط ليصبح هو البطل الاوحد في رمضان والعيد بعد أن أتجهت أنظار الجميع نحو سباق المسلسلات والبرامج والأفلام والاعلانات التجارية التي لاتنتهي, لنفقد يوما بعد يوم الروحانيات والعادات الاجتماعية الجميلة التي كانت تجمعنا في مثل هذه الأيام, وأنا أعتقد في أهمية أعادة إحياء مدرسة التلاوة المصرية مرة أخري ان مصر مازالت بها العديد من المواهب الشابة التي يمكن ان تصبح مثل الشيخ عبدالباسط ومحمد رفعت ومصطفي اسماعيل وغيرهم من الاصوات النادرة التي مازالت معنا إلي الآن في رمضان وفي كل وقت.
د. محمد عناني
رمضان هو شهر الانجاز بالنسبة لي. اذ اعتدت منذ الطفولة علي العمل بعد صلاة الفجر حتي الضحي, وليلة العيد كانت عندي دائما هي ليلة السهر حتي صلاة العيد.
وأذكر ليلة العيد قبل سفري إلي انجلترا عام5691, حيث قضيناها سمير سرحان ود. فاروق عبدالوهاب وأنا من بعد صلاة العشاء في شوارع الجيزة, وهي المنيب الذي كان منطقة زراعية لايوجد بها إلا مصنع للطوب ومضرب لكسر الأرز, وكنا نسميها الطبيعة, فالطريق من الجيزة حتي شارع البحر الأعظم كان زراعيا.
وعند الفجر رجعنا إلي الجيزة واشترينا سمكة, ودخلنا مخبزا اشترينا منه عشرة أرغفة ساخنة وقمنا بشي السمكة وأكلناها بعد صلاة العيد.
ويوم العيد يمثل لي دائما يوم فرحة كسر النظام الروتيني المتبع
في غيره من أيام السنة, وفي هذا معني مهم وهو كما يقول شاعر انجليزي وضع منارات في حياتك لتذكير نفسك بمضي الزمن وعودتك إليه.
وأعتقد أن العيد هذا العام لن يختلف بالنسبة لي عنه في كل عام.
حسن طلب
يري الشاعر حسن طلب أنه قد تغير كل شيء في الحياة عما كان عليه في الزمن القديم فقد تغير وقع رمضان علي النفوس بالمقارنة بما كان عليه في الماضي, وكذلك تغير وقعه في الأعياد, لأن الحياة في مجملها فقدت بالتدريج هذا الطابع الرومانسي منذ عقود خلت, وأصبح ايقاع الحياة أكثر سرعة, وأصبحت مصادر البهجة كثيرة ومتعددة, ولكنها غير عميقة, نجدها في الوسائط التكنولوجية والشبكة العنكبوتية أو في التليفزيون,. التي لم تكن موجودة في الزمن القديم.
في الماضي كنا نعيش رمضان وبهجته من خلال الاذاعة فنستمع إلي القرآن الكريم ثم إلي برامج التسلية عبر الإذاعة.
وأنا أظن أن وجود الاجهزة الحديثة هو الذي جعل الحياة أقل رومانسية, لانها اصبحت ذات طابع عملي أكثر وتأثرت العاطفة الدينية مثلما تأثرت العواطف كلها, وهذا لايعني اننا ضد التطور ولا ضد الاجهزة الحديثة, فهي في النهاية أجهزة محايدة نستطيع أن نحسن استخدامها ولانستسلم لها.
فاذا كان في رمضان سنستسلم لهذه الاجهزة ونبدأ في مسلسل لننتقل إلي الآخر ونتسمر أمام الشاشة طوال الوقت فأغلب ظني اننا نسيء إلي أنفسنا وليس إلي رمضان.
كما كنا في الزمن القديم نقطع نهار رمضان, بالقراءة, وأنا أطالب بالعودة إلي القراءة من جديد حتي لانستمد ثقافتنا من التليفزيون, أما مفهوم العيد فقد اختلف هذه الأيام, لم تعد الكسوة والعيدية التي نفرح بها وحتي الصغار انما مطالب الاطفال تغيرت واصبحت مواكبة للعصر, يريدون أجهزة حديثة ويريدون أن يكونوا ابناء عصرهم, وهذا حقهم, وأن يفرحوا بالعيد علي طريقتهم وان كان من واجبنا أن نوجههم إلي ماهو مفيد, ونحن نجد فرحتنا من فرحتهم.
وسيكون عيدا حقيقيا مختلفا عن كل عيد لو حل ببلدنا شيء من الهدوء والاستقرار, وانتهت الظواهر السلبية التي نعاني منها الآن مثل كثرة الشائعات والبلطجة.. وغيرها.
الآن كلنا نتمني أن يكون العيد بشري طيبة للمصريين جميعا في اتجاه تأسيس مجتمع ديمقراطي آمن ومستقر ومتقدم.
محمد كشيك
كان شهر رمضان بالنسبة لي شهر الاحتفالات والمناسبات السعيدة التي ترتبط بالأهل والاصدقاء, أيضا أتذكر نفسي وأنا أتجول في شارع الموسكي أراقب الاشاربات والفساتين والفوانيس الملونة المعلقة في السقوف العالية وكنت أختلق أي حجة كي أمارس نشاط الشراء وأدخل إلي أي محل وأسعي إلي الحوار مع البائعين ليس بغرض الشراء ولكن كي أشعر بجو رمضان من خلال الشارع, وكنت أطوف بحي السيدة زينب والسيدة نفيسة والحسين وكل مكان ممكن التحم فيه مع البهجة الرمضانية, ولا أنسي وأنا طفل صغير عندما كنت أسهر مع أبي ونجلس بجوار المنقد استمع إلي صوت سيد مكاوي الذي كان يسحرني منذ وقتها وحتي الآن.
كما أسعدني الحظ بزيارتي لفؤاد حداد في مدينة الطلبة لكي أقابل هذا القطب الكبير.
كنت أحب في رمضان أن أذهب إلي المناطق الشعبية كي أستشعر الجو الرمضاني الجميل مثل تحت الربع وشارع المعز بدين الله الفاطمي وغيرها من الاماكن التي تمتلك الحياة والحب.
وكنت أحب أيضا أن أزور صلاح جاهين الذي لمح بفراسة الشاعر القدير انني ممكن أن أكتب للاطفال ونصحني أن أستمر في الكتابة للاطفال وأهداني مسرحية اسمها( صحصح لما ينجح) وبعد قراءتي لها انفتحت كل أبواب السحر وكتبت أكثر من ألف قصيدة وخمسة أبريتات للاطفال استوعبتها تسعة دواوين.
أما بالنسبة لاغاني العيد, فكنا لا نعتبر أن هناك عيدا إلا لما كنت أسمع أغنية الليلة عيد لام كلثوم وأزور أقاربي وأتذكر عندما كنت طفلا في الثالثة من عمري ألعب, انني كنت أعيش في مزرعة جدي لامي المليئة بجميع أنواع الزهور والنباتات, أذكر انني كلما وقعت علي الارض كنت أقع علي زهرة من الازهار حيث الارض كانت أكثر رحمة مما أصبحت عليه الآن, كلما أتذكر هذه الذكريات الجميلة, تنهمر من عيني الدموع لكنني أعتقد في الايام القادمة سوف تنهمر من عيني دموع السعادة والفرح.
في رمضان القديم في طفولتي كنا نعيش في بيت نملكه من طابق واحد, كل يوم بعد العصر وحتي المغرب أبي يفترش سجادة صلاته في مدخل البيت, ويجلس يقرأ بصوت عال جزءا من القرآن حتي اذا جاء آخر يوم في رمضان أتم القرآن, صوت أبي كان جميلا, تعلمت منه صحة اللغة, وهذا ماأفادني كثيرا كشاعر, وكانت أمي تنهمك في الوقت ذاته في إعداد طعام الإفطار, هذه هي المرات القليلة التي كنت أري فيها شعر أمي دون غطاء.
د. أحمد درويش
لابد أن أقول انني من جيل ينتمي إلي فترة كان رمضان والعيد فيها يعني كثيرا من الأشياء, وربما في القري علي نحو خاص, ونحن من أبناء القرية, وكان رمضان في الطفولة يعني جزءا من الحد الفاصل بين أواخر الطفولة وأوائل الصبا والشباب.
وكان الفتي الصغير اذا استطاع أن يصوم رمضان يحصل علي شهادة ممن حوله بأنه قد أصبح فتي كبيرا, أو علي أعتاب الشباب والرجولة, وكنا من أجل ذلك نسارع بأن نجشم أنفسنا عناء الصوم حتي قبل أوانه لكي نكسب هذه اللمحة الرجولية المبكرة.
وكنا في القرية نمارس الطقوس الجميلة في شهر رمضان والعيد, فكنا نتجمع حول المسجد في أنتظار مدفع الافطار ولايوجد في القرية مدفع افطار, لكن كنا ننتظر حتي نسمع أذان المغرب, فتكون هذه اشارة انطلاقتنا لنجوب كل شوارع القرية لكي نعلن للجميع أن وقت الافطار قد حل, ونطلق الأغنية الشهيرة افطر ياصايم علي الكحك النايم.
وعيادة الصوم تكتسب قيمة كبيرة في تأكيد معني الذات عند الاغتراب, واذا أن السنوات التي قضيتها في باريس كان الصيام من أكثر ما يعتز به المسلمون, وكان رمضان وأنا في سنواتي الأولي بباريس يأتي في موسم الصيف الطويل, وكان موعد الإفطار في العاشرة مساء, ورغم ذلك فلا أتذكر أني تخليت يوما عن صيامي, وكان صيامنا موضع إعجاب الفرنسيين.
وفي الوقت الحالي أصبح الصيام يرتبط عندي بالعمل الجاد لانه يتيح لي وقتا أكبر للعمل ليلا, لهذا فقد كانت البذرة الأولي لكثير من أعمالي في رمضان.
أما عيد الفطر, ممكن نشعر به كأطفال في القري أكثر من شعورنا الآن فهو يرتبط بالبهجة وبالاحتفالات واللقاءات الأسرية, ومن أجل هذا اكتسب الآدب العبري نفسه فكرة الحفاوة بالعيد, وربما كانت مصر علي نحو خاص من بين بلاد الدنيا.
قد أضفت علي احتفالات رمضان والعيد ملامح شعبية كثيرة جدا, وأنا أذكر أن الشاعر الراحل علي الجندي وضع كتابا جميلا عن قرة العين في رمضان والعيدين جمع فيه أجمل ما قاله الشعراء في الآدب العربي في رمضان, والعيد ومعظمها لشعراء مصريين.
رجب الصاوي
رمضان والعيد كانا يشكلان ونحن صغار عالما من البهجة والجمال.. عالما له لون وطعم ورائحة, فأنا أتذكر في قريتي الريفية المظلة والفقيرة( الوراق) وأنا طفل في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أنه كان في لشهر رمضان سحره الخاص, فقد كنا ننتظره بشغف كبير لانه ارتبط في أذهاننا بطقوس شعبية مصرية خاصة, تبدأ باستعدادنا له في نهاية شهر شعبان بعمل الزينات الورقية وشراء الفوانيس والشموع( تلك الفوانيس اليدوية التي كانت تستدعي معها حكايات ألف ليلة وليلة الساحرة) ثم ننتظر بداية ظهور الهلال وكأننا ننتظر ضيفا عزيزا يأتي من بعيد ليسكن معنا شهرا كاملا وكانت يصحب قدومه أغان عاطفية رمضانية رائعة وعلي رأسها حلقات المسحراتي بصوت سيد مكاوي وأشعار فؤاد حداد, كذلك كان للعيد طقوسه الجميلة التي تبدأ بشراء الملابس والاحذية التي ننزلق بها علي الارض متباهين انها جديدة ثم الذهاب إلي الأهل والاقارب لنحصل علي العيدية الورقية الجديدة والقليلة والتي كنا نسعد بها سعادة غامرة.
هذا قبل الدخول بعمق في الحقبة البترودولارية وخاصة في فترة الثمانينيات والتسعينيات فقد حدثت في هذه الحقبة شروخ كبيرة داخل الاسرة المصرية بسبب الفروق المادية بين من سافر من الأخوة وبين من لم يسافر وسبب تبني ثقافة استهلاكية متخلفة ومغايرة للثقافة المصرية, فلم يعد شهر رمضان والعيد في مصر نفس المذاق الجميل واختفت بدرجة كبيرة حالة الألفة والمودة والتجمعات الاسرية التي تتصف بالدفء والبساطة, وأصبح رمضان والعيد يشكلان عبئا ماديا ونفسيا علي معظم الاسر المصرية ولم يعد لهما مثل هذه الروح الانسانية القديمة الجميلة.
أحمد صبري أبو الفتوح
ليست ليالي رمضان وذكرياته بالضرورة قاهرية الانتماء بأجواء أحيائها العتيقة لكن في ربوع مصر أجواء أخري لها طابعها المختلف في ذكريات وحاضر أبنائها من المبدعين, ولان رمضان يرتبط أكثر بالذكريات ويحلو الحديث عنها, فقد سألنا الروائي أحمد صبري أبو الفتوح صاحب( ملحمة الساسوة) عن ذكرياته مع رمضان والعيد في موطنه الذي لايبرحه إلي القاهرة إلا قليلا ولامور ضرورية( المنصورة) وهو يفصح عن أن( رمضانه) هو الاب الحقيقي لابداعاته الأدبية فيقول:
ذكرياتي مع رمضان والعيد هي ذكرياتي مع البهجة, والسلام النفسي, أول وعيي ان اجازة العيد تصادف اجازة نصف العام الدراسي, فكانت المتعة مزدوجة, لكن رمضان كان علي الدوام شيئا مختلفا, نتسابق في الصوم ونحن صغار, ونكاد تزهق أرواحنا في الساعات الاخيرة من اليوم الطويل, وفي آخر الليل نتسابق في اليقظة لتناول السحور, ونسمع أطايب الاذاعة, ألف ليلة وطاهر أبو فاشا موهوب وسلامة وعباس الاسواني ابتهالات الشيخ سيد النقشبندي ثم سهرة المندرة الكبيرة في بيتنا مع ليالي الشيخ حسن الذي يحيي رمضان لدينا, الكنافة البلدي بالقشطة التي تجيد صنعها أمي والمنقد الكبير في الشتاء الرمضاني, وبرادات الشاي والقرفة والحلبة والينسون, والسبرتاية وفنجان القهوة والشهوة الرائعة للطعام في ساعات ما قبل الإفطار, صلاة التراويح والدعاء الذي لا يعرف المخاتلة أو الرياء علي الخالق, دعاء صرف طازج بسيط.
دعوا قمر الدين وحده هذا الشراب اللذيذ الذي أحمل له ذكريات مستمرة, والمشمشية الرائعة, والخشاف الذي كنا نستبقيه لما بعد الافطار, ولانبادر به, وحكايات ما بعد التراويح, نحكيها لبعضنا البعض, أو يحكيها لنا الكبار, والشياطين المصفدة في الاغلال وسخرياتنا منها, وبلدانا الرائع وهو ينهض, يغني لثورة يوليو الرائعة, ويهز قلوبنا هزا فنحن امام مستقبل منظور, وأحلام تجعل الذين كانوا خدما وشبه عبيد معنا في قلب الحدث, والحلم, والامل أنا لم أعش رمضانا مختلفا عن غيري, ولكني رأيته بعيني أنا وخبرته بقلبي أنا, وسرحت فيه بخيالي أنا, واستمعت به بطريقتي أنا ربما لهذا هو لدي الجزء الأكبر من حياتي, فعشرات الحكايات التي أسهمت مع غيرها في تشكيل عالمي الروائي كانت في الحقيقة ابنة رمضان, ولياليه في مندرتنا العامرة, وسهرة رمضان التي واظب أبي علي احيائيا حتي انتقل إلي رحمة مولاه.
حمدي البطران
أما الروائي حمدي البطران الذي ارتبط اسمه بروايته الشهيرة( يوميات ضابط في الأرياف) التي أحدثت أزمة بسبب اعتراض وزارة الداخلية عليها في منتصف التسعينات وتمت محاكمته تأديبيا بسببها, حيث كان لايزال في الخدمة فيقول عن ذكرياته الرمضانية.
شهر رمضان يشكل خصوصية لدي كل شخص, حيث يخلق كل منا طقوسه الخاصة في شهر رمضان والتي تختلف بالطبع عن طقوسه في الايام العادية, وقد شكل لي شهر رمضان علي الدوام طقوسا خاصة, فقد عاصرناه في البرد القارس, والقيظ العنيف, وفي فترة التلمذة والجامعة, وفي العمل, وفي المعاش, وفي كل حالة كنا نخلق لانفسنا طقوسنا الخاصة.
أذكر انني في رمضان وكنت طالبا في المرحلة الثانوية قرأت الجريمة والعقاب وذكريات من منزل الأموات لديستوفسكي وقرأت عدالة وفن لتوفيق الحكيم, والضفيرة السوداء لمحمد عبدالحليم عبدالله, بالنسبة لي ككاتب, كان شهر رمضان دوما مصدرا للقراءة, فيه أقرأ كتبا اشتريتها طوال العام, ولم أجد لدي متسعا من الوقت لقراءتها فأقرأها في رمضان, خلال الفترة من بعد الظهر إلي ما قبل الافطار, وهي الفترة القاسية علي الصائمين, غير أنني لسبب غامض أجد نفسي غير قادر علي الكتابة خلال مرحلة الصوم, أي في فترات النهار, ولا أتذكر جوعي أو عطشي إلا عندما أتاهب للكتابة.
وعندما يكون لدي عمل لم أكمله, ويأتي رمضان فانني لا أتمكن من إكماله.
وذات مرة جاء شهر رمضان وأنا أحاكم امام مجلس تأديب الضباط في القاهرة, بسبب روايتي يوميات ضابط في الارياف وقتها كنت أعمل في المنيا وأقيم في ديروط مع أولادي وأسرتي, وكان معني ذلك أنني لن أتناول الافطار معهم, وهو ما سبب لي نوعا من الضيق, كان موعد الجلسة في الثامنة مساء في مقر وزارة الداخلية بلاظوغلي, معني هذا انني يجب أن أكون في القاهرة قبلها, وبالفعل ركبت القطار الساعة الثانية, وعندما نزلت من التاكسي في باب اللوق, كان أذان المغرب قد أوشك وكانت المطاعم قد تعودت أن تجعل الموائد علي الارصفة لتستقبل أكبر عدد من الزبائن, تجولت في المنطقة, وجدت موائد نظيفة عليها مفارش جميلة, ورجالا محترمين ينادون الناس ليفطروا جلست, وعندما حان الآذان تقدم مني رجل يرتدي الملابس الكاملة وقدم لي كوبا به عصير المانجو أو قمر الدين, لا أذكر ثم جاءت الاطباق من الارز عليه قطعة كبيرة من اللحوم, وطبق به سلطة, وآخر به خضار, وبعد أن أكلت أشرت إلي الرجل الذي يرتدي الملابس الكاملة من بعيد, وحركت أصابع يدي بما يعني رغبتي في دفع الحساب جاء الرجل مسرعا, وصافحني, وكانت في يده ورقة مالية, ولما رأي دهشتي, أشار إلي لافتة لم أتنبه لها, وقد كتب عليها( مائدة الفنانة) وقتها شعرت بحرج شديد, وعزت علي نفسي وعبثا حاولت أن أعيد المبلغ الذي أعطانيه الرجل, واستبسل واستبسلت في الرفض وتجمع بعض الناس, وهنا قال أحدهم خلاص بأه يا أستاذ كله من خير الفنانة) وقتها شعرت بخزي هائل لا حدود له, وأحسست أن كل الناس تعرفني وتنظر إلي لانني أكلت في موائد الرحمن.. المهم انني فتحت يدي عن الورقة المالية فوجدتها خمسين جنيها.
عبد المنعم رمضان
في رمضان القديم في طفولتي, كنا نعيش في بيت نملكه من طابق وأحد, كل يوم بعد العصر وحتي المغرب أبي يفترش سجادة صلاه في مدخل البيت ويجلس يقرأ بصوت عالي جزءا من القرآن حتي أذا جاء آخر يوم في رمضان أتم القرآن.
صوت أبي كان جيلا, تعلمت منه صحة اللغة, وهذا ماأفادني كثيرا كشاعر, وكانت أمي تنهمك في الوقت ذاته في إعداد طعام الإفطار, هذه هي المرات القليلة التي كنت أري فيها شعر أمي دون غطاء.
فولاذ عبدالله الأنور
لشهر رمضان منزلة كبيرة عندي لانه أولا يرتبط بالعاشر من رمضان, وهو اليوم الذي انتقلت فيه من سوهاج إلي القاهرة للدراسة الجامعية, ومن الطالع أن يتزامن انتقالي إلي الجامعة بمناسبتين عظيمتين, مناسبة العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر ولعل هذه المناسبة جعلت لشهري انطلاقة جديدة, وامتزج شهر الصوم الكريم بالانتصارات العظيمة.. وبالتالي تدفقت القصائد التي تعبر عن هذا النصر.
ويمثل شهر رمضان بالنسبة لي في تلك المرحلة بالذات نقطة تحول كبيرة وذكريات غامضة مليئة بالسعادة عندما رأيت وطني ينهض من كبوته, لكن هناك ذكريات أخري أيام الطفولة في رمضان, وأظن أن شهر رمضان في طفولتي يختلف تماما عن الاحتفال به في هذه الايام وربما كان المسحراتي في أيام الطفولة رمزا حيا مرتبطا بالشهر الكريم اكثر من هذه الأيام, لان مفردات شهر الصوم من الصيام والسحور وانطلاق مدفع الامساك كانت تشكل حالة جمالية أظن أن مصر تفتقدها هذه الايام بسبب السهر الطبيعي التلقائي الذي يعيشه أبناء المدن والقري علي حد سواء.
أما عيد الفطر, فأنا أتساءل تري كيف سيكون الاحتفال بالعيد خاصة بعد ثورة52 يناير؟ وأتطلع بمزيد من الشوق لمعرفة ما تخبئه الأيام في الاحتفال بأول عيد يمر بعد الثورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.