عندما انطلقت الشرارة الأولي لثورة شباب مصر في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي لم يكن يتصور أكثر الحالمين أن تسير خطوات هذه الثورة المباركة, فيما سارت إليه, ووقف العالم شرقا وغربا مندهشا من هذه التطورات المتلاحقة التي أحدثتها الثورة التي ظن الكثيرون أنها لن تدوم, ولن تحقق أي مكاسب, فكانت, وبحق اطهر ثورة عرفها التاريخ الإنساني, ففي خلال81 يوما فقط من عمر انتفاضة شباب مصر, والذين انضم إليهم جميع فئات الشعب, وفي الطليعة منهم كان الموقف التاريخي والفاصل للقوات المسلحة المصرية التي أثبتت أنها نبت هذه الأرض الطيبة, استطاعت الثورة أن تحطم كيانا سلطويا بوليسيا ظن الجميع أنه غير قابل للانهيار, فإذا به يتهاوي تحت أقدام شعب مصر وارتفعت دماء الشهداء وجراح المصابين إلي عنان السماء لتنهال لعنة علي كل من ظلم وتجبر. ويصف المحللون السياسيون في الخارج نجاح الثورة المصرية بأنه يعتبر معجزة بكل المقاييس, ولكنها معجزة أولي تحتاج منا نحن المصريين علي اختلاف اتجاهاتنا السياسية إلي معجزة ثانية, وهي إعادة بناء الدولة المصرية الديمقراطية الحديثة, وهو ما يؤكد الخبراء أنه إن تم فسيكون بمثابة بدء قيام المصريين بإعادة كتابة التاريخ مرة أخري, كما كنا نكتب تاريخ الإنسانية منذ أكثر من سبعة آلاف عام والتاريخ القديم يؤكد أننا أول من أسس دولة متكاملة الأركان عندما كان البشر يعيشون في الغابات, كما يشهد التاريخ الحديث أن مصر أيضا كانت من أولي الدول التي انشأت مجالس برلمانية منتخبة سواء مجلس الأمة أو الشيوخ في القرن التاسع عشر, والسؤال الذي يطرح نفسه الآن وبقوة هو, هل سننطلق إلي هدفنا الأسمي الذي من أجله قامت الثورة لتحقيق العدالة الاجتماعية, وبناء مصر الحديثة علي أسس من الديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة؟ أو أننا سنغرق في الجدال العقيم حول بأي شيء نبدأ, ونظل نبحث عن البداية وننسي الهدف والغاية؟!.