العاشر من رمضان يأتي هذا العام بطعم مختلف فهو أول عيد بعد ثورة25 يناير وبعد أن خصصت مليونية في ابريل الماضي ل' رد الجميل' من الشعب للجيش, فلولا الجيش ما نجحت الثورة ولولا الجيش أيضا ما كنا نحتفل بعيد تحرير سيناء ولا العاشر من رمضان وهي الأعياد التي التقت فيها ارادة شعب يرفض الهزيمة مع بطولات جيش عريق فى البطولة.. وهذه السهرة'رد جميل' لمجموعة من الأبطال كانت بطولاتهم في تحرير تبة الشجرة في حرب أكتوبر1973 بعثا جديدا للشعار الخالد الذي آكدته ثورة الخامس والعشرين من يناير عام2011' الجيش والشعب ايد واحدة'. حين زرت منذ أيام موقع قيادة القطاع الأوسط للجيش الاسرائيلي في خط بارليف وبهرني ارتفاعها الشاهق وتجهيزاتها العسكرية بالغة التعقيد تساءلت متعجبا.. كيف فر جنود العدو الذين كانوا يحتلونها وبقيت كل معداتهم من الملاعق وأطباق السفرة حتي الدبابات وأسلحة الحرب الكيماوية, وتساءلت أين أبطال هذا الإنجاز الآن من الأحياء.. وهل كل ما بقي من بطولاتهم تلك اللوحة الرخامية التي تضم ستة من شهداء الكتيبة 12 يوم 8 أكتوبر73 والموجودة منذ عام90 في مدخل الموقع العسكري السياحي المسمي الآن تبة الشجرة.. وفوجئت بدعوة لاحتفالهم السنوي الذى يحرصون على اقامته فى رمضان من كل عام من اللواء طلبة رضوان' نقيب' أسرة الكتيبة 12 مشاة فلبيت النداء علي الفور.. لسهرة رمضانية بعد أن اعتزلوا حياة الميري بين رجال لم يعد لهم وجود في عصرنا بسبب غيابهم عن مهرجانات الدعاية, رغم أن بطولاتهم لم تغب من ذاكرة سيناء والوطن.. كما غابت أيام الشباب في ملامحهم وحلت محلها ملامح الفخار والحكمة والخبرة والإيمان في زمن أصبح للبطولة عنوان آخر يحدد ملامحه مهرجانات الخطب وبرامج التوك شو وجنرلات الفضائيات.. سبعة عشر بطلا من أبطال الكتيبة12 في اللواء الرابع الفرقة الثانية الجيش الثاني.. يعيدني مجلسهم37 سنة إلي' الأمام'.. الي زمن كنت حينها في الثانوية العامة أتلهف لسماع صوت شقيقي سيد الذي شارك في هذه الحرب جندي استطلاع خلف خطوط العدو حتي استشهد يوم13 أكتوبر, وكنا نشتاق لسماع صوت أحد الأبطال الذين أذهلتنا أخبار انتصاراتهم من أمثال.هؤلاء الذين يشرفني الجلوس وسطهم والحديث معهم.' المقدم' رجب عثمان قائد الكتيبة و'الرائد' حمدي البنداري رئيس عمليات الكتيبة و'النقيب' طلبة رضوان طلبة قائد السرية الأولي و'النقيب' محمد أسامة عبدالعزيز قائد السرية الثانية والبطل مصطفي رمضان قائد السرية الثالثة, والبطل محمد صدقي عيد قائد سرية الهاون كما تضم كتيبة الأبطال نماذج نادرة من قادة الفصائل أمثال محمد ثروت زكي وأحمد المليجي ومكرم جرجس غبريال والمليجي أحمد المليجي والمفتي عبدالعزيز ومعتصم الزهوي, وسعيد السعدني قائد الفصيلة الرابعة السرية الثانية الذي اعتبر أن من الأمانة' أن أحيي علي لسانه الشهيد حمزة عبدالحميد الرقيب الذي استدعي من جنود حرب76 وكان أول شهيد علي صخور تبة الشجرة يوم7 أكتوبر,ومازالت الدبابة التي أطلقت داناتها مباشرة علي حمزة أسيرة حتي الان علي يسار الموقع السياحي بتبة الشجرة. في حفل العام الماضي.. سألت اللواء رجب عبد الرحيم عثمان قائد الكتيبة12 مشاة في حرب أكتوبر وكان' برتبة المقدم'1973' ماذا كانت مفاجآتكم للعدو؟ قال: إنني عملت دراسة قبل الحرب كيفية تدريب قوات العدو خلف الساتر الترابي شرق القناة وكيف أنهم كانوا يحتاجون الي15 دقيقة لتجميع الاحتياطي القريب في منطقة السبعات والثمانيات التي تسيطر عليها من سرية الدبابات الواقعة علي ارتفاع85 مترا فوق تبة الشجرة لذلك كان تركيزي أن يجري' طلبة' وزملاؤه تدريبهم علي الجري مسافة10 كيلومترات في زمن أقل ولولا نجاح السرية الأولي الذين كانوا في طليعة العبور العظيم بمجرد بدء الحرب ما كان هناك نجاح للفرقة الثانية, بل كان البديل خسائر رهيبة وضعناها في اعتبارنا أيضا لدرجة أنني درست مع' الرائد'حمدي البنداري ماذا لو أصدرنا الأمر بالعبور ولم ينزل الجنود الماء ؟كل الاحتمالات كانت مطروحة ومدروسة لنجاح العبور. وأسأل اللواء طلبة رضوان وقد لمعت عيناه بالذكريات:' كنت وقتها نقيبا وقائدا للسرية الأولي التي عبرت' سعت'1405, اندفعنا بأقصي سرعة دون استخدام سترات النجاة التي كان لونها أحمر فسفوري فاقع فأعدناها الي بالاتها المغلفة بالخيش, وتسلقنا الساتر الترابي بدون سلالم الحبال رغم وجودها في القوارب.. ولأننا لاحظنا أن أمطار الشتاء' الماضي' قد صنعت ممرا مائيا في الساتر الترابي وصلنا منها لأعلي الساتر.. وأطلقت وزملائي الصيحة المزلزلة لمعنويات العدو والمفجرة لطاقات زملائي.. الله أكبر.. الله أكبر.. من الضفة الشرقية للقناة لأول مرة.. وقام' الملازم أول' المفتي عبدالعزيز بتثبيت أول علم مصري وكان قد لفه حول وسطه بعد أن صنعه خصيصا في التل الكبير.... وناداني أحد جنودي في السرية, دون ألقاب' دمرت دبابة يا طلبة!' سألت اللواء حمدي البنداري الذي كان وقتها قائد عمليات للكتيبة عن انطباعه بعد73 سنة من الحرب.. فقال: كانت الكتيبة12 هي كتيبة المجهود الرئيسي المكلف بعبور قناة السويس شمال نمرة6 قبالة محور الطريق الأوسط بالإسماعلية وقررت دفع النقيب طلبة رضوان وسريته بسرعة للاستيلاء علي منطقة التبة الصناعية' سبعات وثمانيات' خلال15 دقيقة فقط قبل أن يستولي عليها العدو بواسطة قوات الدعم والمساندة.. ومنذ بدء حرب الاستنزاف صدرت الينا الأوامر أن يعبر جنود من الكتيبة للمبيت كل ليلة في الضفة الشرقية للقناة لمراقبة مسرح عمليات العدو وحقول الألغام ويعودوا قبل أول ضوء للنهار.. كما كنا نقوم بغارات لأسر جنود للعدو حتي جاء يوم6 أكتوبر وقلت لالنقيب طلبة وانا أشير إلي تبة السبعات.. هذا المكان' اما قبرك واما مجدك'. وعدت بالسؤال إلي' النقيب' طلبة رضوان طلبة, قائد السرية الأولي التي شاركت في حصارتبة الشجرة, ما هي حكاية التبة؟ يقول... كانت معلوماتنا عن هذا المكان بسيطة.... كما كانت الأرض المؤدية اليها رخوة وصدرت التعليمات بالهجوم علي هذا المركز الحيوي للعدو ظهر يوم7 أكتوبرو طلبنا العميد حسن أبوسعدة قائد التشكيل فأرسل كتيبة دبابات دعم.. كانت تستطيع المشي علي الرمال.. مشينا من الضفة الشرقية حتي السبعات والثمنيات مترجلين مسافة3 كيلو مترات وعندما سيطرنا عليها قبل وصول قوات العدو بخمس دقائق كانت فرصة لالتقاط الأنفاس.. شاهدت وسط الجنود مدنيين وحارس أمن بمستشفي وخبازا وعم قاسم خفير مستشفي قناة السويس جاء ليحارب معنا بطبنجة شخصية.. تذكرت لحظتها عمال التراحيل البسطاء.. الذين ساهموا معنا في بناء قواعد الصواريخ.. وحصلت عليهم الغارات ومات منهم المئات.. وعم بهجت الوحش السائق في شركة عثمان الذي أمره اللواء رجب بتشغيل التراكتور في المصاطب للتمويه يوم6 أكتوبر وعندما فوجيء بالجنود تنطلق للعبور نادي علي وأنا أضع القارب مع الجنود في المياه.. انتظروني.. انتظروني.. ومعه كان رزق وديع حنا.. الذي كان موظفا في الشئون الإدارية للكتيبة.... شعرت ساعتها أن الله لن يخذلنا. قلت للواء رجب. كنت مسئولا عن أكثر من الف من العسكريين, ما سر نجاح القائد في الميدان وأي ميدان؟ قال كأنه يقرأ من كتاب.. لا تميز نفسك عن مرءوسيك.. واعطه حقه قبل أن يطلبه, واحمه وعيش عيشته.. هذا ما اكتشفته أثناء سنوات الحرب..باختصار' خليه يخاف منك وعليك.. هذا هو ألف باء قانون القتال لجندي المشاة. فسألت اللواء أحمد شوقي غنيم وكان رائد في الكتيبة وقتها.. ما هو أطرف موقف لا تنساه؟ قال عندما أوقعنا أول أسير في الكتيبة فطلع من أصل عربي.. وأكمل طلبة رضوان الحكاية.. فقال: لقد طلب اللواء رجب عثمان قائد الكتيبة يوم7 أكتوبر تسليمه أسيرا إسرائيليا, كان معنا جندي قناص اسمه محمد محمد سليمان من دمياط يستحق الدكتوراة في رماية ال' آر بي جي'.. صوب علي جنزير إحدي الدبابات الإسرائيلية فانفرط, وراقبناها وهي تحترق.. خرجت من برجها أصابع ثم رأس ثم عينان ثم وجه كامل, ثم ظهر أحد أفراد طاقمها وألقي بسلاحه.. وقال وحياة الإله الذي نعبده سويا لا تموتوني.. قلت له وحياة الإله الذي نعبده.. أمك' دعتلك' النهاردة! سألته: - أين وحدتك؟ - مافي خلصت بالكامل. وقمت بتفتيشه ونزعت القايش ورباط الجزمة, وطلبت من الضابط ثروت أن يحميني وأنا أحمي الأسير كما هي مسئوليتنا دائما عن الأسري.. وعملوا دائرة حولي, في الطريق إلي قائد الكتيبة.. وبعد مشوار شاق كنت أجري بالأسير وأشعر أن الجيش كله يجري ورائي, وصلت إلي قائد الكتيبة رجب عثمان ورئيس العمليات حمدي البنداري وكانا في الحفرة.. لم أصدق نفسي وقد تقطعت كل ملابسي وأديت التحية: قال لي' المقدم' رجب.. معقول الواد ده هو إللي بهدلك كده؟ - قلت له وقد انقطعت أنفاسي أنا من الصبح بانضرب بسببه! قلت للواء طلبة' الجيوش تمشي علي بطونها'.. ماذا يعني ذلك؟ قال فعلا.. أي جيش في الدنيا وراء انتصاراته بعد الإيمان بالله ووضوح الهدف, يأتي مباشرة المياه والزخيرة والسلاح, التي بدونها لا يمكن للعسكري أن يحارب, وفي73 كان وراءنا قطاع كامل من الإمداد والتموين عالي المستوي الاحترافي... لكن أكبر دعم للجيش المصري في الحرب كان من الشعب والمواطن البسيط الذي كان يساند الجيش بكل ما يملك ومازلت أتذكر فلاحة قرية البيروم مركز فاقوس شرقية التي أوقفت سيارة القوات المسلحة وألقت فيها سحارة عيش وبلاص جبنه وزلعة عسل, وقالت: سلمولي علي فكري!