دحم الشاشة طوال شهر رمضان بحالة من الهوس الإعلامي والإلحاح الإعلاني المستمر بما يتضمنه من إبهار وخداع بصري وسمعي وما يعرض له من منتجات مستعينا بنجوم الفن والرياضة للترويج لهذه السلع. وسيطر الإعلان علي كل شيء في حياتنا واستنزف موارد الأسر التي وقعت فريسة لهذا الطوفان المدمر لجيوب المستهلكين!! وإذا كان الإعلان الداعم الرئيسي للبرامج الترفيهية غير الهادفة والتي تتنافي في مجمل ما تقدمه مع مقاصد وتعاليم الصوم, فان علماء الدين يؤكدون أن صراع القنوات الفضائية و حالة الهوس الإعلاني أصبحت ظاهرة تتفرد بها القنوات الفضائية, تتنافي مع الحكمة من شهر الصيام ويقول الدكتور نصر فريد واصل, مفتي مصر الأسبق: وسائل الإعلام لها أثر كبير في هداية الناس وإرشادهم, والعمل علي أن يعبدوا ربهم عبادة حقيقية من خلال البرامج الهادفة, والبعد بقدر الإمكان عن البرامج التي تفسد هذه العبادة بما فيها من سفور ومظاهر تعطل المسلم عن تأدية العبادات في أوقاتها, خصوصا أوقات الصلوات, والتلفزيون يذيع خلال شهر رمضان ما لا يتوافق مع قدسية هذا الشهر ومكانته فهو شهر القرآن وليلة القدر, وشهر الخير للبشرية جميعا, فيجب أن نكون علي مستوي هذا الشهر, ولذلك فإن أمن الوطن يتحقق بأن تتوافق وسائل الإعلام فيه علي تحقيق مصلحة الفرد والجماعة. ويؤكد الشيخ محمود عاشور, عضو مجمع البحوث الإسلامية, إن المسلمين الأوائل كانوا يستقبلون شهر رمضان بالطاعات والعبادات كالصلاة والقيام والصدقة وقراءة القرآن وجميع وسائل التقرب إلي الله تعالي فكانت النتيجة الطبيعية هي أنهم سادوا العالم وقادوا الدنيا بأسرها, ولكننا الآن استقبلنا رمضان بمسلسلات وبرامج أنفقنا عليها من قوتنا الملايين ولا هدف منها إلا إثارة الغرائز والشهوات بما تحتوي من مشاهد للعري, وأدي هذا لما نحن فيه من بعد عن الدين وتهميش لدوره وتجاهل للقرآن الكريم وتعاليمه وأحكامه, وحروب لا تنتهي تنهش في الإسلام وتنتهك حرمات المسلمين. ويري الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر أن حالة الهوس الإعلاني التي تتزايد بالقنوات الفضائية تتنافي مع مقاصد الصوم وعلي صاحب المال أن يدرك أنه ليس صاحبه وحر التصرف فيه كيفما شاء وإنما المال مال الله وهو مستخلف فيه ولهذا قال الله تعالي وأنفقوا من مال الله الذي أتاكم وقوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه وأكد الرسول صلي الله عليه وسلم نفس المعني في قوله يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وقد وبخ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ابنه عبد الله عندما أراد أن يشتري شيئا ليس من الضروريات قائلا: أو كلما اشتهيت اشتريت ووصف الشاعر النفس التي لا تشبع من الشراء بالطفل الذي إن تهمله شب علي الرضاع وأن تفطمه ينفطم. وأوضح أن الفقهاء عرفوا الإسراف بأنه تجاوز الحد في إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس وقال ابن عباس من أنفق درهما في غير حقه فهو مسرف في حين عرف الفقهاء التبذير بأنه عدم إحسان التصرف في المال وصرفه فيما لا ينبغي وقد توعد الله المترفين في غير ما أحل الله وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. ولا شك أن سيطرة الشهوات علي الإنسان مفسدة ولهذا قال عمر إياكم والبطنة في الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم مكسلة عن الصلاة وعليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف وليحذر الإنسان من مصاحبة المسرفين حتي لا يتأثر بهم لقول الرسول صلي الله عليه وسلم المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وقال إن حالة الهوس الإعلاني يجب أن تخضع لضوابط شرعية حتي لا تتحول إلي سلوك استهلاكي تبذيري قال فيهم الله تعالي وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقوله تعالي إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ولابد أن يسأل صاحب المال نفسه أن الله سيحاسبه علي ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وإذا كان هناك فائض من المال فلا مانع من الشراء العقلاني للضروريات والكماليات دون تعدي الوسطية التي قال الله عنها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين وقال الله تعالي أيضا ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا كما يستحب الاستخارة والاستشارة قبل الشراء خاصة داخل الأسرة أو ممن لديهم خبرة من الأصدقاء حتي ننفذ الأمر الإلهي العام وأمرهم شوري بينهم وإذا كان هناك فائض من مال فيستحب توجيه جزء منه إلي الصدقات وأعمال الخير لإدخال السعادة علي الفقراء والأيتام والأرامل.