مقتل الشاب المصري أحمد محمود عبدالعزيز في ميلانو بإيطاليا علي يد مهاجر لاتيني جعل المسئولين يعيدون فتح ملف هجرة المصريين غير الشرعية إلي الجنوب الأوروبي الذي يمثل نوعا من الانتحار من جديد مما يدل علي أن الملف كان قد أغلق وهو مالا يجب أن يحدث إذا أردنا أن نحمي فلذات أكبادنا ومستقبل أيامنا فالشباب المصري محبط إذ إن معظم خريجي الجامعات لا يجدون عملا بسهولة وأغلبهم ينتمي للطبقة الدنيا الوسطي سابقا والتي تكون قد استهلكت كل ما يملك ذووها في التعليم لنيل الشهادة التي كانوا يعتقدون في سرها الباتع, فإذا بها عبء أضيف علي كاهلهم وكتم أنفاسهم إلي حد الموت بدلا من أن تكون عونا لهم لكسب الرزق وتوفير المال اللازم لبناء أسرة, حتي أولئك المحظوظون ممن تخرجوا مما يسمي كليات القمة إذا وجدوا عملا كالأطباء مثلا فإن أمامهم سنوات قد تتجاوز العشرة لمجرد توفير مقدم شقة صغيرة علي أطراف المدن لأن مرتباتهم لا تكفي سد الرمق وستر العورة وملء البطن فولا وطعمية فكيف بمهر وشبكة العروس. ويبقي هؤلاء المحظوظون الذين ولدوا لآباء مريشين وقد يكونوا مرتشين أو وصوليين للأسف الشديد فتعلموا في المدارس الأجنبية واتقنوا اللغات وتحصلوا علي شهاداتهم بالدروس الخارجية ثم وجدوا العمل في انتظارهم في شركات عائلاتهم أو لدي معارفهم من أصحاب المعالي وبالعملة الصعبة ناهيك عن الفيلا بمارينا والشقة بالمهندسين والعروسة بنت فلان الفلاني والسيارة الجاجوار. مجرد أن يقارن الشاب المكافح بين وضعه في بلده ووضع زميله في نفس البلد بالرغم من أنه قد يكون أكثر منه ذكاء وفطنة ولكنه أدني في السلم الاجتماعي المصري الذي لا يعين في النيابات العامة والشرطة إلا اللائقين اجتماعيا علي أسس طبقية مقيتة لا توجد إلا في البلاد المتخلفة القائمة علي العصبيات ونظام القبائل بغض النظر عن علمه وأخلاقه وما انتحار الشاب المصري الحاصل علي امتياز مع مرتبة الشرف في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية منا ببعيد عندما رفضوا تعيينه سفيرا لأن أباه خياط فرمي نفسه من فوق كوبري قصر النيل؟ فالفقير غريب في بلده وبين أهله أما المال فإنه في الغربة وطن وكفانا التماسا لأعذار واهية لا تسمن ولا تغني من جوع وتذكروا جيدا أن المصري عكس كل خلق الله كان لصيقا بأرضه لا يرضي عنها بدلا وإلي وقت قريب جدا إلي أن جاء اليوم الذي أصبحنا فيه نقيم الناس بما يملكون من حطام الدنيا لا بما يعلمونه من علم وما يؤدونه لبلادهم من خدمات جليلة وأصبح المتعلم الفقير أشبه بالغريب في بلده فلا يؤبه له وبه وإذا ألقي السلام علي عشرة لا يرد عليه غير واحد وإن حدث حديثا فهو الكذاب وإن غاب فلا يسأل عنه وإن حضر فلا يري وإن خطب لا يزوج وإن طلب التعيين في مكان مرموق يؤهله له علمه ودرجته لا يعين!! بينما إذا مر غني أقل منه علما وأدبا قام له الجميع وإن لم يلق عليهم السلام وإن غاب وجد ألفا يسألون عنه وإذا أراد أن يتزوج تشرئب إليه أعناق العائلات؟ الموضوع كبير وذو شجون صدقوني.. فما يجعل الشباب في مصر يفضلون الموت وهم في طريق الحلم عن العيش حيث لا حلم ولا علم هو فقدان التمييز لدينا بين قيم الذهب وقد علاه التراب والفاصل ذي البريق الباهر مما جعل الثقافة السائدة هي البحث عن المظاهر لا الجواهر. د.سمير محمد البهواشي