تعليقا علي رسالة( إلا أمك) التي حواها بريد الجمعة الاسبوع قبل الماضي نقول: لا يختلف البشر جميعهم علي أن الأم هي أصل الأصول ومنبع رضا الخالق عز وجل فدعاؤها سبب للتوفيق وسعة الرزق في الدنيا وشرط لدخول جنة الله في الآخرة.. نأنس بوجودها بين أظهرنا ونحتمي بحنانها من وطأة الأيام وأوجاع السنين.. والرجل الذي جاء للنبي عليه الصلاة والسلام قائلا: صنعت كذا وكذا لأمي من البر بها والتفاني في خدمتها أتراني قد أديت حقها؟.. فقال: لا... ولا بزفرة من زفراتها. وحتي مع الكفر والشرك أمر الله تعالي بحسن الصحبة لها والقول المعروف وخفض جناح الذل من الرحمة.. ولم يقرن في كتابه الكريم مع عبادته سبحانه امرا إلا الإحسان بالوالدين فقال تعالي وقضي ربك ألا تعبدوا إلا اياه وبالوالدين إحسانا) وجاء بلفظ الوصية في آيات أخري وفيها معني النصح الشديد الحريص علي المنفعة.. وقد جبلت العقول والقلوب علي احترام الوصية وتقديرها فما بالنا إذا كانت الوصية من خالق البشر الأعلم باحوال عباده من أي بشر! نعم هناك من الزوجات من لا تدري مكانة وقدر الأم كقيمة جليلة في حياتنا إلا بعد ان تنجب وتعاني الأمرين في تربية الأبناء وكم التضحيات في سبيل الوصول بهم لشاطئ الأمان. وللأسف أصبح بعضهن يعتبرن الحماة وكأنها شر لابد منه وانها ستظل كذلك الي أن يثبت العكس, وهذه الفكرة الخاطئة المسبقة هي سبب جل المشاكل ولا شك. قد تكون صورة الحماة( القرشانة) والمغلوطة في أفلامنا أثرت في بعضهن, أو هي الأنانية وحب التملك أو الغيرة العمياء.. حتي أن بعض الأزواج يشكون غيرة زوجاتهم من مودتهم وبرهم بهؤلاء الأمهات.. هناك بون شاسع بين علاقة الرجل بزوجته وبين ارتباطه بامه, فعلاقة الأم أصيلة ثابتة عميقة الجذور تحمل صفة الدوام لأنها وببساطة سبب وجوده في هذه الدنيا.. أما علاقة الزوجة بزوجها فهي علاقة خاصة جدا ولكنها طارئة قابلة للنهاية والافتراق ولا تحمل صفة الدوام إلا في حال الإيمان والتقوي.. قال تعالي( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان الحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين) وقال سبحانه وتعالي في وصف حال المؤمنين( هم وأزواجهم في ظلال علي الآرائك متكئون). ولا يعقل ولا يصح مطلقا أن تجعل زوجة نفسها في مقارنة مع أم زوجها لأنها ستكون هي الخاسرة حتما والدنيا كلها ستقول له عندئذ: أمك ثم أمك ثم امك.. لأن هذا قول النبي الكريم لمن سأله عن أحق الناس بحسن الصحبة لكونها العلاقة الأبقي والأهم والأنفع لصاحبها. سلي نفسك أيتها الزوجة: أليست هذه الأم هي التي ربت لي زوجي؟ اليست هي صاحبة الفضل بعد الله تعالي في كونه صار رجلا ذا شأن يحمل مسئوليتي وأبنائي؟ أليست هي من صنعت لي هذا الزوج وأعدته خير إعداد وكانت حريصة عليه حرصها علي نفسها وأكثر؟ أليست هي من حملته جنينا وتحملته طفلا ورعته كبيرا؟ ثم أسألي نفسك: لو دخل زوجي النار بسخط أمه عليه فهل أتحمل مسئولية ذلك؟ هل يوجد في الكون كله من يعطي مثلها أو ينكر فضلها؟ أيكون جزاؤها القطيعة والشتم!! ساء ما يحكمون. وأنت أيها الابن الغافل أفق قبل فوات الأوان, فالموت سهم أطلق, وعمرك بمقدار سفر السهم إليك, فأمك حاضنة الماضي وبلسم الحاضر وطوق نجاة المستقبل, وهي ليست محلا للقطيعة, بل هي أولي الناس بالجلوس تحت قدميها واستدرار عطفها والقرب منها والحنو عليها طالبا رضاها باكيا في حجرها.. طاعة لأمر الله أولا.. وان كنت راجيا جنة الله ثانيا( رغم أنف من أدرك والديه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة) و)الزم قدميها فثم الجنة). رحم الله زمانا كان الرجل يمرغ وجهه في فراش أمه قبل نومها حتي يتيقن من خلوه مما قد يؤذيها!. محمود سليمان مهندس مدني