سرادق العزاء، بيوت الله، عيادة الطبيب ثالوث الاحترام الذى لا نتعدى فيه على الآخر، حتى وإن كان مخطىء، لا نكن عداءات لأحد، نلتزم الصمت احتراما للموقف، نمارس كافة انتقادات الآخر كما اعتدنا دوما، ولكن فى سرنا دون أن نجرحه بنظرة أو لمزة، فلا يمكن فى العيادة أن يعلو صوتك على الممرضة لأن أحدهم أخذ دورك، وتكتفى بالتمشيه خارج العيادة لكسر حالة الملل وتنفس غيظك فى سيجارة، وانا اتحدث عن سلوك عام ولكن بالطبع هناك استثناءات، ولا يمكن أن تصرخ فى أم لكى تبعد طفلها الشقى عن ابنك، تلك الحالة التى فى الطبيعى قد تتطور الى خناقة وثأر بين عائلات بأكملها، وترى أنه لا يصح أن تأمر أم باسكات بكاء طفلها الذى لا يتوقف، حتى ان شعرت بالصداع، بل على العكس فإن رأت أمه فى عينك بوادر الانفجار، فسرعان ما تطفىء غليلك بالقول "معلش غصب عنى" وما عليك سوى امتصاص غيظك لتنطق ابتسامتك المفتعلة "ولا يهمك ما أحنا عندنا ذيه" وفى حقيقة الأمر أن تقسو فى البيت على أولادك ولا تحترم شقاوتهم ولا تحاول توظيف طاقاتهم التى تفرز هذه الشقاوة، لأن باختصار ليس لديك وقت ولا طول بال، فدوامة الحياه – كما تقول دوما لنفسك – تكفيك، أما فى العزاء فهذه حالة خاصة جدا اذا سجلت تلك الدقائق بمدى الخنوع والخشوع والصمت والتأمل على وجوه البشر سوف تتمنى أن نظل للأبد فى حالة عزاء فلن أزياد عليك وأشير الى خشوعك لله وتأملك لكلماته فأنت بالكاد تنتظر انتهاء قراءة الربع لكى تفسح مكانا لمعزى مستجد، لذلك لا تنفرد بنفسك فى تلك الدقائق القصيرة لتحسب حسبه المصروف، أو تخطط كيف تذهب الى مشوار ما وماذا تركب؟ أو تتذكر مشكلتك مع زوجتك التى أخرجتك من البيت غاضب، وربما تفسح بعد الوقت لذلك الصديق الذى رحل وتتذكر مواقفه معك، وأنه فى مثل عمرك، لعل مشاكله مع زوجته هى التى قضت عليه، المهم أنك تظل صامتا تصافح المعزين فى هدوء وتؤدى واجب، حتى وإن كان اداء تمثيلى، فانت تخرج بعده مرفرفا حيث خفت عنك أثقالك لأنك ببساطة منحت نفسك فترة للتحدث الى نفسك، وتذكر أن الله لن يغضب من اهمالك لسماع كلماته فهو يريد لنفسك الصالح، وكذلك الأمر اثناء الدخول الى بيوت الله فلن تتسابق لاشعال شمعة فأنت تنتظر دورك بكل احترام، ولن تتصارع وتضرب الاكتاف لتدس حذائك الجديد فى موقع خفى لكى لا تطله ايادى لصوص الجوامع، ولكنك تحاول ان تأتى باكرا لتظل فى الصفوف الأولى وتتكاتف مع اقرانك دون تفضيل يغضب أحدهم منك، بل وقد تخرج بصداقات جديدة من بيت الله.