تعودت منذ سنوات بعيدة وحتي اليوم علي القيام بزرع عدد من شتلات شجر مثمر في كل مكان اتواجد به في شتي انحاء مصر بحكم عملي الحكومي السابق كمفتش في شركة الاتصالات أو عملي الحالي كعضو متطوع في جمعية خيرية, وكان تركيزي دائما في زرع الشتلات داخل حوش بيوت الناس البسطاء في الريف أو علي اطراف الحقول أو فوق حواف الترع ليتم رعايتها وليكونوا هم وعابرو السبيل أول المنتفعين بثمار الاشجار عند نضجها, اما الهدف الرئيسي من كل هذا فهو الأمل والرجاء من الله ان يتقبل هذا العمل كصدقة جارية علي ارواح الراحلين من الأهل والأصدقاء المقربين. عندما بدأت تنفيذ هذه الفكرة في السنوات الأولي من العمر كان سعر الشتلة قروشا بسيطة ورغم ان سعرها زاد وأصبح بضعة جنيهات فإنني لم افكر يوما أن أتغاضي عن فكرتي وهدفي وأفضل دائما هذه الشتلة علي نشر نعي لفلان او علان لانني والحمد لله في غني عن دواعي المباهاة الفارغة والتفاخر الكاذب بالاضافة إلي خروجي عن سرب زملائي الموظفين الذين يهرعون إلي نشر اعلانات التعازي لرئيسهم كأحد طقوس النفاق, ويؤكد ذلك ان هذا الرئيس ما كاد يترك موقعه حتي تجاهله الجميع, وعلي هذا فقد كنت مقتنعا دائما بجدوي فكرة زراعة الشتلات المثمرة ليستفيد من ثوابها موتانا ومن ثمارها الغادي والرائح من عباد الله. ومع مرور السنين تدخل عاملان مهمان لتشجيعي في هذا المضمار الطيب, اولهما انه خلال دراستي الاولية بدءا من الابتدائية وحتي الثانوية كنت دائم الخروج للمذاكرة طوال النهار في الحقول المحيطة بمدينة دمنهور معتمدا في غذائي اليوم كله علي تناول ثمار التوت والجميز التي يزرعها الفلاحون الطيبون بجوار السواقي تاركين لنا حرية تناولها بلا مقابل, لذلك فما أقوم بزراعته اليوم في القري انما هو رد بعض جميل هؤلاء الناس الكرام وليتني اوفيهم حقهم. اما العامل الثاني فهو ما شاهدته بنفسي من وجود اشجار مثمرة كالنخيل تملأ الاماكن العامة في الاراضي الحجازية وسائر طرق دولة الامارات العربية المتحدة, كما روي لي اصدقائي المقيمون في أوروبا عن توافر اشجار التفاح المباح للجميع في الشوارع, ولماذا نذهب بعيدا, ففي مصر العزيزة يوجد الكثير من اشجار النخيل في طريق مطار القاهرة وعلي طول كورنيش العريش المعروف بشواطيء النخيل وبكثافة عالية في الحدائق المحيطة ببيوت واحة سيوة, وقد نصحني اصدقائي السيويون بدخول اي حديقة بها بلح سيوي لتناول ما أشاء منه علي ان اصيح اولا بكلمة السلام عليكم لتنبيه اهل البيت بوجود غريب, وللحقيقة لم املك الشجاعة لفعل ذلك واكتفيت بشراء البلح من المحال فأرحت واسترحت. ما دفعني إلي هذا الحديث هو ماحدث لي في آخر جولة الشهر الماضي عندما قررت وللمرة الثانية التوجه من القاهرة إلي قرية زاوية البحر بكوم حمادة لزراعة اربعين شتلة جديدة بعد ان وفقني الله لزراعة عشرين العام الماضي مستعينا بابن بار من القرية هو المهندس سمير راتب الذي خصص لي مرافقا ليصحبني إلي احد المشاتل للشراء, وهناك اخبرني المسئول عن المشتل ان سعر الشتلة ستة جنيهات وبلا فصال, ولما شرح له مرافقي الهدف الانساني من الشراء طلب نصف المبلغ فقط قائلا: لقد قررنا ان نسهم معكم في هذا الثواب. تلقيت هذه الرسالة الرائعة من الاستاذ صبري عبدالعال, وهي دعوة إلي زراعة الاشجار في كل مكان وتجميل الطرق, والتعاون بين الجميع من أجل بيئة نظيفة, وهي فكرة جميلة تضاف إلي قائمة الافكار التي يتبناها لرعاية المرضي والمحتاجين ولاشك أن تجربته الرائعة في مساعدة مرضي مستعمرة الجذام خير مثال يجب ان يحتذيه الشباب ممن يرغبون في خدمة المجتمع.