تعتبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة بكل أشكالها هي المصدر الرئيسي للإيرادات العامة للدولة, وهي بالتالي الممول الأساسي للإنفاق العام وصورة أساسية لتمويل الشعب للحكومة والدولة. وكلما زاد عدد الشرائح الضريبية واتسم المعدل الضريبي بالتصاعد اتساقا مع مستويات دخول الممولين, وكلما كانت الغلبة للضرائب المباشرة, فإن النظام الضريبي يكون عادلا نسبيا. وهذا النموذج هو نموذج رأسمالي معمول به في الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة واليابان وغالبية الدول الرأسمالية الناهضة. وكان نظام مبارك قد أقر في عام2005, نظاما ضريبيا يعفي من يبلغ دخلهم السنوي9 آلاف جنيه, ويفرض ضريبة قدرها10% علي من يتجاوز دخلهم حد الإعفاء لغاية عشرين ألف جنيه, وضريبة قدرها51% علي من يتراوح دخلهم بين20 و40 ألف جنيه, وضريبة نسبتها02% علي من يزيد دخله عن40 ألف جنيه إلي ما شاء الله مساويا في معدل الضريبة بين الطبقة الوسطي والطبقة العليا. وينص القانون علي المساواة بين شركات الأشخاص وشركات الأموال في معدل الضريبة البالغ02% علي الأرباح التجارية والصناعية, وذلك بدلا من القانون القديم الذي كان يجعل الحد الأقصي للضريبة علي شركات الأشخاص هو23%, والحد الأقصي للضريبة علي شركات الأموال24%. وهذا النظام يفتقد للتعدد المطلوب للشرائح وللتصاعد في معدل الضريبة ويتسم بانعدام العدل وبالتحيز للطبقة الرأسمالية الكبيرة وبالذات لشرائحها الطفيلية المعفاة من الضرائب كليا في البورصة علي سبيل المثال, وهو ما يضع أمام حكومة الثورة مهمة عاجلة لوضع نظام ضريبي جديد متعدد الشرائح وتصاعدي بما يجعل معدل الضريبة متناسبا مع المقدرة التكليفية للمولين ومع استفادتهم من الإنفاق العام الممول من هذه الضرائب. ومن المؤسف حقا أن يكرر البعض حاليا, النغمة القديمة التي كان يرددها وزير المالية السابق يوسف بطرس غالي حول أنه لا نية لتعديل نظام الضرائب إلي نظام متعدد الشرائح وتصاعدي, رغم أن هذا النظام معمول به في الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية, ببساطة لأن الأثرياء يستفيدون أكثر من كل أشكال الإنفاق العام, وبالتالي عليهم المساهمة في تمويله بنسبة اكبر من غيرهم. وللعلم فإن معدل الضريبة علي الشريحة العليا من الدخل يبلغ في الولاياتالمتحدةالأمريكية, نحو53%علي الأفراد الذين يزيد دخلهم علي373 ألف دولار في العام تدفع للحكومة الاتحادية, فضلا عن نحو7% في المتوسط تدفع لحكومات الولايات, بينما بلغ نحو04% علي الشركات. وبلغ المعدل في اليابان05% علي من يزيد دخله الفردي عن182.1 ألف دولار في العام, بينما بلغ المعدل علي الشركات41%. وبلغ المعدل في الصين التي تعد أكبر دولة ناهضة مستقبلة للاستثمارات الأجنبية وتحتل دائما واحدا من المراكز الثلاثة الأولي علي العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.. بلغ المعدل فيها54% علي من يزيد دخله الفردي علي175.5 ألف دولار في العام, بينما بلغ52% علي الشركات. وبلغ المعدل في تايلاند73% علي من يزيد دخله الفردي عن113.2 ألف دولار, بينما بلغ المعدل03% علي الشركات. وبلغ المعدل في تركيا53% علي من يزيد دخله الفردي علي28.6 ألف دولار في العام,02% علي الشركات. وصحيح أن ذلك القانون رفع حد الإعفاء الضريبي إلي9 آلاف جنيه. لكن هذا الحد ظل ثابتا حتي الآن رغم أن معدل التضخم في مصر بلغ8.8%,2.4%,11%,7.11%,2.61%,7.11% في الأعوام2010,2009,2008,2007,2006,2005 بالترتيب حسب بيانات صندوق النقد الدولي المأخوذة من بيانات رسمية مصرية. وهذا يعني أن القيمة الحقيقية لحد الإعفاء قد تراجعت مع ارتفاع معدل التضخم دون تغيير هذا الحد الأدني للإعفاء, الذي ينبغي أن يرتفع إلي16.5 ألف جنيه علي الأقل في العام الحالي, ويرتفع حد الشريحة الأولي01% ليطبق علي من تتراوح دخولهم بين حد الإعفاء إلي30 ألف جنيه, ويرتفع الحد الأعلي لتطبيق الشريحة الثانية51% إلي73 ألف جنيه. كما يعفي القانون الحالي, كل الأوعية الادخارية والسندات لتشجيع الادخار في بلد بلغ متوسط معدل الادخار السنوي فيه خلال الأعوام الست الأخيرة نحو51.4% من الناتج المحلي الإجمالي, وهو يصنف بين الأدني عالميا, حيث بلغ المعدل نحو12% في المتوسط العالمي, ونحو13% في مجموع الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل, ونحو84% في دول شرق آسيا والمحيط الهاديء الدول السريعة النمو, ونحو54% في الصين. أما ماتضمنه القانون من إعفاء أرباح الاستثمارات في الأسهم ومشروعات جهاز الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع من الضرائب كلية, فإنه غير منطقي ولابد من إخضاعها للضرائب, خاصة البورصة التي يشجع إعفاؤها من الضرائب علي سيطرة المضاربات الساخنة عليها, علما بأن الدول الرأسمالية هي أول من يفرض الضرائب علي البورصة. كما يعفي القانون الحالي أرباح منشآت استصلاح واستزراع الأراضي لمدة10 سنوات, وهو أمر مقبول لتمكين هذه النشاطات من تعويض تكاليفها, والوصول بإنتاجيتها إلي المستوي الذي يبرر تطبيق الضريبة عليها, لكن تطبيق نفس الإعفاء علي مشروعات إنتاج الدواجن والنحل وتربية الماشية وتسمينها ومصائد الأسماك ومراكب الصيد, هو أمر غير منطقي خاصة أنهم يبيعون إنتاجهم بأعلي من الأسعار العالمية, وهو إعفاء يعكس قوة نفوذ الرأسماليين في هذا القطاع في عصر مبارك. وبالمقابل فإن القانون ألغي الإعفاءات علي الاستثمار المباشر وهو أمر منطقي ولا يفرق مع المستثمرين الأجانب لأن من لا يدفع ضرائب في مصر يدفعها في بلده بمعدلات أعلي. كما يفرض القانون, الضرائب علي الدخل الذي يحققه أصحاب حقوق الملكية الفكرية وعلي إيرادات المهن الحرة التي منحها3 سنوات من الإعفاء عند بدء النشاط لمن يبدأون مزاولة المهنة بعد تخرجهم مباشرة لغاية14 عاما من تاريخ التخرج, وتخفض مدة الإعفاء إلي سنة واحدة فقط لمن يبدأون مزاولة المهنة بعد15 عاما من التخرج, وهو ما ينطوي علي قهر حقيقي لقلب الطبقة الوسطي وهم المهنيون وبالذات الأطباء والمحامون والمهندسون والتجاريون, والذين كانوا بحاجة إلي مضاعفة فترة الإعفاء حتي تستطيع مشروعاتهم المهنية بناء أسس قوية للاستمرار والتوسع. وإجمالا فإن نظام الضرائب الحالي متخم بالعيوب وعنوانه العام هو التحيز للطبقة الرأسمالية الكبيرة, ولابد من إسقاطه ليلحق بالنظام الفاسد الذي سنه, ووضع نظام ضريبي جديد يتسم بتعدد الشرائح والتصاعد والعدالة النسبية, ويمكن استنساخه من أحد النظم الضريبية في الدول الرأسمالية مثل بريطانيا أو فرنسا أو السويد, أو حتي الولاياتالمتحدة أو الصين أو تايلاند أو تركيا الجاذبة الكبري للاستثمارات الأجنبية, حتي لا يجادل أحد بأن هذا النظام سيجعل الرأسماليين المصريين والأجانب يحجمون عن بناء الاستثمارات الجديدة في مصر. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار