بلا شك ان الإدارة السلمية لمؤسساتنا هي الأساس لدفع عجلة التنمية وتحقيق التقدم الاقتصادي الملموس الذي ينعكس أثره علي المواطن في دخله وفي مستوي معيشي مرتفع, فإن كان الاقتصاد هو سفينة. التنمية الشاملة فإن الإدارة هي قائد هذه السفينة. فمنذ الستينيات ظل يتوافد علي مصر أساليب وطرق للإصلاح الاداري مقتبسة من تجارب بعض الدول في الإصلاح, فبدأت تأخذ مسميات عديدة مثل: الثورة الإدارية, أو التطوير الإداري, أو إعادة بناء الإنسان المصري, أو إعادة هيكلة الجهاز الإداري, أو الإدارة الحديثة, وغيرها من المسميات الأخري المختلفة, فأصبحت أساليب الإدارة المستخدمة لدينا مثل القص واللصق, وليس كنسيج واحد متكامل من صنعنا يتناسب مع ثقافتنا وتركيبة شعبنا. لكن السؤال الذي دائما يطرأ علي ذهني؟ لماذا توجد كل هذه الكفاءات في بلادنا وكل هذه الطاقات الكامنة الشابة, وكل هذه الجهود والمحاولات للإصلاح. وهذا الكم من الانفاق علي مؤسساتنا ولكننا لم نصل بالإدارة للمستوي المرضي أو المقبول في إدارة مؤسساتنا حسب قول الأغلبية؟ والدليل علي ذلك ضعف استيعاب السوق لأعداد الخريجين من التعليم المتوسط والعالي, وتدني مستوي الأجور مقارنة بمستوي المعيشة, وكذلك ضعف مستوي الخدمات المقدمة للمواطنين في أغلب مؤسساتنا, والشيء الذي يثير التساؤل أيضا: لماذا يتفوق وينبغ الكثير من شباب مصر في إدارتهم كأصحاب للأعمال أو كوادر متخصصة في دول مختلفة بأنحاء العالم؟ فلا يمكن أن نقتبس نموذجا إداريا من بلد ما ونقوم بتقليده في مصر ويطرح لنا نفس الطرح الذي طرحه في هذا البلد, لأن المؤثرات التي تؤثر في إدارة كل منهما مختلفة, بالإضافة إلي العامل الديموجرافي الذي يتعلق بطبيعة وسلوكيات الشعوب, فلا يمكن أن نطبق نموذجا إداريا نجح في كوريا أو في الصين مثلا ونتوقع أيضا أن ينجح بالمثل في مؤسساتنا في مصر, لأن كل شعب والشعب المصري بالذات له تركيبة وخصال أو صفات معينة تولدت عبر التاريخ. الأمر الذي يستدعي ضرورة تفصيل نموذج وطني يتناسب مع ظروفنا وطبيعة شعبنا كمصريين, والاستفادة من أخطائنا أو من النماذج الناجحة لدينا, حتي لوتطلب ذلك بضع سنوات, لكننا حتما سنصل إلي الروشتة التي تتناسب معنا, ويمكن, تلخيصها في: 1 الاقتناع أولا بضرورة تغيير النهج الذي اعتدنا عليه في أسلوب إدارتنا وسلوكياتنا, حتي لو أخفقنا في الأول, وحتي لو تطلب بعض المساعدات في أول الأمر من خبراء الإدارة لكي ندرب أنفسنا علي ثقافة الحوار وثقافة العمل الجماعي, وثقافة قيم العمل بما فيها من الالتزام بالمواعيد والجودة في الأداء والشفافية في أمورنا والمصداقية في نوايانا وإرساء مبدأ الثواب والعقاب. 2 ضرورة تكثيف الاهتمام بالعنصر البشري من خلال زيادة أجور العاملين بالدولة بالقدر الذي يتناسب مع مستوي المعيشة, حتي ولو تم ذلك تدريجيا, والاهتمام بتحسين بيئة العمل الخاصة بهم من أماكن عمل ومزايا وظيفية. 3 تنسيق كامل ومستمر بين جميع أجهزة الدولة من مؤسسات حكومية ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لتصبح كما لو انها جميعا تعزف مثل الأوركسترا المنظمة التي يقودها مايسترو, بحيث تشترك جميعا في رسم استراتيجية موحدة بهدف واضح ومحدد يمكن قياسه والأدوار المنظمة لكل واحد منهم مع تقييمها كل فترة لتعديل المسار أولا بأول. 4 إنشاء هيئة أو مجلس قومي للموارد البشرية من خبراء الإدارة للتخطيط المستقبلي لاحتياجنا للكوادر البشرية والمهارات المطلوبة له وفقا لهذه الاستراتيجية, بحيث يتم توجيه الخريجين من الشباب في القطاعات التي بها فائض مثل خريجي التجارة الذين يبحثون عن فرص عمل في مجال المحاسبة مثلا إلي القطاعات التي تعاني من عجز مثل معلمي العلوم والحساب في مدارسنا من خلال برامج التدريب التحويلي, مع إرساء فكر إدارة الموارد البشرية الحديث في مؤسساتنا في كل ما يتعلق باختيار الكوادر لوظيفة ما, وتخصيص الوظائف ومتابعة التقييم الموضوعي للأفراد ومتطلبات التدريب, والتدرج في السلم الوظيفي وبناء ولاء العاملين بهذه المؤسسات من خلال قياس رضائهم, وإدراج شكواهم في نظم التقييم. 5 بناء قاعدة بيانات دقيقة بكل القطاعات لكي يتم توظيفها لتحديد سوق العمل, وتوجيه الشباب للقطاعات التي بها عجز مثل التعليم الفني, حيث نحتاج للكثير من تخصصات التعليم الفني في مصانعنا. 6 إنشاء هيئة مستقلة من المتخصصين من منظمات المجتمع المدني لمراقبة أداء الحكومة بصفة دورية لترفع تقريرها للبرلمان مباشرة وتقوم بمتابعة أداء الحكومة وخدمات المواطنين لضمان عنصر الشفافية والمصداقية, وتدارك السلبيات قبل تفاقمها. 7 نقل سلطات الإدارات المركزية تدريجيا إلي المحافظات والمحليات لتخفيف العبء علي الإدارات المركزية. 8 إبرام اتفاقية مع شركات القطاع الخاص التي لديها وظائف باستيعاب بعض الكوادر الزائدة عن حاجة الجهاز الحكومي لحين فتح فرص عمل بالسوق. 9 دور الإعلام في التوعية المجتمعية بأساليب الإدارة الناجحة من خلال سلوكيات الأفراد وقيمهم, وإبراز النماذج الناجحة في الإدارة. المزيد من مقالات د.أية ماهر