في حياتي المهنية تقلدت مناصب عديدة سعدت بالعمل فيها, ولكن السنوات التي قضيتها رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات كانت من أحب الفترات وأقربها إلي قلبي, ومنذ تركي ذلك المنصب وأنا أتابع أخبار الهيئة وأخبار العاملين فيها. وقد لفت نظري أخيرا خبر عن بعض المشكلات في الهيئة وإضراب العاملين فيها, وكان من مطالبهم أن يكون رئيس الهيئة من داخلها. والواقع أن رؤساء الهيئة كانوا دائما, لسبب أو لآخر, من خارجها ماعدا فترة قصيرة رأسها أحد أبنائها وهو الابن نبيل عثمان. كان رؤساء الهيئة إما من السفراء, ومن أهمهم الدكتور عصمت عبدالمجيد, أو من الجامعة ومن أهمهم الدكتور يحيي عويس, ثم كان المنصب من نصيبي حين اختارني الوزير يوسف السباعي حين جمع بين الإعلام والثقافة, ومن ثم لعلي لا أعتبر دخيلا إذ كنت في ذلك الوقت وكيلا لوزارة الثقافة للعلاقات الخارجية, ولعل سبب اختيار الوزير لي هو عملي في الخارج أولا كسكرتير للمعهد المصري في لندن, ثم ملحق ثقافي بها لفترة21 عاما, ثم بعد ذلك عملي مستشارا ثقافيا في كل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا وألمانياالشرقية. حقيقة كانت سنوات الاستعلامات بعد نصر3791 من أحب الفترات في حياتي المهنية, وذلك لعدة أسباب, أولها أنها جاءت بعد نصر أكتوبر, ومن ثم كان إعلامنا إيجابيا وليس كما كان من قبل شكاوي والرد علي تجاوزات إعلامية من جهات مختلفة, وثانيا أنها حملت معها تحديات كثيرة, إذ كنا نواجه إعلاما مضادا من أمريكا وأوروبا, ومن المؤسف من بعض الدول العربية التي أخذت موقفا معاديا لمصر بعد زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل, وفي رأيي أن موقف الدول العربية التي عقدت اجتماعها في بغداد لم يكن معارضا للسلام مع إسرائيل بقدر ما كان معارضا للسادات شخصيا, فقد كان السادات عملاقا وسط أقزام من الحكام العرب, كان عملاقا اتخذ قرارا جريئا لم يستطع أي رئيس عربي آخر أن يتخذه, والدليل علي ذلك هرولة الدول العربية بعد ذلك للوصول إلي سلام مع إسرائيل, بالإضافة إلي ذلك فإن الهيئة كان بها عدد من العاملين علي مستوي رفيع مهنيا وأخلاقيا. وقد كنت دائما أري أن المهمة الأساسية للهيئة هي الإعلام الخارجي, ولذلك فقد أنشأنا مكاتب إعلامية جديدة ضعف ما كان موجودا, ولكن لا يعني هذا إهمال الإعلام الداخلي, وأذكر الحملة التي بدأتها الهيئة لتنظيم الأسرة, بالتعاون مع المعونة الأمريكية, والاتفاقية التي وقعناها مع مؤسسة هانز نزايدل الألمانية لإنشاء مراكز النيل, وقد نص الاتفاق علي إرسال عدد من العاملين في الهيئة إلي ميونيخ, حيث توجد المؤسسة, لحضور دراسات عملية في مجال التوعية السياسية, وكنا نرسل ثلاثين من أبناء الهيئة كل عام, وقامت الهيئة بإنشاء مراكز متعددة للتوعية السياسية. كان لهيئة الاستعلامات دور مهم, ولأول مرة كان رئيس الهيئة المتحدث الرسمي, وكان من حظي أن أكون أول من يقوم بذلك, وقد بدأت تلك الوظيفة قبل عقد ما أطلق عليه مؤتمر ميناهاوس حين اجتمع الوفد المصري مع الوفد الإسرائيلي لأول مرة حول منضدة واحدة, وكانت الدعوة قد وجهت إلي إسرائيل وسوريا والولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي ومنظمة التحرير الفلسطينية, وفعلا رفعنا أعلام الدول المشاركة, وانتظرنا وصول مندوبي تلك الدول, ومع الأسف لم يحضر إلا وفد الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومصر, وأذكر حين قابلت أحد المسئولين السوفيت وناقشت غياب بلده عن الاجتماع أنه قال إن الاتحاد السوفيتي خضع للضغط السوري, ولم يشترك في الاجتماع, وحين وجدنا أن كلا من أمريكا وإسرائيل لهما متحدث رسمي اقترح د. عصمت عبدالمجيد وكان يرأس وفد مصر في ذلك الاجتماع تعيين متحدث رسمي لمصر, واقترح علي الرئيس السادات اختياري لتلك المهمة, ومنذ ذلك الاجتماع أصبحت المتحدث الرسمي باسم مصر واسم الرئيس السادات. ويقودني ذلك إلي علاقتي بالرئيس السادات التي بدأت حين كان أمين عام المؤتمر الإسلامي, وحين عقد أول مؤتمر لتضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية في القاهرة في ديسمبر7591 كان السادات رئيس الوفد المصري, وكان يوسف السباعي أمين عام حركة التضامن, واختارني نائبا له, وكلفني يوسف السباعي بعد تكوين السكرتارية الدائمة للتضامن بعرض كل ما يخص الحركة علي السادات باعتباره رئيس وفد مصر, وكنت في ذلك الوقت أعمل مع يوسف السباعي في المجلس الأعلي للفنون والآداب ومقره9 شارع حسن صبري في الزمالك, وكان المؤتمر الإسلامي رقم7 في الشارع نفسه, ومن ثم بدأت في عرض البريد علي السادات, وكنت أحيانا أذهب إليه في منزله في شارع الهرم, وحين عقد المؤتمر الثاني للتضامن في كوناكري عاصمة غينيا رأس السادات وفد مصر, وكنت أنا ويوسف السباعي نقيم في الفندق الذي أقامت فيه الوفود, بينما استضاف الرئيس سيكوتوري رئيس غينيا السادات في القصر الجمهوري. كان السادات نموذجا للسياسي الواعي الذي يزن كل كلمة يتفوه بها, وكان يعرف نبض الشعب فهو من صميم ذلك الشعب, عاش مشكلاته وتعرف علي مآسيه وقاسي ما قاساه الشعب فعمل من أجل الشعب. وفي ذكريات عديدة من رحلاتي معه, وأذكر في زيارة لفرنسا أن المترجم الذي أحضرته الحكومة الفرنسية أخطأ في ترجمة جملة قالها السادات, فتوقف الرئيس وقال للمترجم أنا لم أقل ذلك, إنك أخطأت, وفعلا تم تغيير المترجم, وفي إحدي زيارات الرئيس السادات إلي ألمانيا, وفي مدينة ميونيخ بالذات كان برنامجه مقابلة عمدة البلد, وإلقاء خطاب, ومقابلة مدير الجامعة وإلقاء خطاب آخر, وكان المستشار الإعلامي الصديق الراحل حمدي عزام قد أعد خطابين للمناسبتين, وفي اجتماع العمدة سلم حمدي الخطاب إلي الرئيس السادات وبدأ في إلقائه باللغة الألمانية, ثم سكت ونظر إلي حمدي وقال له هذا الخطاب الخطأ, وفعلا كان حمدي قد سلمه خطاب رئيس الجامعة بدلا من خطاب العمدة. مصر آمنة مرة أخري أقدم افتتاحية مجلة مصر اليوم بقلم كات درهام, وعنوانا لماذا الآن, وتقول الكاتبة: بعد شهر من أعمال التخريب في أمريكا في سبتمبر1002 جاءت أمي لزيارتي في مصر, وكان الجميع يطلبون منها عدم تحقيق تلك الزيارة, ولكن قلت لها تعالي, إن مصر من أكثر بلاد العالم أمنا هذه الأيام, ولكنها كانت أيضا خالية من السياح, وأذكر أن فندقا في أسوان كان به خمسة أشخاص من بينهم أمي وأنا, وكانت المتاحف ومراكز الآثار تبدو واسعة دون السياح, وكان أصحاب الحوانيت سعداء لرؤيتنا, وقد زارت أمي بعد ذلك عدة مرات, ولكن حتي الآن مازالت تذكر تلك الزيارة في عام1002, فقد كان في استطاعتها أن تستمتع بمشاهدة الآثار دون زحمة السياح, ومن بين أصحاب المحال الذين قابلتهم كان ما بعد11 سبتمبر يعيد ذكريات ما حدث في الأقصر عام7991 حين اغتال إرهابيون26 سائحا أجنبيا ومصريين, وقال لي إنه بعد ذلك الحادث لم يفتح حانوته لمدة عام إذ لم يكن هناك سائح واحد. وها نحن الآن في الظروف نفسها, فنري أماكن الآثار خالية من الزائرين وحجرات الفنادق دون سياح, وقد بلغ عدد الأجانب الذين تركوا مصر خلال ثورة ال81 يوما مليون شخص, كما أعلن نائب الرئيس عمر سليمان, وفي ضوء ذلك كانت هناك مناقشات في صالة التحرير حول نشر25 مزارا سياحيا لقضاء إجازة آخر الأسبوعsdnekeew وكان البعض يري أن هناك خطرا يمنع تلك الزيارات, وأن مجرد الكتابة عنها يعد مهزلة. قد تكون هذه أسباب وجيهة ولكنها نظرة قصيرة, فإذا فكرنا في السياحة المصرية فإننا نجد أن الأماكن السياحية المصرية خالدة, هناك الهواء النقي في شم النسيم, والشواطيء والآثار, والنشاطات التي نراها في هذا العدد من المجلة ستكون موجودة في الصيف وما بعد الصيف.والعاملون في تلك الأماكن ينتظرون بفارغ الصبر, فإن وظيفة من بين ثماني وظائف تعمل في إطار السياحة, ولذلك فهناك قلق يسود بينهم, ولن تستطيع السياحة الداخلية أن تعوض ما يفقد من السياحة, ولكنها تستطيع أن تساعد تلك الصناعة في وقت شدتها حتي يعود السياح الأجانب مرة أخري, وهم سيعودون, فبعد أحداث11 سبتمبر انتعشت السياحة كما فعلت بعد القنابل في سنوات4002 و5002و.6002 ونحن ننشر في هذا العدد25 مكانا سياحيا لأننا نثق في مصر, في شعبها, وفي مستقبلها, فنحن لم ولن نختبيء في منازلنا, فهذه بلدنا وأستطيع أن أقول لكم من تجربتي الخاصة أن الوقت الحالي أحسن وقت لاكتشاف ذلك, ما أثار إعجابي في هذه الافتتاحية قول الكاتبة هذه بلدنا برغم أنها إنجليزية, وهذا هو تأثير مصر علي من يزورها أو يعيش فيها. المزيد من مقالات مرسى سعد الدين