مواجهة العنف الطائفي, والغلو الديني شيء, وإقصاء الدين عن الحياة شيء آخر تماما, ومحاولة تحليل مؤشرات التزمت والانغلاق لا يعني استبعاد الدين عن حياة الأمة, والسؤال المطروح هنا ماهي المتغيرات الجديدة وراء. العنف الاجتماعي ذي الوجوه والمحمولات الدينية والمذهبية التمييزية بين أبناء الأمة المصرية الواحدة؟ علي نحو ماحدث في نجع حمادي ليلة عيد الميلاد المجيد6 يناير2010, في هذا الصدد أود أن أشير تمثيلا لا حصرا الي مايلي من متغيرات: 1 دور بعض القنوات الفضائية الدينية الإسلامية السلفية وغيرها, وكذا بعض القنوات المسيحية والقبطية وبعض البرامج الأرثوذكسية ودعاتها داخلها التي تركز علي بعض الجوانب العقائدية والطقسية والرمزية, ويميل بعض دعاتها, ووعاظها المسلمين أو بعض الأكليروس الي نمط من السجالات والخطابات الحاملة لعنف رمزي أو تمييزي يركز علي نقد العقائد المسيحية وتجريحها, أو محاولة تفكيك العقائد الإسلامية ودحضها, أو التشكيك في مقولاتها وأسانيدها الي آخر هذا النمط من الخطابات الدينية السجالية, التي تسعي نحو التمايزات وإثبات غلبة وأفضلية ديانة وعقيدة علي ديانة أخري وعقائدها ومذاهبها وطقوسها... نمط خطابي سجالي وراءه عديد العوامل منها مايلي: أ ثورة الفضائيات والوسائط الاتصالية والمعلوماتية, والإعلام الجديد التي أتاحت لجماعات ومجموعات صغري, أو أفراد استخدام الأدوات الاتصالية الجديدة في كسر القيود الواردة علي المجال العام السياسي المحاصر, أو تجاوز قيوده, واللجوء الي المجال العام النتي الفضائي المعلوماتي الجديد, للتعبير عن آرائهم وخطاباتهم السياسية والدينية والقومية والعرقية... الخ, التي لا تجد سبيلا لها في المجال العام السياسي القومي الواقعي. تزايد استخدام بعض الغلاة للمجال العام الافتراضي أو الفضائيات الدينية في نقد بعض الخطابات الدينية التمييزية, وممارسة العنف اللفظي والرمزي والعقائدي ضد الديانات والعقائد الأخري. ب تحولت خطابات الغلو والتشدد والتزمت الديني المذهبي العقيدي داخل الديانة أو المذهب, الي آلية بناء مكانة ونفوذ وتوزيع للسلع الدينية في نطاق السوق الدينية المفتوحة القومية أو الإقليمية أو الكونية ومن ثم بات التشدد, والنزعة السجالية أداة رواج, والأخطر توسيع الفجوات الإدراكية بين المسلمين السنة والشيعة, وبين المسلمين والمسيحيين المصريين وبين الأرثوذكس والبروتستانت, وغيرهم. ج بروز بعض الخطابات الدينية المذهبية السجالية والقدحية إزاء بعض المعتقدات المذهبية إزاء بعضها الآخر, كأحد مظاهر الصراع الإقليمي بين مايسمي بمحور الممانعة الذي يضم إيران وحلفاءها الإقليميين: سوريا, وقطر, وحزب الله, وحماس, والجهاد الإسلامي, وبين محور الاعتدال المكون من مصر, والسعودية, والأردن, والامارات. د أسهمت الفضائيات الدينية, وثورة الوسائط الإعلامية المعلوماتية المتعددة في كسر احتكار الدول للإعلام المرئي أو المسموع أو المكتوب, ومن ثم باتت خارج نطاق الهيمنة الايديولوجية والتقنية للدول في المنطقة والعالم, ومن ثم بات انتاج الخطابات الدينية المتشددة وغيرها خارج السيطرة, أو بعيدة عن إشراف المؤسسات الدينية الرسمية في مصر, وغيرها من الدول العربية والإسلامية, أدي ما سلف الي اضعاف الهيمنة الرمزية والإيديولوجية والخطابية الدينية الرسمية للدولة وأجهزتها الإعلامية والدينية, مما أضعف من تأثير المؤسسة الدينية الرسمية الأزهر, والكنيسة القبطية الأرثوذكسية الي حد ما. ه إعادة توزيع القوة الرمزية ومجمولاتها الدينية علي عديد محاور القوة والفاعلين في الأسواق الدينية القومية والإقليمية والعولمية, وترتب علي ذلك بروز دعاة دينيين عولميين, يتداخل خطابهم بين دوائر العقيدة والإيمان, والفتاوي, والسياسة, والاقتصاد والقيم. أصبح بعض هؤلاء ذا نفوذ وسطوة علي عديد من الأتباع متعددي الجنسيات علي خرائط العالم المعولم الجيو دينية, والجيو سياسية. و تداخل أوراق القوة الرمزية وعناصرها لدي بعض الدعاة والوعاظ, وأصبحت السلطة المعنوية لهؤلاء هي نتاج تداخل سلطات الداعية والواعظ والمفتي واللاهوتي, والإعلام والتمويل, مما أدي الي إعادة توزيع القوة بين الدعاة الرسميين أو اللا رسميين في الأسواق الدينية علي اختلافها. ز الأسواق الدينية ذات طبيعة تنافسية, وتخضع لمنطق العرض والطلب علي السلع الدينية فتاوي ووعظ وفقه وأغان وموسيقي وكتب ومقالات, وأوردة, وتلاوات, وترانيم, وموضات لأنظمة الزي, و... وإلخ وثمة مؤثرات علي ثنائية العرض والطلب, منها طبيعة العلاقات بين المسلمين والأقباط في مصر مثلا, من حيث تزايد التوترات والاحتقانات والأزمات والعنف بجميع أشكاله وتبريراته, وهو مايؤثر علي طبيعة الطلب, وبروز حاجة لدي بعضهم لاستهلاك السلع الدينية المتشددة والسجالية وذات الوجوه الطائفية. ح تزايد الطلب علي الخطابات الدينية السجالية المتشددة مع تزايد وزن وتأثير الحركة السلفية علي المجال العام في مصر, وازدياد استهلاك هذا النمط الخطابي من قبل بعض الأقباط في الداخل, أو المهاجر الأمريكية الشمالية والأوروبية واستراليا ونيوزيلاندا كأداة للتوازن علي الصعيد الرمزي والخطابي. ط أدي الإعلام الجديد( النتي) الي دخول العاديين كمنتجين للخطابات الدينية الطائفية السجالية والعنيفة عبر بعض المواقع النتية أوbookface أو الإعلام الاجتماعي والتفاعل النتي. ما سبق أدي الي تحول الدين الخطاب المذهب الفتاوي الأمثولات الدينية الي سلطة بين العامة, حينا في مواجهة مواطنين آخرين من ذات الديانة أو المذهب, أو إزاء الديانة الأخري, لاسيما من العناصر ذات التوجهات السلفية إزاء الآخرين وتحديدا الأقباط. الدين المذهب الأمثولات الدينية الشعبية باتت تشكل أداة وسلاحا لمواجهة الدولة وتحدي سلطاتها وحيازتها للعنف المشروع. يستخدم الدين كأداة من الجمهور جماعات وآحادا إزاء قانون الدولة وأنظمتها وقواعدها, وهو مابرز في توظيف بعض التأويلات الدينية السلفية المتشددة والمحافظة اجتماعيا إزاء المرأة, في تحويل نظام الزي الحجاب ثم النقاب الي جزء من ثوابت العقيدة الإسلامية من ناحية أخري استخدام مفهوم الحرية الشخصية الحداثي لتبرير الهيمنة الرمزية للحركة السلفية وخطاباتها التمييزية داخل العقائد والايمان الاسلامي السني والشيعي وتحولها الي أداة الهيمنة علي المجالين العام والخاص. كاستخدام الحركة السفلية وبعض نشطائها, وآخرين في بعض الجماعات الاسلامية السياسية الي استخدام الآليات القضائية الرسمية لدعم هيمنتهم علي المجالين العام والخاص, تحت ظلال الحقوق الدستورية الشخصية, وهي ذات مرجع فلسفي ودستوري حداثي ووضعي بامتياز, أي استخدام وتوظيف المنطق السلفي ونشطائه وفاعليه للمنظومات الدستورية والقانونية والادارية الحداثية لدعم المنطق السلفي المضاد لمنطق الحداثة. 2 بعض لغة الخطابات الاعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة تسيد بعض المفردات والصفات والمعايير والتقويمات الدينية, وذلك بهدف الرواج والذيوع, واكتساب الجماهيرية, والاحترام لدي جماعات مستهلكي السلع الإعلامية, ثمة استخدامات مكثفة للغة دينية تشيع في سياقات خطابية وموضوعات يفترض أنها ذات اصطلاحات سياسية أو مهنية أو ثقافية أو تكنوقراطية.. إلخ تدور في نطاق موضوعاتها, ولكن شيوع هذا الميل وصل الي مجال ممارسة الألعاب الرياضية, ومنها كرة القدم, فلا بأس من الالتزام الديني للاعبين, إلا أن ذلك لا ينبغي ظهوره في ساحة المنافسات لآثاره التمييزية علي المستوي القومي والقاري والعالمي. 3 توشيج النص والمناهج التعليمية بالنصوص والمرموزات, بل التسويغات التأويلية أو التفسيرية الدينية الوضعية البشرية في أمور نظرية أو تتصل بالعلوم الطبيعية, ومن ثم يتم فرض منطق ولغة وشروح لا تتصل بطبيعة المادة أو المنهج. 4 دور بعض المعلمين والمعلمات من ذوي التوجهات الدينية السلفية في انتاج شروح للمواد التعليمية يغلبون فيها تأويلاتهم علي منطق ولغة المنهج الدراسي. 5 يقوم المعلمون والمعلمات بدور محوري في العملية التعليمية, وبعضهم يمارس بعضا من التمييز بين التلاميذ والتلميذات من خلال اللغة والاشارات علي أساس الانتماء الديني, مما يكرس التمايز الطائفي بينهم, وذلك منذ رياض الأطفال الي المدارس الإعدادية والثانوية في عديد من الأحيان, أن تعرض بعض الطلاب لتمايز ديني علي المستوي الشفاهي والسلوكي من بعض المعلمين أو المعلمات, أو الطلاب والطالبات في بدايات التكوين علي نحو قد يؤدي الي نتائج سلبية علي الشعور بالاندماج القومي والانتماء للأمة المصرية والدولة الحديثة لدي بعض التلاميذ والتلميذات الأقباط, أو لدي المسلمين إزاء مواطنيهم المسيحيين, وإزاء مفاهيم وثقافة الدولة.. الأمة الحديثة في مصر, عديد المؤشرات علي تأثيرات ضارة تحتاج الي مواجهة حاسمة لمسبباتها وآثارها علي وحدة الأمة والدولة.