صوت الشعب لم يكن ما يحدث اليوم في الدول العربية مفاجأة, ولكنه كان منتظرا ومتوقعا. وربما كانت المفاجأة أنه تأخر كثيرا. ولو تذكرنا سلسلة موجات الاستحقاقات الإصلاحية والتحركات الشعبية لتحقيقها والسياسات الرسمية لاستيعابها وإجهاضها, لأمكننا ملاحظة السعي والتطلع الشعبي المتواصل من أجل الحرية والعدالة. ولو تذكرنا الإنذارات المتكررة التي وجهت إلي كثير من الأنظمة العربية والتي كانت تشير إلي انتشار الفساد, واستفحال الفقر, وتفاقم البطالة خصوصا في صفوف الشباب, وتعاظم الفجوة بين القلة المستفيدة من هذه الأنظمة والغالبية المحرومة لأدركنا كم كانت هذه كلها قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة. الحكومة المصرية مثلا كانت تحتفل قبل شهور-لابل قبل أسابيع قليلة من سقوط الرئيس حسني مبارك بمستويات نمو اقتصادي وصفت ب التاريخية, وكان المسئولون يفتخرون بقدرتهم علي جذب الاستثمارات الخارجية, ويرون في ذلك حجة دامغة علي نجاعة سياساتهم ودليلا علي ثقة المستثمرين بنظامهم, وكانوا يرفعون هذا الخطاب في وجه المشككين الذين يزعمون غير ذلك. والحكومة التونسية أيضا كانت تهلل بالتصنيفات المتقدمة التي حظيت بها علي مستوي التنافسية العالمية, وكبيئة ملائمة للاستثمار. طبعا كانت هذه التصنيفات مبنية علي معطيات ومؤشرات مغلوطة ضللت بها الحكومة المنظمات الدولية المعنية. لكن ما لم تحسب له الأنظمة أي حساب أو أنها استصغرته هو هذا الجيل الجديد, وقدرته علي التواصل والتفاهم وإعداد ثورة في أروع أشكالها. الشباب أشعلوها, وأيدتها الشعوب التي كانت الثورة تغلي في نفوسهم بعد أن فاق خداع هذه الأنظمة المستبدة أي احتمال. واليوم, فإن الحاكم أصبح يخشي من صوت الشعب وإصراره علي مطالبه, بعد أن كان الشعب في العقود الماضية يخشي من سطوة الحاكم وجبروت العسكر.