لم يتوقع المنظر الامريكي جوزيف ناي عميد معهد كيندي للعلوم السياسية في جامعة هار فارد, ولو للحظة, ان شباب ثورة25 يناير في مصر, ليس شباب الولاياتالمتحدة او اوروبا او الصين واليابان, هو اول من سيطبق بمهارة مفهوم القوة الناعمة في القرن الحادي والعشرين, وهو مفهوم سياسي ثقافي قصد به ناي القدرة علي صياغة خيارات الاخرين.. وان تكون نموذجا يحتذي, يجذب الاخرين ويدفعهم الي ان يفعلوا ماتريد. المفاجأة التي اربكت الجميع, في الداخل والخارج, هي ان هؤلاء الشباب لاينتمي لاي تيار سياسي او حزبي او تنظيمي, وانما يمتلك النقاء والشجاعة والوطنية والوعي شباب نجح في معركة الحداثة ومابعدها والعلم والتكنولوجيا, راوغ وسدد واجهض كل محاولات النظام السابق لتخريب شبكات التواصل الاجتماعي بينهم, استخدم( وسائل القوة الناعمة) من الموبايل الي تويتر وفيس بوك في مواجهة البطش والوحشية والرصاص المحرم دوليا والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والهراوات. فالفتيل الذي اشعل شرارة الثورة هو تكنولوجيا المعلومات الجديدة, هكذا تحولت الادوات الرقمية للحداثة وما بعدها الي ادوات تمرد استخدمها الشباب في نضالهم من اجل الحرية والديمقراطية, وهو مالاحظة السياسي الروسي المخضرم يفجيني برماكوف حيث ظهر تأثير الحداثة في مصر ثقافيا واجتماعيا, في تحركات وتشكيلات وادوات ور موز شباب الثورة, فضلا عن ان شعارات هذه الثورة واهدافها وعلي عكس توقعات الاستراتيجيين في الغرب حملت طابعا اجتماعيا( مدنيا)وليس دينيا مثل: تغيير حرية, عدالة, اجتماعية مسلم مسيحي, كلنا ايد واحدة مدنية مدنية.. سلمية سلمية. شباب ثورة25 يناير ينتمي معظمه الي الطبقة الوسطي المصرية التي ظن البعض انه تآكلت,وهو نموذج لجيل كامل بين18 30 عاما عاش حالة من( الصراع) والتناقض) الذي يصعب رفعه او حله, فقد ولد وترعرع في عهد تميز بالاحباط واليأس والفساد, وافاق عصر العولمة وثورة الاتصالات والانترنت, يقارن نفسه واحواله باستمرار بالعالم الخارجي, يتحدث لغة ثانية وينتمي الي نظام فكري مختلف, بينما هو يتنفس ابخرة سامة في داخل وطنه, يتفاعل مع شباب العالم كله, باعتبارهم ينتمون الي( جيل واحد) و(عالم واحد) لكنه لايجد من يسمع له في المنزل والجامعة ومؤسسات الدولة المختلفة. وعلي الرغم من كل ذلك, وبسبب ذلك, اثبت شباب مصر للمرة الاولي في عصر العو لمة ان المؤثرات لاتحدث في الاوساط التي ينتشر فيها الفقر والجوع والامية بل حيث يوجد الشباب المثقف المتعلم الناضج, الذي يقترب كثيرا بثقافته ونمط تفكيره من الثقافة العالمية. لان الشباب المتعلم يريد ان يحصل علي نصيب عادل من الحياة(75% من المصريين الان تقل اعمارهم عن35 عاما) وعندما يتضح له ان ما لديه من جهد فكري ووقت في التحصيل العلمي لايضمن له حياة كريمة,, يصاب بالاحباط( عام2010, سعي12 مليون مصري للحصول علي البطاقة الخضرآء الامريكية, وسجلت مليونا و154 الف محاولة هجرة غير قانونية). لقداندفع الشباب الي الشارع والتحقت به جموع الشعب بمختلف طوائفه وفئاته, التي كانت تكظم غيظها وحقها علي اوضاعها منذ سنوات.. فجاءت الثورة تتويجا لملحمة من النضال المستمر علي مدي ال5 سنوات الماضية تصاعدت خلال العامين الماضيين, ويكفي ان نعرف ان'38 اضرابا و51 تظاهرة و59 اعتصاما و36 تجمهرا خلال النصف الثاني من عام2010 وحده, ولهذا يفسر الفرق بين الانتفاضات المتفرقة المتلاحقة والثورة بالمعني العلمي التاريخي, ويجيب عن السؤال الكبير المطرح اليوم: ماالذي جعل من ثورة الشباب يوم25 يناير في مصر ثورة ناجحة, بينما ظلت المظاهرات والاعتصامات التي تطالب بمطالب فئوية واجتماعية منذ سنوات مجرد حركات مبتسرة لم يلتف حولها الشعب المصري كله. الرسالة الاهم في تصوير التي حملها ثورة شباب25 يناير في مصر, ولم يصغها جوزيف ناي ولااي ناي غرد خارج ارض مصر المحروسة, هي: ان الديمقراطية والنظام السياسي الليبرالي ليس مجرد مفهوم غربي( او مؤامرة اجنبية خارجية) بل انه ينطوي علي جاذبية انسانية عالمية, تدعمها الرغبة في التقدير الذاتي والاحساس بالكرامة التي تعني: ان الانسان يفوق كل ثمن, اضف الي ذلك ان هؤلاء الشباب اثبتوا للعالم:ان الفوز بالديموقراطية امرممكن في مرحلة مبكرة من عملية تحديث اي بلد, وليس تتويجا لعملية تحديث طويلة المدي, لان الانسان هو الذي يصنع الحداثة بنفس القدر الذي( يصنع) داخلها. أستاذ الفلسفة جامعةعين شمس