بالقطع فيه حاجة غلط ولخبطة في الدماغ أيضا..ماذا يعني أن تقول إن التحديق في الشمس في عز صيف أغسطس قد يؤذي العين؟, فيخرج عليك واحد شاهرا فتوي بأنك تنكر المعلوم عن الشمس بالضرورة. وهو فوائدها, أو أن الوقوف تحت الأمطار وقتا طويلا قد يصيب الإنسان بالبرد وأشياء أخري قد تودي بحياته, فيرد عليك واحد من الجماعة بأن الماء هو سر الحياة, ومصدره الاصلي هو المطر, وهذا جحود بنعم الله علينا. هذا بالضبط ما يفعله أصحاب التيار الديني في مصر, نتحدث عن أن التصويت بنعم في الانتخابات ليس واجبا شرعيا, وإلا أصبحنا دولة دينية, فيصرخون فينا بأننا نهاجم الإسلام, كما لو أن الذي كتب هذه العبارة هو الإسلام نفسه, وكنا نقصد أن إدخال الفتاوي في الحياة العامة خطر رهيب لا يقل أبدا عنه خطورة الاستبداد والديكتاتورية, فالحياة العامة من سياسة واختلاف في الآراء والأفكار لا تحتمل وجهة نظر واحدة, والأخطر أن توصف أيضا بأنها شرعية, اي مستمدة من الدين, وبالتالي الخارج عليها خارج علي الدين, فإذا حكم هذا المنطق كل حياتنا العامة, فقد حبسنا أنفسنا في مساحة ضيقة جدا من رؤية واحدة في أي قضية نناقشها, كما هو الحال في حكم شمولي استبدادي..فقط استبدلنا بالديكتاتور رأيا فقهيا. الدين مطلق والسياسة متغيرة, خذ مثلا: هل نساعد الليبيين في ثورتهم ضد القذافي ونمدهم بالسلاح والرجال باعتبارهم مسلمين أم هذا يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية قد يورطنا في صراعات إقليمية؟!,هل نوقف تعيين الفتيات في الوظائف لنحافظ عليهن في بيوتهن من الفتنة وفي الوقت نفسه نخلي هذه الوظائف للشباب للعاطل من الذكور فنقضي علي بطالة الرجال؟, هل إرسال مراكب صيد الأسماك إلي أعالي البحار المحفوفة بالمخاطر واجب شرعي أم لا؟, ألا تعد مباريات كرة القدم تحريضا علي الفتنة والعنف بين جماهير الكرة المتحمسة لفرقها؟, هل منح الأجانب المقيمين في مصر الجنسية واجب أم مصالح؟, هل وجود سفير لمصر في الصين وهي دولة تعامل مسلميها بقسوة ضرورة دبلوماسية؟..أي يمكن طرح آلاف الموضوعات من هذا النوع في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والفن والانتخابات والتعديلات الدستورية, فإذا حكمها الواجب الشرعي فهذه هي الدولة الدينية الكهنوتية بالضبط, مع أن الإسلام لا يعرف الكهنوت! الشكل لا يهم ولا الأسماء, وإنما الجوهر وأساليب التفكير وإدارة الحياة. ومازال الخطر داهما! [email protected] المزيد من أعمدة نبيل عمر