في الإسماعيلية... الناس يتساءلون: كيف تعبر المبيدات الزراعية المحظورة أنفاق غزة، وتستقر في المحافظة بهذه السهولة؟ وكيف يقبل تجار المبيدات ترويج هذه الأنواع السامة برغم مخاطرها الشديدة؟ وهل يكون الربح مبررا لتدمير صحة الناس؟ الواقع يقول أنه كما السرطان, انتشرت مبيدات مجهولة الهوية, والمكونات في المحافظة.. وعن جهل, يقبل بعض المزارعين بالمحافظة علي استخدام هذه المبيدات المحظورة, لرخص أسعارها, وقدرتها علي الفتك بالآفات, والحشرات الزراعية لسميتها الشديدة, وارتفاع نسب المادة الفعالة بها عن المواصفات المقررة.. والضرر هنا يصل إلي المواطنين من ناحية, ويضر بالتربة الزراعية من ناحية أخري, ويضرب الزراعة المصرية في مقتل! في محاولة للتصدي لظاهرة المبيدات المحظورة والمهربة في الإسماعيلية, والتي صارت تستعصي علي أجهزة الرقابة, تقدم مصطفي ربيع عضو مجلس محلي محافظة الإسماعيلية, بطلب إحاطة إلي المجلس لمناقشة القضية بحضور الجهات الرسمية ذات العلاقة, مشيرا إلي أن وزارة الزراعة سبق أن أصدرت قائمة بالمبيدات المحظورة, والمفاجأة أنني والكلام علي لسان مصطفي ربيع كنت أشتري مبيدات لمزرعتي الخاصة, فوجدت هذه المبيدات تباع في الإسماعيلية, متضمنة نفس المادة الفعالة, ويبرر البعض ذلك بأن هذه الكميات من المبيدات مخزنة منذ فترة, بينما ترد المبيدات المحظورة عبر أنفاق غزة, حيث يجري تهريبها وتداولها لانخفاض أسعارها, وفعاليتها في مقاومة الآفات الزراعية, ويقبل المزارعون البسطاء علي استخدامها دون وعي بمخاطرها. من هذه الأنواع, مبيد يقاوم العفن, وآخر يقاوم البياض الزغبي, والندوة البدرية والمتأخرة في محصول الطماطم, فضلا عن مبكرات النضج, والتي تجعل ثمار المانجو تنمو بشكل غير طبيعي قبل موعدها بأسبوعين, لطرحها في الأسواق مبكرا, وبيعها بأسعار مرتفعة. الرقابة غير كافية الجانب الآخر المسئول عن انتشار المبيدات المحظورة بالإسماعيلية في رأي عضو مجلس محلي المحافظة, هو ضعف الرقابة, فهناك4 مهندسين زراعيين فقط مهمتهم التفتيش علي محلات بيع المبيدات, وهؤلاء لا يحملون صفة الضبطية القضائية, وليس لديهم وسائل انتقال كافية تمكنهم من تفعيل دورهم الرقابي, كما أن شرطة المسطحات شريكة في حملات التفتيش, وبالتالي يستغرق توفير ضابط منها لمرافقة الحملة بعض الوقت, فتكون هذه المبيدات قد دخلت المخازن, لتواصل طريقها للبيع سرا, لاسيما أن بعض محلات بيع المبيدات لاتحتفظ بمثل هذه الأنواع إلا في المخازن, حتي لا تكون عرضة للمساءلة القانونية عند ضبطها بواسطة حملات التفتيش. من هنا, تضمن طلب الإحاطة الذي قدمته إلي المجلس المحلي لمحافظة الإسماعيلية مطالبات عديدة من بينها أن تتولي الجمعيات الزراعية الحكومية بالمحافظة تزويد المزارع بالمبيدات اللازمة لمقاومة الآفات, للقضاء علي السوق السرية للاتجار في المبيدات المحظورة, وتزويد مديرية الزراعة بالمحافظة بمعامل مختصة لتحليل المبيدات, والمنتجات الزراعية لبيان مدي سلامتها, وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي. المبيدات.. من المحليات إلي البرلمان ومن المجلس الشعبي المحلي لمحافظة الإسماعيلية, إلي مجلس الشعب, حيث وصلت قضية المبيدات المحظورة والمهربة إلي البرلمان, من خلال طلب إحاطة قدمه صلاح الصايغ عضو مجلس الشعب عن الإسماعيلية, والذي يطلب فيه حضور وزراء الزراعة, والصحة, والداخلية, والإدارة المحلية, أو ممثلين عنهم, لمناقشة القضية. وترتبط قضية المبيدات المحظورة بالإسماعيلية, وتهريبها من دول مجاورة, وعبر أنفاق غزة, وانتشارها في الأسواق المحلية, بالرقابة الهزيلة, والتي يراها نائب الإسماعيلية غير كافية علي الإطلاق, ويبادرني الصايغ بسؤال: بماذا تفسر لي وجود هذه المبيدات وطرحها للبيع؟ من أنها تضر بالتربة الزراعية, وتصيب المستهلك بالضرر الصحي البالغ, وتضرب الزراعة المصرية في مقتل! ويبقي الحل في سد منافذ التهريب عبر أنفاق غزة من ناحية, وتكثيف الرقابة علي الأسواق من ناحية أخري, لاسيما أن المبيدات المحظورة والمغشوشة وتلك المجهولة المصدر تحولت إلي ظاهرة يستثمرها بعض الأشخاص لتحقيق أرباح خيالية دون الاكتراث بمخاطرها علي التربة الزراعية, وعلي صحة المواطنين. الخطر في المبيد وبشكل عام, فإن قضية المبيدات المحظورة, ومجهولة المصدر, والتي امتلأت بها الأسواق في مختلف المحافظات, ومن بينها محافظة الإسماعيلية, تمثل خطورة كبيرة علي الصحة العامة للمواطنين... هكذا يراها الدكتور إسماعيل عثمان رئيس المجلس المحلي لمحافظة الإسماعيلية, لاسيما أن هذه المبيدات تستخدم في مقاومة الآفات الزراعية, وبالتالي فإن الخطورة تأتي من تناول منتجات زراعية بها نسب من هذه المبيدات, مما يعرض من يتناولونها للخطر, وعلي ذلك يجب تكثيف الرقابة علي محلات بيع المبيدات ومخازنها, حتي لاتتسرب أنواع محظورة منها, وفي الوقت نفسه لابد من التصدي لممارسات البعض بري الزراعات بمياه الصرف الصحي, ومياه المصانع المليئة بالمخلفات, والتي تشكل خطورة علي المواطنين أيضا المواجهة والإمكانات المتاحة المبيدات قضية خطيرة, هكذا يقول المهندس محمد نصر البعلي وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة, فهناك بالفعل مبيدات مغشوشة, وبصفة مستمرة يجري التفتيش علي الأسواق, لكن المواجهة تحتاج إلي إمكانات عالية, لكننا نقوم بالتحفظ علي المبيدات التي يتم ضبطها اذا كانت مخالفة, أو منتهية الصلاحية, ومن ثم إرسالها إلي المعمل المركزي بوزارة الزراعة لتحليلها, لأننا لا نستطيع الحكم علي مبيد قبل وصول نتائج التحاليل, وفي حالة ثبوت غش المبيد, أو عدم مطابقته للمواصفات يتم اتخاذ الاجراءات القانونية, وإحالة المخالفين للمحاكمة من خلال جهات التحقيق المعنية بذلك, وقد تم تحرير العديد من المحاضر للمخالفين. والحقيقة, أن مديرية الزراعة بالاسماعيلية, تقوم بدورها الرقابي في حدود إمكاناتها, فالمرور والتفتيش الدوري يحتاج إلي إمكانات وهناك لجان تفتيشية مستمرة من الزراعة, والمسطحات المائية برئاسة العميد أحمد أمين, ويسألني: ماذا نفعل؟. هل نخصص ضابط شرطة لكل محل مبيدات؟ من السرطان إلي تشوهات الأجنة المبيدات المحظورة ليست محل شك, فقد توصلت الدراسات العلمية التي أجراها المعهد القومي للسرطان في الولاياتالمتحدةالأمريكية, والكثير من المعاهد المماثلة في دول كثيرة, إلي علاقة المبيدات بإصابة الانسان بالسرطان, وإذا كان للسرطان علاج, فإن هناك أمراضا أخري خطيرة تستعصي علي العلاج, حيث تؤثر المبيدات علي الغدد الصماء, وهناك مواد تؤثر علي وظائف الكلي, والكبد, والجهاز العصبي, ومنها ما يؤدي إلي تشوهات الأجنة لدي الأم الحامل, فضلا عن التخلف العقلي, والخطورة البالغة علي الأطفال.. وإنني إذ أحذر من خطورة تلك الأنواع من المبيدات, فإنني لا أستبعد تهريبها من دول مجاورة عبر أنفاق غزة, لا سيما أن المبيدات الحديثة, والمصنعة في ظل أساليب الرقابة الصناعية المختلفة غالية الثمن, بعكس المبيدات المغشوشة رخيصة الثمن, والتي يقوم تجار المبيدات بترويجها لدي المزارعين مستغلين جهلهم بمخاطرها. تلك هي رؤية الدكتور سميح عبدالقادر منصور أستاذ علم المبيدات والسموم البيئية, وخبير الاتحاد الدولي للسميات بأمريكا.. ويضيف: للأمانة العلمية, فإن قوائم وزارة الزراعة تضم نحو175 مادة فعالة تستخدم في تصنيع المبيدات, لكن هذه المواد تظهر في الأسواق فيما بعد, في صورة مئات المركبات من الكيماويات, وبأسماء تجارية مختلفة, ويكفي أن تعرف والكلام هنا للدكتور سميح عبد القادر منصور أن هناك نحو11 ألف مادة كيماوية تتم إضافتها لمستحضرات المبيدات, منها3 آلاف مادة تم تشخيصها كمسبب للسرطان, وكلها موجودة في تحضير المبيدات, لكن لايكشف عنها لأنها تعتبر من أسرار الصنعة, في حين يجب الإفصاح عن هذا المواد في نشرة داخلية ترفق بالمبيد عند طرحه في الأسواق, كما في سوق الدواء. وبصفة دورية كانت وزارة الزراعة تصدر كتيبا بالمبيدات المحظورة, وكان آخر عهدنا بذلك الكتيب الارشادي للوزارة الصادر في الموسم الزراعي2001 2002, ثم توقفت الوزارة عن إصداره بعد ذلك, ثم أصدر المهندس أحمد الليثي وزير الزراعة السابق, القرار رقم719 لسنة2005 والذي يتضمن قائمة بنحو47 نوعا من المبيد, وتم إدراجها تحت القسم بي وسي, ولمن لا يعرف, فالمبيدات من حيث خطورتها تنقسم إلي3 فئات هي ايه, بي, سي, الفئة الأولي إيه ثبت بالدليل القاطع أنها تسبب السرطان, وتم منع استخدامها في مصر, والفئة بي تشتمل علي مبيدات من المحتمل أن تسبب السرطان, وقد تبين بالدراسات أنها تسببه لحيوانات التجارب, ولكن ليس هناك أدلة علمية كافية لإثبات خطورتها علي الانسان, أما الفئة الثالثة سي فمن الممكن أن تسبب السرطان عند تعرض لجرعات عالية منها. ومن بعده جاء أمين أباظة وزيرا للزراعة, وأصدر القرار رقم630 في2007 م, وبناء عليه تم تقسيم المبيدات التي تستخدم في مصر إلي قسمين: الأول يضم مبيدات محظورة عالميا, والثاني يشتمل علي مبيدات ينتظر رأي السوق الأوروبية فيها, وبيان مدي السماح باستخدامها من عدمه, لكن الغريب أنه تم السماح باستخدام مبيدات تندرج تحت الفئة بي, سي, وعلي ذلك تمت إجازة مبيدات فطرية مثل كابتان, وكلوروثالونيل, وثيبروميثرون, ومانكوزب, ودياثين, ومانيب, وفوليت, وإبرودايون, ومادياكونول, ودايمثيويت, وبروثيميدون تقرر الانتظار لحين استطلاع رأي السوق الاوروبية بشأن استخدامها هناك من عدمه. عشوائية في الاستخدام ومع أن مصر ألغت استخدام المبيدات المحظورة دوليا, فإننا مازلنا نجد مبيدات الفوسفور العضوي, والمبيدات الكلورية العضوية في عينات من الخضار والفاكهة بنسب قليلة, لأنها مبيدات شديدة الثبات في البيئة, وتتراكم في سلاسل الغذاء في النهاية, أستطيع القول, إنه لا يوجد ما يسمي المبيد الآمن, لكن هناك طرقا للاستخدام, ونسبا محددة, وفترات أمان لجمع الثمار, ومعامل تحاليل تقوم بتحليل عينات من الخضر والفاكهة, والمحاصيل الزراعية المختلفة, وتراخيص لمزاولة مهنة رش المبيدات, وكلها إجراءات وقائية معمول بها في مختلف دول العالم, بينما يجري استخدام المبيدات في مصر بصورة عشوائية, وباجتهادات شخصية من المزارعين, وبكميات مختلفة دون وعي بمخاطرها. والحال كذلك, يصبح من الضروري, وضع إستراتيجية حكومية لتسجيل المبيدات, وتداولها وفق معايير رقابية مشددة.