لم تكن هذه مصر التي تعودت رؤيتها في كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة.. أحكي عن تجربتي أمس.. وقد اتفقنا زوجتي وأنا علي أن نكون أمام اللجنة من التاسعة صباحا قبل الزحام.. لم تستطع زوجتي التي لم يسبق لها أن اشتركت في أي انتخابات وليست لديها بطاقة انتخابية الانتظار فسبقتني.. وقد تبينت أن كل منطقة الزمالك حشروا ناخبيها في لجنة واحدة بمدرسة البنات المشتركة.. وقد اتصلت بي من مقر اللجنة تقول إن هناك مظاهرة كبيرة.. وطلبت مني التصرف.. أما هي فقد صحبتها صديقة التقت بها إلي لجنة قصر الدوبارة. قررت الذهاب إلي مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض في الدقي.. وهي اللجنة التي تعودت منذ عرفت الانتخابات الإدلاء فيها بصوتي.. لم يحدث مرة أن وجدت أمامها زحاما.. كنت أدخل فناء المدرسة فأجده خاليا إلا من اثنين من الموظفين.. أمس فوجئت بالطابور الطويل الذي ينتظر الواقفون فيه دورهم.. أسعدني المنظر.. وفي هدوء أخذت دوري في آخر الطابور.. وكانت المفاجأة أن جاء بعدي مباشرة الكاتب الأديب الكبير الدكتور محمد المخزنجي وهو من سكان المنطقة. راعني كثرة القادمين من الجنسين وهدوء المنتظرين في الطابور الذي كسره صوت ناخب قال بصوت عال: يا جماعة خللوا بالكم ورق الاستفاء فيها مش مختوم.. من فضلكم اللي ياخد ورقة مش مختومة يرفض.. وأنا بعت علي التليفون رسالة للجنة الرئيسية أقول لهم الكلام ده.. بعد لحظات سمعنا صوت القاضي المشرف علي اللجنة يؤكد حق الناخب في أن تكون الورقة مختومة. أمضيت ساعة كاملة في الطابور قبل الوصول إلي غرفة إبداء الرأي التي مازال القيد فيها بالقلم والدفتر في وقت سبق فيه الناخبون بوعيهم وحضورهم كل الوسائل القديمة.. ساعة كاملة في الطابور أتحدث مع الدكتور المخزنجي وأكثر من مائة منتظر لم يجرؤ أحدنا أن يسأل الآخر عن رأيه.. كان كل منا يكتم رأيه باعتباره أمانة لا يكشف عنه إلا داخل الصندوق.. إيه العظمة دي يا مصر؟! المزيد من أعمدة صلاح منتصر