حوار: مدحت حسن - محسن عبدالعزيز الدكتور علاء الأسواني أديب مصري أصبح في سنوات معدودة أديبا عالميا, ترجمت أعماله إلي23 لغة أجنبية.. لكنه لم يسترح إلي هذا الانجاز الكبير, ولم يكتف بأن يكون أديبا يتجمع حوله المعجبون والمعجبات. لقد حمل هموم البسطاء ودافع عن الحرية وحقوق الإنسان, ليس بالكلمة فقط. لقد نزل إلي الشارع كناشط سياسي يقود المظاهرات ويتعرض لمضايقات رجال الأمن.. وظل ثابتا علي موقفه هذا حتي قامت الثورة, ورأي مصر تجني ثمارها. وفي هذا الحوار يتحدث عن الثورة كإنجاز حقيقي لكل أبناء الشعب المصري: كيف تري الثورة؟ الثورة التي حدثت في مصر هي بالضبط التي تدرس في العلوم السياسية, والثورة لها معان كثيرة فهي قبل كل شيء إنجاز إنساني وما حدث في مصر ثورة ناجحة بكل المقاييس, حيث وصل عدد المشاركين فيها إلي عدة ملايين وهي مع الوقت ستجعل كل منا أفضل في مجاله وتجعل الجميع يدافع عن المعني قبل المصلحة وهذه أفكار نبيلة جعلت الشعب يتوحد ويحقق معجزة لم يكن يتوقعها أحد. - ما رأيك كيف نجحت الثورة وأنت شاركت فيها منذ بدايتها وحتي نهايتها؟ يوم52 يناير لم أتوقع أن تشارك كل هذه الأعداد من الشباب وبهذا القدر من الرقي والتحضر والاحترام, وخلال هذا اليوم كان يرافقني صحفي إسباني سبق أن قام بتغطية أغلب الثورات التي حدثت في دول أوروبا الشرقية, وقال لي في اليوم الأول بعد أن شاهد تصميم الشباب وحماسهم أن نظام مبارك سوف يسقط لا محالة المهم أن تستمر الثورة, وقد صدقت نبوءته بالنسبة لي, وقد ساهم في نجاح الثورة التفاني الكامل من الشعب بدون البحث عن أي مصلحة شخصية, فقد شاهدت عشرات القصص والحكايات التي حدثت علي أرض الواقع لم يكن يتوقع أحد أن تحدث في مصر, فمثلا كنت تجد يوميا مواطنين بسطاء يأتون للميدان ويتركون وجبات طعام بسيطة جدا تم إعدادها في المنازل وهم لا يملكون شيئا ولكنهم قرروا أن يقدموا شيئا رمزيا, بالإضافة لعدد كبير من الرموز قدموا الكثير دون أن يطلبوا شيئا ومنهم د.محمد أبوالغار, ود.محمد غنيم, وعبدالجليل مصطفي, والمستشار محمود الخضيري, وممدوح حمزة وغيرهم الكثيرين. - البعض يري أن هناك ثورة مضادة تحاول التقليل من نجاحات الثورة التي تحققت؟ الثورة نجحت لا شك وما يحدث الآن من بعض المستفيدين من بواقي النظام السابق أنهم يحاولون إجهاض الثورة وإضاعة مكاسبها علي الشعب, فمن المسئول عن عدم محاكمة المسئولين حتي الآن عن الجرائم التي إرتكبت علي مدار81 يوما وهل سيتم إختزال كل جرائم القتل في شخص وزير الداخلية فقط, وإنما هناك نظام كامل من القمع الأمني الذي كان يمارس القتل بشكل عادي خلال الثورة ومن قبلها من خلال جهاز مباحث أمن الدولة, وهناك شيء جوهري آخر وهو ما يتعلق بالحكومة نفسها فكيف يمكن أن نتعامل مع حكومة أقسمت اليمين أمام الرئيس مبارك وأنا لست بصدد تقييم كفاءات أشخاص ولكنني أتحدث عن المبدأ كيف أقتنع بأن من كان وزيرا في حكومة لا تعترف بالثورة أو الشارع أصلا ويدين بكل الولاء للشخص الذي عينه, كيف له أن يصبح الآن مع الشارع ومؤمنا بالثورة, كان هناك وزراء يسخرون من الثورة ومن الشباب كيف نثق في أفكارهم مرة أخري. - ولكن هناك خطوات جادة من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة لإعادة البناء وهناك خطة معلنة لتسليم السلطة؟ مع كل احترامي وتقديري لدور القوات المسلحة في مساندة الثورة ولكن ما يحدث الآن هو عكس ما كان يجب أن يحدث تماما فما يجب أن يكون في رأيي هو أولا إقالة الحكومة بالكامل, ثم اختيار وجوه غير سياسية ولن يكون لها أي دور سياسي أو طموح سياسي, ثم إلغاء الدستور بالكامل وليس مجرد تعديله, وإنتخاب جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد, علي أن يحدد هذ الدستور طبيعة النظام وهل سيكو رئاسيا أم برلمانيا. - ولكن ما تطالب به سيحتاج لوقت ربما يفوق الإطارالزمني الذي حددته القوات المسلحة؟ وما الداعي أصلا لهذه العجلة أنا مندهش جدا من الطريقة التي تجري بها الأمور وكأن هناك شيئا, نحن إنتظرنا ثلاثين عاما ما الذي سيحدث إذا إنتظرنا عاما آخر يتم فيه البناء بشكل سليم وما يقال عن عدم وجود وقت هو كلام غير دقيق لأننا سنقوم بالاستفتاء علي تعديل بعض مواد الدستور وما يدعونا للاستفتاء علي تغيير بعض المواد يدفعنا لتغيير كل الدستور, ثم كيف ستجري إنتخابات برلمانية قبل تعديل قوانين مباشرة الحقوق السياسية وإلغاء الطواريء والإعلان بوضوح عن أن الانتخابات ستجري بالرقم القومي. - ولكن البعض يحاول أن يضغط علي الحكومة لتحقيق أهداف فئوية تعطل العمل؟ من قال إن الاحتجاجات الفئوية والنقابية تعطل العمل, علي العكس تماما عندما إنضم أصحاب الفئات المختلفة للثورة نجحت الثورة. ومن الطبيعي أن تتحرك كل فئة للبحث عن حقوقها, ففي رأيي أن النظام القائم يضغط علي الناس بحجة أن هذه التظاهرات تعطل العمل والإنتاج, بينما الحقيقة إذا كانت هناك حكومة مستقلة, وأعلنت بوضوح ما ستحققه سيثق الجميع بها, يجب أن يكون واضحا أن إختيار المسئول يتم علي أساس الكفاءة وليس علي أساس الولاء كما كان يحدث للنظام السابق. - كيف نحمي الدستور من أن يتم تغييره في المستقبل؟ هناك مجالس لحماية الدستور موجودة في دول العالم, ويمكن إنشاء مجلس أعلي لحماية الدستور يضم ممثلين من القضاة والمخابرات والشرطة والفقهاء يكون دورهم مراقبة أي انتهاكات تحدث للدستور في أي وقت. - أبدي البعض تخوفهم من عودة الشيخ القرضاوي وقيامه بخطبة الجمعة في التحرير؟ ليس هناك مبرر للخوف من وجود القرضاوي هو رجل دين معتدل والساحة تتسع للجميع. - ولكن هناك تناميا في دور الإخوان والكثيرين يخشون من حصولهم علي أغلبية في البرلمان؟ الإخوان لن يحصلوا علي أغلبية إلا بتواطؤ الحكومة معهم وما حدث في إنتخابات5002, يؤكد أن لولا أن سمحت الدولة للإخوان في الجولة الأولي بالحصول علي88 مقعد لما فازوا, والدولة في الجولة الأولي ترسل إشارات للغرب بهذا العدد, وفعليا الإخوان لن يكونوا أغلبية إذا أجريت الانتخابات في أجواء ديمقراطية سليمة. - آخر كتبك الذي أصدرته قبل ثلاثة أشهر كان بعنوان مصر علي دكة الاحتياطي وقد شبهت فيه مصر بفريق كرة القدم الذي يمتلك مجموعة من المواهب والكفاءات ولكن المدير الفني يجبرهم علي البقاء علي دكة الاحتياطي, هل تري أن مواهب فريق مصر يمكن أن تحصل علي فرصتها؟ كنت أري في كتابي أن مصر تشبه فريق كرة القدم الذي يتحكم فيه مدير فني لا يدرك قيمة الفريق الذي يدربه ويختار أسوأ العناصر لتلعب, بينما الكفاءات من المدير الفني وأصبح الآن يقف علي الخط وأعتقد أن الكتاب يمكن أن يكون عنوانه حاليا مصر تقف علي الخط. - هل أنت متفائل بما حدث في مصر؟ أنا متفائل جدا وشاهدت بعيني كيف أن هذه الثورة قد أخرجت أجمل ما في الشخصية المصرية وكيف نجحت في أن تحول أشخاصا عاديين إلي أبطال, وقد قال لي الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بالنص أن هذه الثورة ستظل تعلم العالم كله, وفي رأيي أنه مصر وبدون أي محاولات إلتفاف علي ثورتها ستقفز في سنوات قليلة لتصبح دولة عملاقة فمصر لديها كفاءات ومواهب تكفي عشر دول فعلي سبيل المثال عدد المصريين المقيمين في الغرب الحاصلين علي درجات علمية جامعية وماجستير ودكتوراة يصل إلي238 ألف مصري ومنهم المئات في تخصصات علمية إستراتيجية وجميعهم ينتظر اليوم الذي يمكن أن يقدم فيه شيئا لمصر, فاذا تحرك الجميع بشكل سليم سيصبح لدينا طاقة جبارة. - ترتفع بورصة الترشيحات في الغرب وفي الشارع المصري حول الشخص الذي سيصبح رئيسا لمصر, من تتوقع أن ينجح في إستقطاب الشارع؟ لا يعنيني من يكون الرئيس القادم, مصر مليئة بالكفاءات, يعنيني بالأساس طريقة الاختيار والقواعد الديمقراطية التي ستطبق وصلاحيات الرئيس. - يطالب البعض بالغاء عدد من الوزارات منها وزارة الثقافة كروائي ومثقف هل تتفق مع هذا الرأي؟ أعتقد أنه من المناسب وجود وزارة للثقافة ولكن بصورتها المتعارف عليها في العالم بأن يقوم فعلا العمل علي خدمة الثقافة وليس وزيرا للسيطرة علي المثقفين وإدخالهم حظيرة الدولة أما وزارة الإعلام فيجب إلغاؤها لأنها من بقايا العصر الشمولي. - في رأيك ما الذي يجعل الحاكم يتحول لديكتاتور؟ يقول أديب أمريكا اللاتينية الكبير ماركيز أن الديكتاتور يعتقد من داخله أنه بطل قومي ويعتقد أنه دائما شخص إيجابي ولا يثق إلا في تصرفاته, وفي رأيي أن ذلك يحدث لأنه يفقد إتصاله مع الناس ويحيط نفسه بمجموعة من المنافقين ولا يريد أن يعرف الحقيقة, وقد إلتقيت أخيرا بالشهبانو فرح ديبا إمبراطورة إيران السابقة وهي سيدة راقية ومثقفة ولكنها كانت تتحدث عن زوجها وكأنه بطل قومي ولا تريد أن تري الحقيقة, وأري أن تصرفات أي ديكتاتور لا تختلف عن غيره فعندما تقوم أي ثورة أول ما يفعل هو الإنكار الكامل لما حدث, ثم يقول أنها قلة مندسة تحركها أجندات أجنبية, ثم يقدم تنازلات في غير موضوعها, ثم يكتشف أنه تمت خيانته ممن حوله ويفقد السيطرة علي تصرفاته ثم يستسلم تماما, وهذا ما حدث في تونس وفي مصر ويحدث علي مر التاريخ في كل مكان لأن الديكتاتور لا يري نفسه مستبدا بل يعتقد دائما أنه منحة إلهية لا يراها الشعب الذي يحكمه. - البعض بدأ يتخذ موقفا مؤيدا للثورة علي طول الخط بعد أن كان من أشد المساندين للنظام كيف تفسر هذه التحولات؟ كنت سأحترم أي شخص كان يساند مبارك علي أسس موضوعية وإستمر يكتب ويعبر عن وجهة نظره لأن هذه رأيه وكان إنسان مسئول عن معتقداته ومن واجب الجميع الدفاع عن حرية الرأي ومساندتها ولكن أن يتحول الشخص من النقيض إلي النقيض فهذا معناه أنه يخون أفكاره ومبادئه, وأعجبني جدا رأي قاله الاستاذ هيكل أن اسوأ ما في مصر يحاول حاليا أن يقضي علي أجمل ما في مصر, ما حدث من وجهة نظري بالنسبة للأشخاص الذين تحولت مواقفهم هو أنهم كانوا يساندون النظام وكلهم ثقة في أنه سينتصر في النهاية وهم قرروا مساندته أملا في رد الجميل لهم فيما بعد ولم يتوقعوا إطلاقا أن النظام سيخسر وينهار وأصبحوا في مأزق فاضطروا لمساندة الثورة, وشخصيا لست من أنصار الانتقام ويكفي أن يعرف الناس الحقيقة. - ولكن هناك حالة من التخوين المتبادل بين قطاعات كثيرة في المجتمع؟ مرحلة التخوين الحالية طبيعية وهي من طبائع الثورات وستنتهي مع الوقت. - وهل يمكن فتح صفحة جديدة بين الجميع وإعلان مبدأ عام للتسامح. لا يمكن التسامح والمصالحه قبل المحاسبة الكاملة لكل من أخطأ في حق الشعب ثم بعدها يتم فتح صفحة جديدة مع الجميع. - كيف ستوثق للثورة كأديب وتنقلها للعالم من خلال ترجمات كتبك لعدد كبير من اللغات؟ عشت أيام ولحظات تاريخية لن أنساها وبالتأكيد سارصدها في كتب وروايات ومقالات, وقبل يومين كتبت مقدمة جديدة بالانجليزية لكتاب أصدرته الجامعة الأمريكية بعنوان علي دولة مصر ورصدت في المقدمة التحولات التي تشهدها مصر بعد الثورة.