تساؤلات عديدة ترددت علي ألسنة الكثيرين عقب إعلان المجلس الأعلي للقوات المسلحة تعطيل العمل بالدستور الحالي, البعض ظن أن هذا التعطيل يعني العودة الي تطبيق الأحكام العرفية والبعض الآخر يري أن القوانين باتت في حكم المعطلة هي الأخري. ومابين هذه الآراء وتلك يبقي القول الفصل لدي فقهاء الدستور وخبراء القانون لتفسير الأوضاع الحالية مطمئنة بأن تعطيل الدستور لا يعني الغاءه أو تطبيق الأحكام العرفية أو وقف العمل بالقوانين. د. فوزية عبدالستار أستاذ القانون الدستوري بحقوق القاهرة, توضح أن تعطيل الدستور أو وقف العمل به يعني أنه لايزال قائما وموجودا ولكن لا يطبق, وهذا كان لابد منه طالما الاتجاه الي تعديل الدستور وليس الي تغييره لو كان تغييره كان يسقط هذا الدستور, ونأتي بدستور جديد, لكن تعطيله هو وقفه الي أن يتم تعديل المواد التي تنظم الانتخابات بحيث يزول العوار أو العيب الذي لحق به في التعديلات الدستورية التي تمت منذ 2005 وحتي 2007 وعندما تعدل هذه المواد وما قد تراه اللجنة المشكلة لتعديله من مواد أخري, ففي هذه الحالة عندما يتم التعديل يتم رفع الحظر علي تطبيق الدستور ويعود الي ماكان عليه معدلا وفقا لما تقره اللجنة. وتحكمنا الآن القوانين التي صدرت بناء علي الدستور, فالتشريعات في الدولة متدرجة من حيث القوة اعلاها الدستور. تليه القوانين ثم اللوائح فمازالت القوانين موجودة وهي التي تطبق في جميع المجالات ماعدا القوانين المتعلقة بالمواد التي يجب تعديلها مثل قانون مباشرة تنظيم الحقوق السياسية. أما فيما يتعلق بقانون الطوارئ, كما تقول د. فوزية عبدالستار, فهو لايزال قائما شأنه شأن باقي القوانين الي ان يصدر قرار بإنهاء حالة الطوارئ أو إلغاء قانون الطوارئ.. وقد لاحظت خلطا بين الأحكام العرفية وبين قانون الطوارئ, وأود أن أوضح أن قانون الأحكام العرفية صدر في مصر سنة 1954, وألغي بالقانون رقم 162 سنة 1958 المعني بشأن حالة الطوارئ. وفي هذا القانون استبدل بتغيير الأحكام العرفية بتغيير حالة الطوارئ, ولذلك فإن حالة الطوارئ هي بديل لحالة الأحكام العرفية, وهذا يعني أن قانون الطوارئ هو المطبق الآن. ويؤكد الدكتور شوقي السيد أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة, أن تعطيل الدستور لا يعني الإلغاء, بل سيتم تعديلات جزئية علي المواد المطلوب تعديلها ثم يجري الاستفتاء عليها وذلك بهدف اجراء الانتخابات الرئاسية وبعد ذلك من الممكن عمل دستور جديد أو ادخال تعديلات أخري. القضاء العادي من جانبه, أوضح المستشار حسن رضوان رئيس محكمة جنايات الجيزة, أن تعطيل العمل بالدستور لا يعني توقف القضاء العادي في مصر وأن جميع المحاكم الجنائية والمدنية تعمل بشكل طبيعي, لأن الأصل في القضاء هو الحكم باسم الشعب, لذلك فإن العمل بالمحاكم لا يتوقف لأي ظرف. وأضاف أنه بالنظر للظروف الدقيقة التي تمر بها مصر في هذه المرحلة, فإن للحاكم العسكري الحق في إحالة بعض القضايا التي تشغل الرأي العام الي القضاء العسكري, مثل قضايا الفساد والاعتداء علي المال العام, وما أثير من إحداث متعمد لفراغ أمني وفتح السجون وذلك بهدف سرعة الفصل فيها ومحاكمة المسئولين عن تلك الجرائم. بدون قيود دستورية ومن ناحية أخري, يقول رجائي عطية المحامي إن الخطوات التي يتخذها المجلس الأعلي للقوات المسلحة لن تكون مقيدة بالدستور وبهذا فإن هذا المجلس سوف يتصرف بالشرعية الثورية طالما أن الدستور معطل, والدليل علي ذلك القرار الذي أصدره المجلس بحل مجلسي الشعب والشوري والحل طبقا للدستور لا يكون بالنسبة لمجلس الشعب إلا بالمادة 136 التي جعلت هذه السلطة لرئيس الجمهورية, وبالمادة 204 من الدستور طبقا لمجلس الشوري, وهي أيضا تمنح الاختصاص بالحل لرئيس الجمهورية وتجعله مقصورا عليه وكلا المادتين توجب علي رئيس الجمهورية في حالة الحل أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين الي انتخاب المجلس الجديد سواء شعب أو شوري في خلال 60 يوما من تاريخ صدور قرار الحل. ويتضح من ذلك أن قرار المجلس العسكري لن يتقيد لا بسلطة إصدار قرار الحل, ولا بوجوب أن يتضمن قرار الحل دعوة الناخبين للمجلسين خلال 60 يوما, ومعني هذا أن الدستور معطل, أما باقي القرارات التي سوف تتابع لن تصدر طبقا للدستور لأنه معطل, ونسير الآن علي مجموعة القوانين المنظمة للحياة في مصر, وهذه القوانين بأنواعها سارية وهي تضمن الحد الأدني لاستقامة الحياة وعدم تحولها الي فوضي وخلاف ذلك الأمر في يد المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي عليه حتي ان لم يتمكن مقيدا بالدستور وتعطيله فإن عليه أن يستلهم أحكام الدستور, ولكن ما هو وضع الأحكام العرفية؟.. يوضح رجائي عطية أن الأحكام العرفية هي المسمي التاريخي القديم لحالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ6 اكتوبر 1981 وتجدد كل فترة, وبالتالي فإن حالة الطوارئ هذه قائمة ومعلنة وهي التي يستند إليها قرار حظر التجول, لأن حظر التجول لا يبيحه القانون القانون العادي بل يبيحه قانون الطوارئ. انهيار قانوني ولكن هل يترتب علي تعطيل الدستور انهيار قانوني في البلاد؟, يجيب رجائي عطية قائلا: تعطيل الدستور يقتصر علي الدستور ولا يمس ولا يلغي القوانين سارية وواجبة الاحترام والتطبيق الي أن يتم تعديلها أو إلغاؤها بمعرفة المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي أعلن في بيانه الخامس بأ له سلطة إرسال مراسيم بالقوانين أو ما يصدر من البرلمان بعد إعادة انتخاب مجلسي الشعب والشوري وبالتالي لا يوجد انهيار قانوني في البلاد وتظل الأحكام التي تصدر عن المحاكم سارية محل احترام وتطبيق وتنفيذ. أما عن وضع الوزارة فإن البعض يقصر فيما يستخدمون تعبير أن الرئيس مبارك, وكل المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وأن المجلس يباشر إدارة شئون البلاد في هذا التوقيت, فهذا التكييف خاطئ لأن القاعدة أن الوكيل لا يملك ما لا يمكن الموكل, والموكل هو الرئيس السابق قبل تخليه عن منصبه, بينما نري أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة لم يتقيد بهذا القيد الذي كان يجب أن يتعيد به الرئيس, وبالتالي فإن مصدر ما يباشره المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو مزيج من قرار التكليف الذي صدر من الرئيس قبل تخليه عن منصبه, ومن الشرعية الثورية المستمدة من الوضع الذي خلقته الثورة التي بدأت 25 يناير 2011 وأكد المستشار حسن حسانين رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن تجديد الدستور بالكامل مسألة لن تستغرق أكثر من ثلاثة أشهر لسهولة ذلك الإجراء أمام فقهاء الدستور, بينما أكد المستشار جمال القيسوني رئيس محكمة جنايات شمال القاهرة أن سير العمل بالمحاكم المصرية لن يتأثر بتعطيل أو حتي تغيير الدستور لأن التشريعات التي تطبق داخل المحاكم مستشهدة من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية والمدنية, وهي قواعد راسخة لن تتأثر بشكل واضح بتغير الدستور. ويؤكد اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجي ان تعطيل الدستور علي النحو الذي اوضحه بيان القوات المسلحة لايعني علي الاطلاق العمل بالاحكام العرفية لأن العمل بتلك الاحكام يجب ان يتم اعلانه للمواطنين بشكل واضح وصريح, وتقوم القوات المسلحة بإعلان بيان مفصل عن ماهية تلك الاحكام وتاريخ العمل بها في كل وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة. في حين اكد الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ان حل مجلسي الشعب والشوري وايقاف العمل بالدستور يعني اننا في ظل الاحكام العرفية خلال المرحلة الانتقالية. واضاف ان القوات المسلحة لا تريد الاعلان الصريح بهذا الشكل كما انها تطبق الاحكام بشكل مخفف حتي لايتم اطلاق كلمة انقلاب علي هذه المرحلة. واشار الي ان ايقاف العمل بالدستور لايعني الغاءه..