الحالة الاحتجاجية والانتفاضية والشعبية واسعة النطاق التي اجتاحت مصر كلها منذ25 يناير ولا تزال, كانت تعبيرا عن استمرارية الاختلالات البنائية في النظام السياسي, وفي السياسات الاجتماعية والأمنية والإعلامية الرسمية. والتي كانت موضوعا للدرس والتحليل النقدي لكبار المثقفين والباحثين المصريين في الأهرام وخارجه من أجل إيجاد سياسات وآليات إصلاحية جديدة قادرة علي تجديد الدولة المصرية وأجهزتها, وكذلك فتح الأبواب أمام مصادر جديدة للتجنيد السياسي للطبقة السياسية الحاكمة من خلال وجوه إصلاحية تتسم بالحد الأدني من الكفاءة المهنية والجدارة والقدرة علي إدارة المؤسسات السياسية والبيروقراطية علي نحو يتسم بالعقلانية والرشد الإداري والسياسي. ثمة عديد من الكتابات ركزت علي المخاطر الجمة للركود السياسي والجمود النخبوي, والأخطر لظاهرة الشيخوخة الجيلية, وانسداد الطرق والمسارات السياسية والمهنية أمام أجيال متعددة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وما بعد في الحراك السياسي والمهني لأعلي, ومن ثم أدي هذا الانسداد السياسي والاجتماعي إلي تراكم الاحباطات السياسية. وتزايد الاحتقانات الاجتماعية والسخط علي الطبقة السياسية التي بدا بوضوح لوحظ وكتب عنه مرارا وتكرارا في الأهرام وغيرها إلي أن ثمة صدعا وفجوات إدراكية ومعرفية ومعلوماتية عما يجري فعلا في الواقع الاجتماعي المحتقن والمتوتر والذي يسري الغضب والسخط واسع النطاق في حناياه وخلاياه الاجتماعية والسياسية, بينما كانت الأجيال الشابة تبتعد عن الخطاب الإصلاحي الجزئي أو الشامل, وراحت عبر الواقع الافتراضي تلتئم حول فضاءات سياسية وقيمية وفكرية جديدة, تؤمن بحقوق الإنسان العالمية, وبلغة وأدوات اتصالية وإدراكية مختلفة تماما عما يجري عند قمة النظام وأجهزة الدولة علي اختلافها, ولاسيما الأمنية. ظلت الطبقة السياسية والبيروقراطية والإدارية تعيد إنتاج مجموعة من الشعارات الخشبية والأفكار القديمة الميتة التي لم تعد قادرة علي الهام الطبقة الوسطي الوسطي, أو الوسطي الصغيرة أو بث الآمال السياسية أو الاجتماعية أو الفردية. من هنا نستطيع أن نقول أن تراجع الآمال, وغياب الحساسية السياسية والخيال, وضعف المعارضات وحركات الاحتجاج الجديدة علي اختلافها باستثناء جيل الانترنت وشبكات التفاعل الاجتماعي الذي كان ولا يزال يؤسس لخبرات ورؤي جديدة, ولم يهتم أحد به, لأن بعضا من غرور القوة شاب تصرفات بعضهم وسلوكهم الأمني والحزبي والسياسي. كانت الفجوة بين الأجيال تتسع, والسخط السياسي والاجتماعي يتراكم ويتمدد إلي أن حانت لحظة لم تستطع الطبقة السياسية والمعارضة قياسها إلا قلة من الباحثين والكتاب, ولم يأبه أحد بهؤلاء جميعا إلي أن خرج الغضب الجيلي السياسي والاجتماعي عارما وبلا حدود إلي الشارع. إن بعض دروس ما حدث حتي اللحظة الآنية المتغيرة والسائلة, يمكن رصدها تمثيلا لا حصرا فيما يلي: 1- أن المصريين قادرون علي المبادرة التنظيمية في مواجهة العفوية السياسية والهياج والتمرد الجماهيري المنفلت من عقاله. 2- القدرة علي تحويل العفوية التنظيمية للدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة إلي أشكال تنظيمية تتطور لملء فراغات الغياب الأمني/ البوليسي الشامل منذ نهاية يوم جمعة الغضب28 يناير2011 وما بعده إلي حين نزول جيش مصر ويتلاحم مع الأمة ويدافع مع شبابها عن ممتلكاتها ورموزها القومية. 3- الوعي السياسي والتاريخي البصير بالرأسمال الرمزي والتاريخي المصري, في الحفاظ بأجسادهم علي محاولات بعض المجرمين سرقة المتحف المصري العريق. 4- أن أشكال التنظيم الشعبي شملت كافة الأحياء الفقيرة والوسطي والمترفة من خلال عديد من المظاهر, وضع علامات للعربات التي تنتمي للحي كما في الزمالك علي سبيل المثال وعلامات علي الزي للمرور. التحقق من العربات المارة في ساعات حظر التجول ومن شخصية العابرين للطرق, وسد الشارع من جميع ممراته, وأمام المنازل بين جميع شباب الأحياء والشوارع والحواري, وأيضا علي الكباري والجسور بعد ساعات حظر التجول وليلا علي وجه التحديد. 5- أن المؤسسات الدينية الرسمية الإسلامية والمسيحية تجاوزتها حركة الأجيال الجديدةالشابة. 6- أن فزاعة الإخوان المسلمين ثبت سقوطها وأنهم جزء من حركة الاحتجاج الشعبي واسعة النطاق, ولم يكونوا مبادرين بدعم الجيل الجديد الشاب. أما محاولة بعض دعاة السلفية أن يشاركوا ويقودوا جماهيرهم فقد كشف عن وجه سياسي جديد للسلفية التقليدية والجديدة بكل دلالات ذلك علي المستويين السياسي والاجتماعي والديني. 7- كشف الواقع المنتفض بمطالب الإصلاح أن بعض الخطاب الديني الرسمي والإخواني والسلفي بعيد عن أفكار حركة التغيير الشابة ذات التوجهات المدنية وبدا أن الخطاب الديني السياسي والاجتماعي بعيدا عن روح مصر الجديدةالشابة الطامحة لتغيير في الأفكار والقيم وفي الفكر الديني نحو الحرية والعدالة والتسامح والمساواة بين المصريين. 8- أن عدم الاستجابة والمرونة السياسية مع مطالب التغيير وشيوع وانتشار الفساد الوظيفي والإداري والسياسي والإعلامي أدي إلي تقوض بعض مكونات أجهزة الدولة علي نحو بالغ الخطورة بما يشير إلي غياب المسئولية السياسية والأخلاقية لدي بعض قادة الطبقة السياسية الحاكمة, ولاسيما وأن الدولة الحديثة ومؤسساتها وأجهزتها في إطار الدولة/ الأمة هي أهم انجازات المصريين وكفاحهم التاريخي منذ محمد علي وإسماعيل باشا وإلي الآن. 9- أن بعض رجال الأعمال الفاسدين فروا هاربين في لحظات الأزمة بعد نهب المال العام وثروة الأمة, ولكن بعض الشرفاء والوطنيين ظلوا في بلادهم لأن مصيرهم جزء من مصائر شعبهم وأمتهم العريقة ومستقبلها في التنمية والإصلاح الشامل. 10- مصر في مفترق الطرق وأبواب تجديد الدولة وأجهزتها نحو الدولة الدستورية والقانونية الديمقراطية. نحن في بداية الخروج إلي النهار إلي مصر الجديدة.