حرية الصحافة كل دروس التاريخ تؤكد أنه ليس هناك ما يسيء إلي حرية الصحافة في أي بلد سوي الفهم الخاطئ لمعني الحرية ولا أقول حدود الحرية لأن الحرية ليس لها حدود. ولكن لها ضوابط تبدأ باحترام عقلية القاريء والمستمع والمشاهد وتنتهي باحترام سمعة الأفراد والهيئات في إطار من الاحترام الأشمل والأوسع لسيادة القانون وبما يجعل منها التزاما ومسئولية قبل أن تكون حقا مطلقا! إن الصحافة الحرة ليست فقط مجموعة كرابيج لجلد الظهور تقود تلقائيا نحو الانفلات وتخطي الحدود وإنما الصحافة الحرة هي الرؤية الملتزمة التي يتحسس كاتبها حروفه قبل أن يخطها بقلمه خشية أن يقع ضحية لمعلومة خاطئة أو أن يصيب برذاذ قلمه إنسانا بريئا... وأيضا فإن الصحافة الحرة ليست فقط هي التي تتغلب فيها شهوة إحداث الفرقعات وإثارة الانتباه وإنما هي صحافة الاستنارة التي تستهدف توسيع قاعدة المعرفة ونشر أضواء التنوير وطرح الحقائق المجردة أمام الضمير العام لكي يحكم لها أو عليها! ولا شك في أن الصحافة الحرة تبرز في صدق الكلمات وليس في غلظة العبارات فالشجاعة صدق لا علاقة له بالوقاحة وأشجع وسائل الإعلام وأكثرها احتراما هي الأكثر حرصا علي الصدق مع نفسها ومع الآخرين لأن هذا الصدق هو الذي يوفر لها سلاح الحق الذي لا تستطيع كل أسلحة الباطل أن تصمد أمامه ثم إن الصدق لا يجيء بمجرد التمني وإنما هو جهد شاق وعمل متصل وبحث دءوب وتدقيق قد يصل إلي حد الوسوسة لكي تجيء الكلمة عنوانا للحقيقة فقط! وربما يكون ذلك هو السبب في إصرار المعنيين بحرية الصحافة في الدول الديمقراطية علي إيجاد الأجواء الضرورية لإنعاش هذه الحرية وضمان عدم انحرافها من خلال تأكيد حرية تدفق وتداول المعلومات لأنه في غيبة من ذلك تكون الغلبة لاؤلئك الذين يريدون أسر حرية الصحافة خلف قضبان الشائعات. وليست ضمانات حرية الصحافة في التزام الصحفيين وحدهم وإنما أيضا في مدي فهم وإدراك المجتمع ككل والنخب الحاكمة علي وجه الخصوص لأهمية التجاوب مع استحقاقات مهنة البحث عن المتاعب طلبا للوصول إلي الحقيقة وتأكيدا لحق المعرفة في عصر لم يعد فيه إمكانية للتعتيم علي أي حدث! باختصار شديد أقول: إنه في أجواء الحرية لا قيد علي الكلام فالحرية معناها الانطلاق والاختراق ولكن بشرط أن يكون الكلام جادا وليس مرسلا وموثقا وليس ترديدا للشائعات! خير الكلام: كن شجاعا في الاعتراف بخطئك.. وكن أكثر شجاعة في التسامح مع من يخطئ في حقك! [email protected]' المزيد من أعمدة مرسى عطا الله