بمناسبة الأحداث الأخيرة المؤسفة في مدينة الإسكندرية, أرجو أن نتذكر جميعا قول السيد المسيح في خطبته الشهيرة علي الجبل لاتقاوموا الشر بمثله, بل من لطمك علي خدك الأيمن فأدر له الخد الآخر... أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم, وأحسنوا معاملة الذين يبغضونكم, وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم. وأود منذ البداية أن أقول إنه توجد آية في القرآن الكريم سأذكرها بعد قليل, تشبه كثيرا ماقاله السيد المسيح في الآيات السابق ذكرها. وأود قبل أن أصل إلي الآية الواردة في القرآن الكريم, أن أدافع عن قول السيد المسيح ضد من اعتبرها مثالية أكثر من اللازم, وغير واقعية. أما أن هذه الأقوال مثالية جدا فهذا صحيح فهذه هي وظيفة الدين الأساسية, وهي تهذيب الإنسان والإرتقاء به إلي مستوي أعلي بكثير مما تفرضه عليه غرائزه, وعواطفه, وانفعالاته, ومصالحه الفردية والأنانية. أما أن هذه الأقوال غير واقعية وغير عملية فهذا غير صحيح. لأن الدين يعترف بوجود الدولة وقوانينها وسلطاتها ووسائل القهر التي تملكها فلا ينبغي علي المعتدي عليه أن يرد الاعتداء بنفسه, ولايجوز لأي إنسان أن يقيم العدل لنفسه بنفسه, وإلا انهارت الدولة وعمت الفوضي فالإنسان بحكم الدين عليه ان يحب ويعفو والدولة بحكم وظيفتها تقيم النظام, وتقهر إرادة الخارجين علي القانون وتعاقبهم. ولعل أبرز مثال تجلي فيه التوفيق بين أمر الدين بحب المعتدي والعفو عنه وامر الدولة بقهر المعتدي ومعاقبته, نجده في الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان الراحل عندما زار في السجن الشاب الذي شرع في قتله وقام بتقبيله والعفو عنه. ولكنه لم يقل للدولة أخرجي هذا الشاب من السجن. ونصل الآن إلي الآية التي وردت في القرآن والتي تشبه إلي حد كبير أقوال السيد المسيح السابق ذكرها, تقول الآية الكريمة لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.( سورة المائدة).ومن الواضح أن الأفكار المثالية السامية الواردة في أقوال السيد المسيح في موعظته علي الجبل. وأنا لا أريد أن أخوض في تحديد من يقع عليه اللوم في أحداث الإسكندرية المؤسفة, فهذه مسألة متروكة إلي سلطات التحقيق. ولكن أود التركيز فقط علي ضرورة فهم طبيعة البشر, ووظيفة الدين, وواجب الدولة. أما عن طبيعة البشر فحدث ولا حرج, فالإنسان قد أثبت علي مر العصور ومنذ بدء الخليقة أنه حيوان قاتل. فالإنسان قد قتل نفسه بالانتحار وقتل والديه وأولاده, وأشقاءه.... الخ, وتاريخ الإنسانية في الحروب غير مشرف أبدا فالحروب بين العائلات والقبائل, والمدن القديمة, والدول الحديثة, ذهب ضحيتها الآلاف والملايين دون أي ذنب جنوه, والحديث هنا طويل ولا أريد أن أسترسل فيه, فهو معروف للجميع ولايحتاج إلي مزيد من الإيضاح. ومن هنا احتاج الإنسان إلي الدين ليهذب من غرائزه, وأنانيته, وعدوانيته, ولو كان الإنسان مؤمنا بالدين الذي ينتمي إليه حقا, لاستجاب للأفكار المثالية السامية التي وردت في الإنجيل والقرآن. فإذا هو لم يستجب فهنا يظهر دور الدولة وواجبها في أن تضع القوانين العادلة التي لاتفرق بين مواطن وأخر, وأن تقيم القضاء العادل الذي يمسك بالميزان, وأن تقهر كل إرادة تخرج عن القانون والنظام. فلتكن كلمة الدين هي العليا في الإرتقاء بالإنسان والسمو به. لتكن كلمة القانون هي العليا علي كل من يخرج علي القانون والنظام.