برغم تكرار شكواهم من الظلم الذي يحيط بهم, فإن عمال الميكانيكا بهيئة النقل العام لم يجدوا استجابة من أي نوع من المسئولين, الذين يعاملونهم بلا احترام أو تقدير. مع أنهم مسئولون عن تشغيل سيارات الهيئة بالكامل, فالمرتبات ضعيفة للغاية, وبدلات الوجبات والحوافز لا تذكر, حتي العلاوة السنوية أو علاوة الإعالة لطفل لا تتعدي جنيهين.. في الوقت الذي يحصل فيه زملاؤهم في التعيين بمناطق أخري أضعاف مرتباتهم, لأنهم أضربوا عن العمل وفضحوا الهيئة. يؤكد محمد الحسيني, عامل برادة بفرع( أثر النبي) ويعمل منذ20 عاما بالهيئة بهذا الموقع, أن مرتبه لا يزيد علي500 جنيه, إضافة للحوافز وهي200 جنيه, وبعد هذا العمر الطويل لا أستطيع أن أنفق علي نفسي وأولادي, فالسكن يستنفد نصف هذا المبلغ, وأعيش حياة صعبة, وشكوت وزملائي كثيرا.. فلا أحد يسمع عنا. ويشاركه نور الدين كامل, ميكانيكي, فيقول: إن هناك ظلما شديدا يقع علينا, فهناك السائق بالهيئة يحصل علي أضعاف مرتباتنا, برغم أنه يكون أحدث منا كثيرا, ولا يعطي مجهودا يساوي ما نبذله في إصلاح السيارات, الذي قد يستغرق وقتا طويلا في معاناة وعذاب دون حافز, مما يصيبنا بإحباط شديد, وبرغم أن عدد من يعملون في مهنتنا يتعدي نصف موظفي هيئة النقل العام بالقاهرة, فلا أحد يسأل عنا, ويرهبوننا بالأمن إذا تكلمنا عن حقوقنا. ويضيف مجدي عبدالغفار, ميكانيكي بالهيئة, أنه يكفي أن بدل الوجبة للميكانيكي هو60 جنيها, في حين أنها للسائق120 جنيها, وكذلك الحوافز التي لا تتعدي ال40جنيها, وحتي المعاشات لا تتعدي للفرد550 جنيها بعد خدمة تعدت ال30 عاما, وهناك أمثلة لضحايا كثيرين لهذه الهيئة, من حيث المعيشة والنهاية, حيث لا توجد أي رعاية إنسانية للميكانيكي, حتي علي مستوي العلاج الطبي الذي لا يتعدي أدوية لا تتغير, ومن يريد العلاج الحقيقي فليذهب للعلاج, فالموقف إذن تعرض أفراد أسرة العامل أيضا للمرض أو الحوادث, فليس هناك من ينقذه أو يساعده, فالهيئة لا تحترم الميكانيكي, رغم أنه الدينامو المحرك لسياراتها وعملها. ويري ياسر السيد عبدالله( نقاش دوكو) أن الإضراب كان سيشل حركة الأتوبيسات ويرجع حقوق العمال الذين تحتقرهم الهيئة من حيث المرتبات والحوافز والتقدير العام, وهناك أمثلة كثيرة لزملاء خرجوا إلي المعاش ولم يجدوا تقديرا عن كل هذه الخدمة الطويلة, لا ماديا ولا أدبيا, بل الأخطر من ذلك أنهم خرجوا بأمراض صدرية وصحية كثيرة, لأن طبيعة العمل تعرض الإنسان لكل الأخطار التي لا تأمين ضدها, ولا تحتسب إصابة عمل نتيجة السموم التي يمتصها الجسم ويتنفسها, فإذا كان الإنسان لديه أولاد, فكيف ينفق علي أولاده وعلاجه في الوقت نفسه؟! ويسوق أحمد السعدني( ميكانيكي بالهيئة) مثلا لحياة العامل بها, فهناك عمل يوم كامل, فإذا خرج يبحث عن فرصة عمل أخري, لا يجد إلا مهنة عامل نظافة, ويهدر كرامته وشخصيته من أجل الإنفاق علي أسرته, بل إن بعض العمال يعيشون بقية الشهر بالاقتراض من والديهم للإنفاق علي أسرهم وأولادهم, ولأن مرتباتهم لا تكفي مع أكبر تقدير إلي نصف الشهر, ولا يجدون عملا خارجيا, في حين أن مرتباهم لا تكفي المواصلات والسكن في أقل درجة إنسانية, فما بالك بالعلاج أو الطعام أو مصروفات المدارس.. والخلاصة أن الهيئة تقتلنا ونحن علي قيد الحياة. ويقول مصطفي أحمد إبراهيم( ميكانيكي بالهيئة) إننا لكي نعيش نضطر للعمل في أي مكان آخر, لأنه لا أحد يسأل عنا. فليس لدينا حوافز أو مكافآت تستحق, وهي جميعا لا تتعدي300 جنيه, في حين أن السائق أو الكمسري الحديث يأخذ أضعافها, وأكثر من ذلك أن الهيئة لا تدفع قيمة التأمينات علي العاملين بها إلا بعد الخروج إلي المعاش فقط, وبعد أن يدور العامل حول نفسه بعد هذه السن من التعب والخدمة لهذه الهيئة.. ويكفي أن السائق بالهيئة يحصل علي52 جنيها بدل راحة عن8 ساعات شغل, بينما لا يحصل الميكانيكي سوي علي31 جنيها في الشهر كله, والسائق يحصل علي9% من إيراد الأتوبيس, والكمسري علي9,5%, وفي الوقت الذي يحصل فيه المديرون علي بدل مخاطر وهم يقضون عملهم علي مكاتب, لا يحصل عليها المعرضون فعلا للمخاطر من العمال الغلابة. ويشير مصطفي أحمد إبراهيم إلي أن العامل يواجه كثيرا من الأخطار مثل الصدمات والسقوط تحت العجل في أثناء العمل, والتعامل مع الدخان والجاز ومياه النار والبطاريات, مع ارتدائه ملابس لا تناسب هذه الأخطار, بل إن الملابس العادية لا تصرف للعامل إلا كل4 سنوات في صورة طقم, بينما تكون عدد الشغل علي حسابنا الشخصي, ويلاحظ أن الماكينات المستخدمة للتصليح بدائية جدا وترجع إلي عام1970, فإذا كان هناك تصليح واحتجنا إلي قطع غيار, ننقل من بعض السيارات إلي أخري للتشغيل, ونترك الأخري جثة هامدة. ويشير تامر خليل, ويعمل براد بالهيئة, إلي أن الأمن الصناعي غير موجود بالهيئة, ولو جاء شخص في أي جهة للتفتيش عليها, فلن يجد أي شيء يدل علي الأمن الصناعي, مع أن في ذلك خطر علي المنشآت والعاملين الذين يمثلون نحو50% من موظفي هيئة النقل العام, وبالنسبة لمنحة عيد الأضحي, فإنها لا تتعدي15 يوما, التي لا تتعدي لأقدم موظف ميكانيكي150 جنيها علي الأساسي. ويقارن ميشيل اسحق( خراط) بين ما يحصل عليه ميكانيكي بالهيئة وميكانيكي النقل الجماعي الخاص, بأن الأخير يحصل علي3 أضعاف مرتبه من حيث الأساسي والحوافز والبدلات, وتتوافر له لكل الخدمات والآلات والمعدات المطلوبة للعمل, إضافة للتأمين والخدمات الصحية والرعاية الكاملة, ومع ذلك, فإن نقابة العاملين بالهيئة لا تسأل عن هؤلاء العاملين في الميكانيكا والورش, برغم أننا جميعا نشترك فيها, بل هي تساعد جهاز الهيئة ضد العمال, ونتلقي التهديد دائما بأن من يتحدث عن ظروفنا فلن يري أولاده مرة ثانية. وبادرنا بالاتصال بالمهندس صلاح فرج, رئيس الهيئة, أكثر من مرة, برغم أنه وافق لمدير مكتبه للحصول علي رقم تليفونه المحمول, إلا أنه ظل يغلق التليفون فور طلبه عدة مرات, ثم بادرت بترك رقمي لدي مدير مكتبه راجيا أن يتصل بي فور علمه, بلا جدوي, عسي أن يكون المانع ليس انشغاله بغير الهيئة.