مازلت أذكر ذلك اللقاء الذي جمعني مع المذيع اللامع ذي اللهجة الصعيدية المحببة والذي كان الملايين ينتظرون سماع صوته في الاذاعة مساء كل ليلة من ليالي دوري كرة القدم ليستمتعوا بتعليقه علي مباريات كرة القدم. إلي جانب برامجه المتميزة وهو الأستاذ فهمي عمر. وفي ذلك اللقاء الذي جري في بدايات الثمانينات. سألني: بصفتك متخصصا في الاقتصاد قول لي كيف يمكن أن أكون مليونيرا ؟. وأسقط في يدي.. وبسرعة قلت له يا أستاذ فهمي انت مليونير.. فابتسم واتسعت الابتسامة وعند هذه اللحظة استطردت قائلا أين تسكن: قال في منطقة كذا؟ هل لديك سيارة نعم وزوجتي أيضا. هل زوجتك تعمل قال نعم.. وهنا قلت له انت مليونير.. شوف ياسيدي الشقة بكذا والسيارة بكذا وسيارة زوجتك بكذا ومرتبك كذا, ومرتب زوجتك, وإذا جمعنا هذا مع بعض فإنك مليونير.. ولكن علي الورق! والذي يتأمل الآن أسعار الشقق والفيلات والشاليهات سوف يقتنع تماما بأننا شعب من المليونيرات ولا تسألوني من أين أو كيف جاءت تلك الملايين؟. ذلك أن مراجعة سريعة تليفونيا لما تنشره الصحف من اعلانات مبوبة عن شقق ووحدات سكنية سوف نري أولا رقم المليون ثم إلي جواره مئات الألوف, فضلا عما تنشره شركات الاستثمار العقاري التي زاد عددها علي95 شركة عملاقة تملأ الدنيا ضجيجا وصخبا بالفيلات والتاون هاوس والبنت هاوس والدوبلكس والشقق بأسعار تتجاوز الملايين. صحيح أن هناك شققا للشباب, كما تنشر الصحف ولكن الميزان مائل مائل جدا لصالح الوحدات الفاخرة. السوق العقارية تعج بحركة الملايين والمضاربات ولم يسأل أحد من أين تلك الملايين؟ وكيف تحققت؟ وهل خضعت للاداة الضريبية أم لا؟ ولم يجرؤ أحد علي مجرد التفكير في إخضاع التصرفات العقارية( أي عمليات البيع والشراء وتحقيق أرباح خيالية) إلي الضرائب المشروعة إلي جانب الضريبة العقارية لتحقيق التوازن والعدالة الضريبية في هذا المجتمع.. لقد تحولنا إلي شعب من المليونيرات!! الرئيس فقط هو الذي شعر شخصيا بنا وبمعارضة الشعب والجماهير لقانون الضريبة العقارية. هذا ما حمله لي البريد الالكتروني في رسائل متعددة حول ما نشرته في هذا المكان قبل اسبوعين بعنوان: الظلم اسمه الايجارات القديمة. ولقد قالت تلك الرسائل الكثير بين مستأجر بإيجار ملاليم يعترف بالحقيقة إلي صرخة لحماية المقهورين والمظلومين إلي ما يحدث من بعض الملاك لتعويض هذه الخسائر وتأجير أي مساحة لتدر عليهم دخلا, ثم اقتراحات متعددة بزيادة متدرجة, أو أن تتم بالتراضي حتي تهدأ النفوس التي تشعر بالظلم.. وتلك بعض ما وصلني: { د. حامد أبو جمرة اقترح رفع قيمة الايجار بجعله يمثل نسبة من دخل أسرة المستأجر من10 20% ككل دول العالم, أما الأسرة الفقيرة فيمكن تحميلها نسبة صغيرة(5%). { مهندس حسن سعيد محمد: رغم مرور عشرات السنين لم يحاول أحد أن يحرك الماء الراكد ويتحسر أصحاب العقارات القديمة علي أملاكهم أفخم الشقق في الاسكندرية ايجارها من10 25 جنيها شهريا. لقد حانت الفرصة عند مناقشة قانون الضريبة العقارية فماذا لو زاد ايجار الشقة ال120 مترا في الستينيات والسبعينيات بنسبة300% وهل من يدفع10 أو15 جنيها سيشكو لو فرض عليه ذلك. وتتكرر كل3 أو خمس سنوات. { مجدي: لم يبحث أحد عن الشقق المغلقة والتي أصحابها يقيمون في مناطق أخري ولا يريدون تركها, ويدفعون الايجار لأنهم يطمعون في الحصول علي مبالغ عند بيعها, أو التنازل عنها برغم أنهم لم يدفعوا فيها شيئا. { يحيي السيد ابراهيم: نرجو استمرار طرح الموضوع وحماية المقهورين والمظلومين من أصحاب العقارات القديمة وأيضا دينيا لبيان مدي حلاله وحرامه. إن المستأجرين يتركون شققهم حال حياتهم لأبنائهم ويشترون مساكن أخري بمئات الآلاف. أرث عمارة بها شقة توفي المستأجر وزوجته منذ20 عاما ولايزال ابناؤه يحتفظون بها مغلقة رغم أنهم في أرقي المراكز وبعضهم يقبض بالدولار لان الشقة ايجارها3 جنيهات. { ميناوي: كلامك صحيح ولكن متي تتخذ الحكومة خطوة أو اجراء. { مدحت السويفي مستأجر يعترف بالحقيقة. العدل ان يتم رفع الايجار لمن يدفع6 جنيهات عشرة أضعاف هذا المبلغ. ويمكن أن تتم الزيادة بالتراضي بين المالك والمستأجرين دون اجحاف كما حدث في بعض الأماكن التي استشعر شاغلوها بالظلم البين الواقع علي الملاك, فسارعوا إلي تصحيح هذه العلاقة الشائكة تحقيقا للعدل في أدني حدوده. { تامر أبوالخير: اسكن بايجار شهري سبعة جنيهات منذ عام1973. المالك حول الدور الأرضي إلي سوق للخضار وتشوين للبضائع, ويتربح آلاف الجنيهات, ونحن نتضرر من الازعاج, ويقول انتم تسكنون ببلاش. { محيي الدين محمد حسين أحمد: تغتصب حقوقنا وغيرنا يستمتع بها, ونحن لا نجد قوت يومنا, وملكنا مغتصب, كيف أزوج ابني وأنا أملك عقارا لا أجد به حجرة لابني, بينما استفاد المستأجرون أكثر من50 عاما. اقترح زيادة القيمة الايجارية بالتدريج خلال3 سنوات حتي تصل إلي القيمة الحقيقية, فيتم الغاء القانون القديم ويحل محله القانون الجديد, نحن لا نريد إلا الحق والعدل, كما أن الملاك القدامي ليسوا وزارة تضامن اجتماعي أو مؤسسة زكاة, بل هم أناس ضعفاء وأرامل وأيتام ضاعت حقوقهم. وفي النهاية تبقي كلمة.. إذا كانت تلك القضية منسية وملفاتها مركونة فقد آن الأوان لتحريك المياه الراكدة. وبحث قضية الاسكان والضرائب والايجارات في حزمة واضحة تحقق العدالة الاجتماعية وتعيد التوازن إلي العلاقة بين المالك والمستأجر, وتضع حدا للظلم والقهر والحسرة التي تعيش في قلوب ملاك المساكن القديمة... لقد صدر تاريخيا أثناء الحربين العالميتين الأولي والثانية قرارات استثنائية بتجميد الايجارات وعدم زيادتها وعدم طرد السكان لتحقيق الاستقرار في ظروف استثنائية.. انتهت الظروف وعادت القوانين والعلاقات لطبيعتها, ثم أصدرت الثورة بعد ذلك بسنوات طويلة قوانين تخفيض الايجارات وتوريثها وهي بطبيعتها استثنائية, وقد حان وقت تحريرها في إطار اقتصاد حر يقوم علي المنافسة والحرية الاقتصادية وحماية حقوق الناس. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت