في الوقت الذي نعيش فيه مئوية نجيب محفوظ فإننا نعيش السنة العاشرة بعد المائة لمولد أم كلثوم. لقد اختلفوا في تاريخ مولدها, فمن قائل إنه في ديسمبر9981 وقائل إنه6981, وقلة يرون أنه كان في مايو4091, أما غالبية من أرخوا لها وكتبوا عنها فيقولون إنه كان عام0091 وعلي وجه التحديد يوم03 ديسمبر, أي مع نهاية وبداية قرنين, وهو ما يتفق مع فنانة غيرت مسيرة الغناء العربي الحديث, وجعلته فنا عظيما بلا نظير, ولذلك أصبحت سيدة الغناء وكوكب الشرق والي اليوم والغد, برغم مرور63 سنة علي رحيلها في فبراير المقبل. إن تلك الفنانة التي ولدت باسم فاطمة ثم سماها والدها الشيخ إبراهيم بأم كلثوم وهي طفلة تغني التواشيح بعد أن تعلمت القرآن واللغة العربية في كتاب قرية طماي الزهايرة بالسنبلاوين التي ولدت بها, تعتبر سيرة شخصية لسيدة من أعظم السير النسائية, فهي لم تكن مجرد مطربة أو فنانة بل كانت ظاهرة فريدة وبلا نظير, لذلك عاشت في قلوب الذين عاشوا عصرها, والذي يعتبر من أهم فترات مصر الحديثة بما شهده من نهضة في جميع المجالات, وكانت أم كلثوم هي الصوت الذي غني كل ما عاشته مصر وحققه أبناؤها وحلموا به وتطلعوا إليه وأنجزوه, من أغانيها تتعرف علي أفراح وأحزان وانتصارات وهزائم مصر وتتذوق أيضا حلاوة الحب وتشعر بخفقات القلوب وكل ما يتعلق بأحوالها بأرق الكلمات وأبلغها لفطاحل الشعراء وعظماء الموسيقيين ومبدعي الألحان. قال عنها نجيب محفوظ مؤبنا لها بعد رحيلها: الفنان نوعان, فنان صاحب عبقرية فنية, وقد يكون في الوقت نفسه إنسانا رديئا, وفنان صاحب عبقرية فنية وفي الوقت نفسه صاحب عظمة إنسانية, من النوع الثاني بيتهوفن وسارتر, ولقد كانت أم كلثوم فنانة عبقرية وإنسانة عظيمة, نتبين عظمتها الإنسانية في التزامها بالمبادئ السامية مثل الأخلاق والوطنية والقومية والإنسانية, وهذا تفسير للزلزال الذي أحدثه موتها, والذي لا يكون عادة إلا للقادة والزعماء, وهي بذلك تمثل خير ما أعطته مصر للتاريخ, ألا وهو الفن الخالد والضمير الحي. راحت تغني في حفلات خارج مصر لصالح المجهود الحربي, وكنت معها في لبنان حيث غنت حفلين في مدينة بعلبك الأثرية وكان الاحتفاء بها عظيما. بعد فوز أم كلثوم عام7691 بجائزة الدولة التقديرية اتصلت بالدكتور حسين فوزي وكان من كبار متذوقي الموسيقي العالمية, أي الغربية الكلاسيكية.. وكان له برنامج أسبوعي لتحليل تلك الموسيقي بإذاعة البرنامج الثاني الي جانب أنه من كبار كتاب الأهرام أقول له ماذا تقول لأم كلثوم وما رأيك: فقال لي ما أنت عارف رأيي.. لكن أقول لها مبروك!؟ وكان قرار اللجنة هو: إن أم كلثوم قدمت الي الدولة في جميع المناسبات القومية صورة من تفاعل الفن وتجاوبت مع الأحداث الكبيرة, وبذلك أشاعت أم كلثوم التذوق الجمالي عن طريق اللحن والنغم بصوتها الفريد, الأمر الذي فرض نفسه فنيا علي جميع المستويات المحلية والعربية, وبذلك استطاعت أن تضيف الي التاريخ الفني مدرسة تعتمد علي صفات لها قيمة استمرار التراث الفني.. وفي الوقت نفسه بعيدة عن التجمد, مما أعطاها التصوير الحي المستمر. لذلك لانزال نستمع الي أم كلثوم.. وستظل الأجيال المتتالية تستمع اليها.. اذا استطعنا الحفاظ علي لغتنا.. جميلة سليمة.