التحديات التي تواجهها الثقافة العربية وهموم المثقفين المزمنة هل تجد حلا علي طاولة الرؤساء والملوك, أم في ندوات واحتفاليات المثقفين أو في الشوارع والأزقة بين البسطاء والحرافيش؟ رغم أن الإجابة عن هذا السؤال قد تبدو للوهلة الأولي واضحة اذا ما رجعنا لتراث ثقافي طويل عالج قضية علاقة المثقف بالسلطة أو من منطلق, أن أهل مكة أدري بشعبها, و بالتالي فإن الإجابة التلقائية هي أن المثقفين هم الأقدر علي حل مشاكلهم, إلا إنه في ظل السياقات المجتمعية والثقافية في العالم العربي وثقافة إلقاء المسئولية علي الأجهزة الحكومية وتقلص حجم المبادرات الأهلية والشعبية وعدم فاعليتها في معظم الأحوال, لا تزال الإجابة مبهمة, حتي بعد أن أوضح كل من الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي, وسمو الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي دعمهما لفكرة إقامة قمة ثقافية رئاسية. وكي نبدأ القصة من البداية, علينا أن نسترجع بعضا من الأحداث التي شهدتها الساحة الثقافية علي المستوي المحلي والإقليمي ومثلت تهديدا حقيقيا للمنظومة الثقافية والمجتمع ككل في السنوات الماضية وتجلت مظاهرها في واقع يومي نرصده جميعا وترصده أجهزة الإعلام وقياسات الرأي العام, بالإضافة لردود الفعل والتعقيبات التي لانزال نتلقاها منذ فتح ملف مستقبل الثقافة قبل ثلاثة أسابيع, والتي سنعود اليها لاحقا, وحالة الترقب التي تشهدها الساحة الثقافية انتظارا لانعقاد مؤتمر المثقفين, وصدور تقرير رصد الحالة الثقافية في مصر. ففي نفس السياق شهدت جامعة الدول العربية في الأسبوع الماضي حلقة نقاشية دعا اليها كل من السيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة, وسمو الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي, لدراسة فكرة الدعوة لقمة عربية ثقافية. وقد شارك في الحلقة السيد محمد العزيز بن عاشور, مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم( الاليسكو), وعدد من المفكرين والمثقفين المصريين المهمومين بالشأن الثقافي العربي. وكان السؤال المحوري الذي بدأت به الحلقة النقاشية هو: هل هناك ضرورة للدعوة لقمة ثقافية عربية, وإذا ما كانت هناك ضرورة لمثل هذه القمة, فهل تقام علي المستوي الرئاسية أو علي مستوي مثقفي الدول العربية فقط؟ ورغم أن الحضور أجمع علي ضرورة الدعوة لعقد هذا المؤتمر, وأن يسبقه إعداد علي المستويين المحلي والاقليمي, إلا أنه قد ظهر بشكل واضح تباين في الرؤي فيما يخص عقد المؤتمر كقمة علي مستوي رئاسي يحضرها الرؤساء والملوك العرب وممثلو الحكومات العربية أم في انعقادها علي مستوي النخب الثقافية فقط. فبينما شكك الناقد د. صلاح فضل في جدوي انعقاد المؤتمر علي المستوي الرئاسي باعتبار أن الأنظمة الحاكمة هي المسئولة عن تردي الوضع الثقافي في العالم العربي, وأن المثقفين هم الأقدر علي تحديد موطن الداء والعلاج, اتفق كل من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي والمفكر السياسي د. مصطفي الفقي رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشعب والكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب المصريين والعرب, والشاعر فاروق جويدة علي تأكيد أهمية أن ينعقد المؤتمر تحت مظلة رئاسية لضمان تفعيل وتنفيذ القرارات التي ستنبثق عنه, وفي ذات السياق أوضح سمو الأمير خالد بن طلال أن من بين مبادئ مؤسسة الفكر العربي بناء الجسور بين القيادة السياسية والثقافية خاصة في ظل التداخل الواضح الآن بين القضايا السياسية والثقافية, الأمر الذي أكده بوضوح د. الفقي في مداخلته التي أشار فيها الي أنه طرح فكرة انعقاد قمة ثقافية عربية في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي ببيروت. فقد اشار د. الفقي إلي أن أخطر وأعقد القضايا التي يواجهها العالم اليوم والتي تتجلي مظاهرها في موجات العنف والإرهاب ومشكلة صراع الحضارات والحوار مع الآخر, هي في حقيقتها مشاكل ثقافية بالدرجة الأولي, مما يحتم علينا إعادة قراءة دورنا الثقافي وكيفية تفاعلنا مع الآخر وقضايا العالم من حولنا. وأوضح محمد سلماوي أننا في مصر نتأهب لعقد مؤتمر المثقفين, وأنه بالرغم من أن المثقفين العرب يلتقون من خلال اتحادي الكتاب والناشرين والاحتفاليات الثقافية, الا أن نفس الدعوة لعقد قمة ثقافية عربية سبق أن طرحها اتحاد الكتاب العرب بهدف تبني رؤية ثقافية تعبر عن الهوية وتعيد صياغة الخطاب الثقافي العربي. وكان المفكر والمحلل الثقافي السيد ياسين قد طرح في بداية الحلقة النقاشية توصيفه للحالة الثقافية في العالم العربي, موضحا أنه يتناول الثقافة من منظور علم الاجتماع بوصفها معامل يشي بالكثير من التحولات التي لحقت بالمجتمع المصري, ويعكس نسق القيم والأخلاقيات التي باتت تحكمه والمتغيرات التي لحقت به وتحلل ما حدث للمصريين, وأضاف أن من أخطر ما يهدد الثقافة المصرية والعربية عموما غياب الديمقراطية وظاهرة الفتاوي و التدين المظهري. وأكد بعض الحضور أنه بالرغم من أهمية الطرح السابق إلا أنه من الضروري تحديد مفهوم الثقافة والمثقف بحيث لا يقتصر علي المعامل السوسيولوجي, مهملا دور المبدع ومشكلاته ورؤاه, أو أن يقتصر تعريف المثقف علي من يعمل بالشأن الثقافي العام أو من يبدع عملا أدبيا أو يحفظ أسماء عدد من الكتب التي قرأها, مغفلا بذلك فئات أخري في المجتمع كالعلماء والشباب. وأكد د. محمد العزيز بن عاشور, مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم( الاليسكو) ضرورة بحث علاقة الشباب بالثقافة وأساليب التعبير والفضاء الإلكتروني. ومن بين المحاور التي تم اقتراحها, أشار د. صابر عرب رئيس دار الكتب والوثائق القومية الي أهمية الرقمنة وقضية تحقيق المخطوطات, بينما ركز الشاعر فاروق جويدة علي قضية تدهور اللغة العربية ومخاطر التعليم الجامعي الأجنبي, وفي نفس السياق تم اقتراح محاور حول علاقة الثقافة بالإعلام والتعليم, والبحث عن آليات لتنفيذ القرارات التي سيتم اتخاذها, وتلك التي سبق أن انبثقت عن المؤتمرات والمجامع الثقافية ولم يتم تفعيلها مثل القانون212 الخاص باللغة العربية, ومواثيق الشرف الصحفية والإعلامية عموما. وفي ختام اللقاء أعلن السيد عمرو موسي الأمين العام للجامعة وسمو الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي والسيد محمد العزيز بن عاشور, مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم( الاليسكو) دعم الجهات الثلاث التي يمثلونها لإقامة قمة عربية للحفاظ علي الثقافة العربية في خصم المتغيرات الدولية علي أن تسبقها لقاءات تحضيرية. وأخيرا, يبدو عزيزي القارئ أن التحديات التي تواجه الحركة الثقافية وهموم المثقفين والإقليميين ستتصدر المشهد الثقافي في هذا العام. والآن, ما رأيك؟ هل توافق علي عقد قمة ثقافية عربية؟ اذا كانت الاجابة بنعم فهل ينبغي أن تكون علي مستوي رئاسي, أم علي مستوي المؤسسات الثقافية والجماعات الثقافية الأهلية؟ وما هي المحاور التي يمكن طرحها في هذه القمة؟ شاركنا برأيك