مهندسون ب«محور الضبعة»: زراعتنا تسد الفجوة الغذائية    لافروف يبقى وزيرا للخارجية الروسية بعد 20 عاما في منصبه    مصر في 24 ساعة| اعتراف أوروبي بدولة فلسطين وحقيقة تأثر مصر بالعاصفة الشمسية    تعليق مثير من أرتيتا بعد فوز أرسنال على مانشستر يونايتد بالدوري الإنجليزي    أسامة الجندي: حوائط مسجد السيدة زينب لوحات فنية تبهر الناظرين بعد الترميم    مزايا وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي في نقاشات مكتبة دار الكتب بطنطا    عاجل: طريقة الحصول أرقام جلوس الدبلومات الفنية 2024 عبر الموقع الرسمي    إصابة نقيب شرطة بالأمن المركزي في حادث تصادم بالدقهلية    محمود محيي الدين يستعرض استراتيجيات التمويل المستدام في المنتدى السنوي للميثاق العالمي للأمم المتحدة    عبدالمنعم إمام: مئات الآلاف من الشباب وصغار السن بمصر يشاركون في مواقع المراهنات الرياضية    محافظ مطروح: قافلة طبية مجانية إلى مستشفى مدينة الحمام المركزي    طريقة عمل المفطح السعودى بالمنزل بخطوات بسيطة    أستاذ علوم سياسية: تحرك مصر الرسمي أمام محكمة العدل يُكذب دعاوى الاحتلال    هام لمن تلقى لقاح «أسترازينيكا».. إليك هذه النصائح | عاجل    خيرات مستقبل مصر.. مشروعات عملاقة للاستصلاح الزراعي والتصنيع والإنتاج الحيواني    أقل سعر أضحية في مصر من «حياة كريمة» وأعلى جودة.. اعرف التفاصيل    أول تعليق من "شعبة المصورين" على منع تصوير الجنازات في المساجد    7 معلومات عن أول تاكسي ذكي في العاصمة الإدارية الجديدة.. مزود بكاميرات وGPS    بوتين يعين شويجو سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي    رئيس «البحوث الفلكية»: مصر بعيدة عن أي ضرر من العاصفة الشمسية    محافظ الأقصر يفتتح محطة رفع صرف صحي القباحي الشرقي    فتح باب التقديم لهيئة تدريس جامعة طنطا لشغل مهام مديري وحدات ضمان الجودة ب 3 كليات    رئيس مدينة دمنهور: حياة كريمة مشروعات تتحقق على أرض الواقع    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل مخالفة يعمل بها منتحل صفة طبيب بمدينة نصر    أتلتيكو مدريد يحسم فوزًا ثمينًا على سيلتا فيجو بالدوري الإسباني    بشأن تمكين.. عبدالله رشدي يعلن استعداده لمناظرة إسلام بحيري    رئيس جامعة عين شمس يستقبل السفير البريطاني لبحث تعزيز التعاون المشترك    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    ملمس الضوء    أمين الفتوى: سيطرة الأم على بنتها يؤثر على الثقة والمحبة بينهما    رئيس لجنة الانضباط: "لا صحة لتقديم اللجنة لاستقالتها.. وعقدنا اليوم جلسة في مقر اتحاد الكرة لمناقشة عدد من الملفات والقضايا    نتنياهو: سنكمل المعركة التي بدأناها ضد حماس حتى النهاية    جامعة حلوان تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام الدراسي    رئيس جامعة طنطا يتفقد أعمال مشروع مستشفى الطوارئ الجديد    محافظ أسوان: العامل المصرى يشهد رعاية مباشرة من الرئيس السيسى    موعد عيد الاضحى 2024 وكم يوم إجازة العيد؟    مصرع طالب بالصف الخامس الابتدائي غرقا في مياه ترعة اسنا جنوب الأقصر    المشدد 10 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار في المخدرات بالقليوبية    المشدد 5 سنوات ل 10 متهمين باستعراض القوة بالمعصرة    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    «سايبين الباب مفتوح».. إحالة جميع العاملين بمركز شباب طوسون بالإسكندرية للتحقيق (صور)    موعد مباراة منتخب السويس وكهرباء الإسماعيلية والقناة الناقلة    نقيب الأشراف: مساجد آل البيت تشهد طفرة غير مسبوقة    من فعل ثقافي إلى جولة ملاكمة!    برلماني: قانون تحويل المراكز الشبابية إلى تنمية شبابية يحتاج لإعادة النظر    كوثر محمود لأطقم التمريض في اليوم العالمي: مهما شكرناكم لا نوفى أبدا حقكم    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان تسلم دليل تنفيذ الهوية البصرية للمحافظة    رئيس تحرير الجمهورية: بناء الأئمة والواعظات علميًا وخلقيًا ومظهرًا وأداءً من بناء الدول    شكري: توافق دولي حول عدم توسيع رقعة الأعمال العسكرية في رفح الفلسطينية    صفقات الأهلي الجديدة.. حقيقة المفاوضات لضم أحمد حجازي (تفاصيل)    «ضد المشروع».. ليفاندوفسكي يثير أزمة داخل برشلونة    «الشيوخ» يعلن خلو مقعد النائب الراحل عبدالخالق عياد    «بشنس يكنس الغيط كنس».. قصة شهر التقلبات الجوية وارتفاع الحرارة في مصر    الاحتلال يحاصر النازحين بمراكز الإيواء التابعة للأونروا فى مخيم جباليا    جوتيريش يُعبر عن حزنه إزاء الخسائر فى الأرواح بسبب فيضانات أفغانستان    الرئيس السيسى يوجه بتعويض أصحاب المنازل المحيطة بمساجد آل البيت والصحابة    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نماذج التعايش مع الآخر‏(4-20)‏
‏(‏ الحبشة‏:‏ وحدة أصل الأديان‏)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 12 - 2010

ما زال الإسلام يقدم للإنسانية النماذج الحية للتعايش السلمي بين جميع البشر بمختلف دياناتهم وتعدد مشاربهم وثقافاتهم‏,‏ ففي صدر الإسلام قدم لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم نموذجا فريدا طيبا للتعايش مع الآخر‏. وهو نموذج هجرة المسلمين وعيشهم بأرض الحبشة‏;‏إذ لما اشتد البلاء والبطش والتعذيب من مشركي مكة للقلة المسلمة‏,‏ قال لهم الرسول صلي الله عليه وسلم‏:'‏لو خرجتم إلي أرض الحبشة فإن بها ملكا عظيما لا يظلم عنده أحد‏,‏ وهي أرض صدق‏,‏حتي يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه‏'(‏سنن البيهقي‏9/9).‏
لقد كانت الحبشة كقريش مجتمعا غير مسلم‏,‏ ولكنه كان مظنة العدل والحماية لكل من يلجأ إليه من المستضعفين وذوي الدعوات النافعة الصالحة‏,‏ التي تبني ولا تهدم‏,‏ وتحيي النفوس ولا تفنيها‏,‏ وهذا ما دعا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يأذن لأصحابه‏-‏والمأذون مأمون‏-‏ بالهجرة إلي الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلي الله بدينهم‏,‏ فكانت أول هجرة في الإسلام‏,‏ وكان جميع من لحق بأرض الحبشة سوي الصغار ومن ولد بها نيفا وثمانين رجلا وإحدي عشرة امرأة‏.‏
وحين نزلوا بالحبشة استقبلهم النجاشي خير استقبال وأحسن وفادتهم‏,‏ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت‏:‏لما نزلنا أرض الحبشة‏,‏ جاورنا بها خير جار النجاشي‏,‏ أمنا علي ديننا‏,‏ وعبدنا الله تعالي لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه‏'(‏مسند أحمد‏202/1).‏ وكانت الحبشة متجرا لقريش فدرسوا طريقها وعرفوا ملكها النجاشي‏,‏ ولذلك سعوا متفائلين في طلب من هاجر من المسلمين‏,‏ وأرسلوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص‏,‏ فحاولا استمالة النجاشي وتأليبه علي تلك الفئة المسلمة توطئة لأخذهم وإعادتهم إلي مكة‏,‏ إلا أن النجاشي رفض وقال لبطارقته‏:'‏لاها الله إذن لا أسلمهم إليهما‏,‏ ولا يكاد قوم جاوروني‏,‏ ونزلوا بلادي‏,‏ واختاروني علي من سواي حتي أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان أي في أمرهم‏,‏ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلي قومهم‏,‏ وإن كانوا علي غير ذلك منعتهم منهما‏,‏ وأحسنت جوارهم ما جاوروني‏'.‏
وعندما سأل النجاشي المسلمين‏,‏ بين له سيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في خطاب بليغ الحال التي وصل إليها أهل مكة من الانحلال الأخلاقي والديني‏,‏وأخبره أن الله تعالي بعث رسولا من بينهم‏,‏ يتصف بكل خلق حسن وخصلة حميدة‏,‏ يدعوهم إلي الفضيلة وينقذهم من الرذيلة‏,‏ ويأمرهم بترك عبادة الأوثان إلي عبادة الله وحده‏,‏ وزاد جعفر‏:'‏وحرمنا ما حرم علينا‏,‏ وأحللنا ما أحل لنا‏,‏ فعدا علينا قومنا‏,‏ فعذبونا‏,‏وفتنونا عن ديننا‏,‏ ليردونا إلي عبادة الأوثان من عبادة الله تعالي‏,‏وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث‏,‏ فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا‏,‏ وحالوا بيننا وبين ديننا‏,‏ خرجنا إلي بلادك‏,‏ واخترناك علي من سواك‏;‏ ورغبنا في جوارك‏,‏ ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك‏'.‏ ثم تلا عليه صدر سورة‏'‏ مريم‏'‏ فبكي النجاشي حتي اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتي أخضلوا صحائفهم حين سمعوا ما تلا عليهم‏,‏ ثم قال لهم النجاشي‏:'‏إن هذا والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة‏'.‏
وفي تلاوته لسورة مريم تأكيد للصلة الوثيقة بين المسيحية والإسلام‏,‏ وأنهما‏_‏ كما قال النجاشي‏_‏ من مشكاة واحدة‏,‏ تحث جميعها علي عبادة الله كما قال تعالي‏:(‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‏)(‏الأنبياء‏:25).‏ وتدعو كذلك إلي التحلي بمحاسن الأخلاق والتواصل والتعايش مع الآخر في سلام‏,‏ قال سيدنا جعفر‏:'‏وأمرنا بصدق الحديث‏,‏وأداء الأمانة‏,‏ وصلة الرحم‏,‏وحسن الجوار‏,‏والكف عن المحارم والدماء‏,‏ ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات‏'.‏
وهذا ما تكرر مرة أخري في قصة أبي سفيان‏-‏وكان مشركا وقتها‏-‏ مع هرقل ملك الروم‏,‏ حين سأله عن صفات رسول الله صلي الله عليه وسلم وأحواله وعما يدعو إليه‏,‏فاستدل بذلك علي صدقه ونبوته ورسالته‏,‏وقال له‏:'‏إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين‏,‏ وقد كنت أعلم أنه خارج‏,‏ لم أكن أظن أنه منكم‏,‏ فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه‏,‏ ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه‏'(‏البخاري‏:15/1).‏
وفي ذلك إشارة للمسلمين في كل زمان ومكان‏,‏بأن يخاطبوا غيرهم بما يقربهم ويحببهم فيهم‏,‏ لا كما يفعل المتشددون في هذا العصر ممن يلجأن إلي دول غير مسلمة ويصرون علي التأكيد بأن أديان تلك الدول باطلة‏,‏ويحاولون فرض رؤيتهم للإسلام في تلك الدول غير آبهين لظروف أهلها وبيئتهم وعقائدهم التي نشؤوا عليها‏,‏ مما يشوه صورة الإسلام في العالم‏,‏ويعطي مبررا لمتعصبي الديانات الأخري وكارهي الإسلام‏,‏أن يروجوا صورا مغلوطة عن الإسلام والمسلمين‏.‏
إن نموذج الحبشة الرائع الذي ضربه المسلمون الأوائل في التعايش مع الآخر في بلاده نبراس للمسلمين في كل زمان ومكان ليتمسكوا بالسيرة العطرة لرسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏ وصحابته ويطبقوها في واقعهم الذي يعيشونه‏,‏وهو نور يهتدون به في تعاملهم مع الأمم المختلفة التي يعيشون فيها‏,‏ وهو أيضا تأصيل وبيان لهم بأنهم علي هدي وبصيرة من مشكاة النبوة‏,‏ وهذا كاف في راحة ضمائرهم وسكينة أنفسهم المؤمنة‏,‏ ودافع لهم كذلك إلي أن ينخرطوا في مجتمعاتهم الجديدة ويندمجوا مع تلك الأمم‏,‏غير مفرطين في ثوابت الدين وأصوله‏,‏ تلك الثوابت التي تدعو إلي التعامل مع الآخر والتعايش السلمي معه‏,‏في إطار من المشاركة والعطاء‏,‏ والعرفان والوفاء لذلك الآخر الذي استقبلهم في بلاده‏.‏

المزيد من مقالات د‏.‏ علي جمعة‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.