في منتصف الثمانينات ظهر علي الساحة الغنائية مجموعة من الملحنين المبدعين الذين أثروا حياتنا بمجموعة كبيرة من الأغنيات التي تحمل قيمة وهدفا ورسالة, مليئة بالعذوبة والشجن والجمال. من هؤلاء صلاح الشرنوبي, سامي الحفناوي, محمد ضياء, خليل مصطفي, فاروق الشرنوبي, ووصلت الشهرة الكبيرة التي حققها هؤلاء الملحنون للعالم العربي, إلي حد أن كثيرا من مطربي ومطربات العالم العربي كانوا يأتون بطائرات خاصة لهؤلاء الملحنين للحصول علي أحدث إنتاجاتهم, ومرت السنين وظل هؤلاء الملحنون يربون أجيالا تلو الأخري بإبداعاتهم الخاصة التي تتميز بالموسيقي الشرقية, التي تستكمل أصالة الأغنية المصرية,لكنهم ومع بداية عام2003 اختفوا من الساحة فجأة, وعلي الرغم من أن بعضهم تواجد علي استحياء شديد, إلا أن جيلا جديدا قد ظهر مثل عمرو مصطفي, وليد سعد, محمد رحيم, محمد يحيي, رامي جمال, وغيرهم من الملحنين الشباب وتصدروا المشهد الغنائي, وهو أمر طبيعي جدا أن تسلم أجيال لأجيال أخري جديدة. لكن الغريب واللافت في الأمر أن الساحة الغنائية في الماضي كان هناك تنوع علي مستوي الأجيال من حيث الاختلاف, فكنا نستمع إلي ألحان للموسيقار محمد عبدالوهاب, في نفس الوقت الذي نسمع لأحمد صدقي, عبدالعظيم محمد, محمد الموجي, بليغ حمدي, كمال الطويل, وأيضا الجيل الجديد المتمثل في صلاح وفاروق الشرنوبي, لكن ما الذي حدث في الساحة الغنائية ؟ ولماذا لا يوجد الآن غير جيل واحد من الملحنين؟ وهل ملحنو جيل الثمانينات انتهوا موسيقيا بحكم عوامل التعرية, ولم يعد لديهم جديد يقدمونه للمطربين المتواجدين اليوم علي ساحة الغناء. فنون الأهرام طرحت هذا السؤال علي بعض هؤلاء الملحنين الذين تواروا عن الساحة الحالية.. تعالوا نقرأ ماذا قالوا؟! في البداية يقول الموسيقار محمد ضياء الدين: صعب أن يضع الله موهبة في شخص, وينتزعها منه بعد فترة, فالموهبة لا تنتهي صلاحيتها, لكن بعض الملحنون الشباب الجدد الموجودين حاليا علي الساحة يروجون مزاعم غريبة من عينة هؤلاء ملحنون قدماء وراحت عليهم, أوهؤلاء تقدم بهم السن وتجاوزتهم حركة التجديد علي مستوي اللحن والآلات الجديدة وبالطبع التكنولوجيا التي عصفت باللحن الشرقي الأصيل, وغيرها من المزاعم التي تسئ لجيل قدم للأغنية المصرية والعربية مجموعة من أهم إنتاجاتها. كيف يمكن أن نقول علي ملحنين عباقرة مثل حلمي بكر, جمال سلامه, عمار الشريعي, صلاح الشرنوبي وغيرهم راحت عليهم عيب فعلا أن نقول ذلك, فنحن عندما ظهرنا كملحنين شباب أيضا كانت الساحة مليئة بعظماء التلحين مثل محمد عبدالوهاب, كمال الطويل, محمد الموجي, بليغ حمدي, حلمي بكر, محمد سلطان,وغيرهم وكنا نحترمهم جدا, وهم أيضا كانوا يشيدون بأعمالنا التي يستمعون إليها, وكانت الساحة الغنائية علي مستوي اللحن تكمل بعضها بعضا, لكن الحادث الآن أنه يوجد ثلاثة أو أربع ملحنين هم الذين يتواجدون في كل الألبومات, وبالتالي يكررون أنفسهم, ولا يقدمون جديدا, رغم أن بعضهم موهوب جدا, مثل عمرو مصطفي, محمد رحيم, ووليد سعد الذي ظهر بعدي مباشرة رغم أنه ينتمي لجيلي, ومازال موجودا بقوة. عصر اللاتلحين أما الموسيقار فاروق الشرنوبي فيؤكد أنه هو الذي انسحب من الساحة, وقبل أن ترفضه هي رفضها هو! وباقي جيله لإنهم لا يريدون تشويه الأغنية المصرية, وبالتالي العربية, ففي فترة من الفترات كانت الأغنية المصرية مثلا أعلي لكثير من الشعوب العربية, وكان أهم ما يميزنا ثقافتنا في السينما والمسرح والغناء والأدب, وكنا نتباهي برموزنا الفنية والأدبية, كنا نقول لدينا نجيب محفوظ,توفيق الحكيم,إحسان عبدالقدوس,يوسف أدريس,أحمد بهاء الدين, نجيب الريحاني, عبدالوهاب, أم كلثوم, عبدالحليم, نجاة, عمر الشريف, فاتن حمامة, شادية, سعاد حسني وغيرهم الكثير والكثير. الآن لم يعد لدينا ما يمكن أن نتباهي به, وللأسف الشديد أصبحنا متهمين بأننا متخلفون, من أولئك الذين كان بيننا وبينهم سنوات ضوئية بمقياس التقدم, فالأغنية المصرية الحالية فقدت هويتها, ولم يعد لها ملامح, وأصبحنا نعيش عصر اللاتلحين!, بمعني إنه لا يوجد ملحن مبدع أو مبتكر بشكل حقيقي, فالتلحين عبارة عن إيجاد شكل موسيقي يعبر عن معاني الكلام, فالسائد الآن في الموسيقي عبارة عن شكل إيقاعي بحت, والعلاقة بينه وبين الكلمة مفقود, فلا هو شرقي ولا هو عربي, لكنه للأسف مستورد من الخارج وهو عبارة عن قوالب إيقاعية مثل التكنو والهاوس وقبلهم كان الراب,وهذه القوالب تسخر لصالحها الكلمة والجملة الموسيقية, وأصبح الموضوع عبارة عن تنغيم وليس تلحين, والدليل عدم انتشار أي أغنيات بقوة بعد فترة التسعينات. لقد باتت الأغاني الآن تنتشر فترة وتختفي, ولا يوجد نجاح حقيقي, لكن يوجد انتشارلهذه القوالب الغنائية,وفور استهلاك هذه القوالب تظهر قوالب أخري, وهكذا, يعني تقدر تقول موضات, لهذا تجد كثير من المطربين لا يستمتع بما يقدمه, وبالتالي لا يستمتع الجمهور بطبيعة الحال, أصبح الأمر أن المطرب يخدم تواجده الراهن فقط, بحيث يستفيد من هذه الأغنيات في الحفلات, والمنتج أيضا مستفيد من تلك اللعبة, فبعد قرصنة الألبومات أصبح المنتج يحقق دخله من وسائل الاتصالات الحديثة مثلSMS, الرنج تون وغيرها, والمتلقي هو الضحية لأنه غير مستفيد بشيئ, وتحولت المسألة إلي سلعة, وموضة مؤقتة تأتي بعدها موضة أخري, وبالتالي أصبح الناس اللذين يجيدون فن التلحين غير مطلوبين, رغم أننا كجيل قادرون علي تقديم أشكال مختلفة وحقيقية جدا ومعاصرة جدا,يعني مثلا أنا علي سبيل المثال تعودت أن أحس الكلام وأعبر عنه بالموسيقي, فمهمتي هي توصيل إحساسي ووجهة نظري في الكلام للمطرب,والمطرب يتأثر بإحساسي, ويضيف إليه إحساسه, وهذا الإحساس يصل للجمهور,أتحدي أن يكون هذا ما يحدث الآن. تسريحة الشعر وأشار الموسيقار الكبير صلاح الشرنوبي الذي يعد بمثابة الحصان الرابح في فترتي الثمانينات والتسعينات بما قدمه من عدد كبير من الألحان التي تميزت بالجدية والتحديث الموسيقي في ذلك الوقت: أن ما يحدث حاليا يتناسب مع العصر الذي نعيشه, فطعم الموسيقي تغير وظهر منهج جديد في الموسيقي والكلمات وقاموس الغناء, الذي أصبح هم المطرب أو المطربة فيه أن يبحث عن لوك جديد يظهر من خلاله سواء من حيث الملابس أو تسريحة الشعر أكثر مما يبحث عن شكل موسيقي يتناسب مع الكلمات والألحان التي يتغني بها,وليس هذا فقط فالبحث عن قناة غنائية تعرض له أغنياته المصورة بات شغله الشاغل, أكثر مما يعنيه ما تحمله الأغنية من معني هادف أو قيمة, وهذا التشتت بين متطلبات المطرب الشخصية جعلته يريد التواجد بشكل عصري,وهذا الشكل أثر علي الميلودي الذي يختاره, حتي يتناسب مع اللوك والقناة والجمهور الذي يترواح سنه ما بين الخامسة عشرة والعشرين, لهذا نقول أن الأغنية معاصرة لكنها لا تتسم بالجمال. وأصبح الملحن الجاد لا يجد فرصة في ظل هذه الموجة الغريبة في عالم الغناء الحالي, الذي يخاطب الصورة ويخاصم الأذن والذائقة السليمة,وبالتالي أصبحت الأغنية تسمع فقط وتمر مرور الكرام ولم يعد يرددها المستمع, ولم نعد نسمعها في سيارات الشباب كما كان يحدث عندما ظهرنا, لأنها لا تخاطب حواسه ومشاعره, بل هي مجرد تنطنطات وضجيج بلا معني. وأكد الموسيقار الكبير سامي الحفناوي الذي كان سببا في نجومية عدد كبير من المطربين, والملحن الوحيد الذي لحن للمطربة الكبيرة نجاة ألبوما كاملا: أن ابتعاده مع عدد من نجوم جيله من الملحنين الكبار, وأيضا مطربين مصر الحقيقيين يعد مؤامرة من بعض الجهات العربية, التي فكت الناس من بعض, بمعني ما الأدوات التي أشتغل بها كملحن جاد؟ المطربون الحقيقيون, هؤلاء المطربون غير موجودين علي الساحة وغير مرحب بهم في القنوات الفضائية, والدليل أنك لن تجد مدحت صالح أو محمد الحلو أوعلي الحجار أو غيرهم إلا من خلال أغنية فيلم أومسلسل, حتي عمرو دياب لن تجد له أغاني إلا أحدث أغنية له, مع العلم أن مطربا كبيرا مثل محمد عبده تجد أغانيه تعرض علي كل قنوات الأغاني بصفة منتظمة, وإذا فتحت أي قناة غنائية عربية في أي وقت ستجد محمد عبده, ولن تجد أي أثر لمطرب مصري, وعندما يعرضون أغنية يعرضون سعد الصغير وهو يغني للراقصة دينا! حتي يقولوا للعالم هذا هو الفن المصري!. ونفي الحفناوي أن يكون التطور الموسيقي أو التكنولوجيا الحديثة كانت وراء ابتعادهم والدليل أنه كان سباقا في التطوير عندما قدم أغنية كوكب تاني لمدحت صالح, ومنظمةEMI العالمية أهدته الأسطوانة البلاتينية لأن الأغنية كانت أكثر أغنية حدث فيها تطوير في الموسيقي, حيث إن اللحن شرقي والموسيقيين الأجانب يعزفونه بألات غربية.