بأغنية (ياناس) من كلمات وألحان «مصطفي كامل» يبدأ المطرب «إيهاب توفيق» ألبومه الجديد (أحلي سمرة)، وبالنظر إلي كلمات الأغنية يظهر لنا أن الشاعر لم يتخلص من قاموسه القديم، فالمفردات، الموضوع، الصياغة، كل ذلك ابن التجربة القديمة في الكتابة، والنص يأتي في صورة مرسال، فالشاعر يخاطب كل الناس عامة ( يا ناس/ أمانه لو شفتوا حبيبي/ سلمولي عليه/ أمانة لو شفتوا حبيبي/ قولوله وحشتني عينيه)، من أجل إبلاغ من يحب بمشاعره تلك، وهذا المعني قد تناثر في أغنياتنا بدرجة تدفع إلي الملل.. فالشاعر لم يكتشف أي مفردة تخصه أو تميزه عن غيره (يا ناس)، نداء تقليدي مباشر (أمانة لو شوفتوا حبيبي) جملة عادية وساذجة ولا تحتوي علي أي معني جديد، ولا أطيل عليكم في الحديث عن طريقة «مصطفي كامل» في الكتابة، فالطالما تناولته أكثر من مرة في مقالات عدة، وهناك مقال تفصيلي عنه، كنت قد نشرته في جريدة (ستوديو مصر)، وليست مفاجأة أن يلحن «مصطفي كامل» ل«إيهاب توفيق»، فقد سبق وقدم مع المطرب «هاني شاكر» ألحانا أخري، وكما جاءت الكلمات (عادية) بل ساذجة، جاء اللحن أيضا في زي الألحان القديمة، فمنذ الافتتاحية نستطيع أن نتذكر نداءات المواويل القديمة (يا ناس) ممتدة، إلي التغيير المافجيء في (أمانة لو شفتوا حبيبي) والتي أخذت مع الجمل التالية لها شكل (العاشق) و«المعشوق» فهي مردات حوارية بين طرفي أداء (المطرب/ المجموعة) وهي جمل تقترب من الجمل الشعبية في أفراحنا، واللحن أقرب إلي (الزفة) بوقفاته وجمله المعلقة، وعلي الرغم من أن هناك جملاً كثيرة تفوح منها رائحة (التطريب)، إلا أنها كلها تفتقد إلي حلاوة الاكتشاف - أعني اكتشاف الجملة من جديد - فكما كانت كلمات الأغنية (قديمة) كذلك جاء اللحن أكثر قدما لذلك جاء التوزيع ل«حميد الشاعري» أقرب إلي هذه الرؤية، ولعل هذه الأغنيات قد انتجت في السابق، ثم قدمت للمرة الثانية الآن، أي أنها لم تصنع خصيصا للألبوم. ده اللي شاغلي بالي وعن أغنية (ده اللي شاغلي بالي) والتي كتبها الشاعر «سامح العجمي»، ووضع لها اللحن الملحن «أشرف سالم»، فلم تقدم أي جماليات بديلة عما تعودنا عليه في أغنيات الأفراح الحالية، فالنص يشير إلي آخر لم يظهر كاملا في الصورة، أي آخر ضمني مشار إليه (ده اللي شاغلي بالي/ وده اللي بريده/ من يوصفله حالي وقلبي في إيده/ يا قلبي دوبت فيه/ يا عمري خدني ليه/ يا شوق أحضن عنيه/ وقوله بريده -فمن المفردات يمكننا التأكد أننا بصدد أغنية قديمة لم تخرج للنور سوي الآن، فالطريقة التي كتبت بها الأغنية، وكذلك اللحن، والتوزيع ل«أشرف عبده»، الذي اختفي من الساحة الآن، كل ذلك يشير إلي أن هذه الأغنية ليست جديدة في الطرح، بل قدمت من قبل لم تكن باكورة هذا العام، فالأغنية أقرب إلي بدايات التسعينات ولا سيما أون ظهور «إيهاب توفيق» بقوة، ففي العام 1992 قدم «إيهاب توفيق» من خلال ألبوم (لقاء النجوم) أغنية (داني) مع الشاعر «عادل عمر» الشاعر المفضل لدي «حميد الشاعري» من خلال تجربته، فهو أكثر الشعراء تعاملا مع «حميد»، كسر أغنية (داني) السوق الغنائية بمفاهيمنا الدارجة، لذا نجد أن أغنية (ده اللي شاغلي بالي) ابنة هذه المرحلة، وليست تنتمي في أي شيء، مع ما يقدمه «إيهاب توفيق» في الفترة الأخيرة، لقد انتهت فترة هذه الأغنيات، ولا أقول إن الأغنيات انتهت، فأي أغنية سواء (عادية) أو (متوسطة)، أو(جيدة) من حق صاحبها أن يطرحها مرة أخري، ويترك الحكم للجمهور، بينما الأغنية المهمة هي التي يمكنها أن تصمد أمام أي تحولات حادثة، وهناك أغنيات عاشت بفضل جودتها وصدقها، ف«إيهاب توفيق» نفسه قدم أغنيات من الممكن أن تبقي طويلا فأغنيات (مالهمش في الطيب) مع الشاعر «فوزي إبراهيم» والملحن «صلاح الشرنوبي»، وكذلك أغنيات (أنا ليه ماكونش علي الفراق قادر» مع الشاعر «بهاء الدين محمد»، أو (العالم مانتهاش) مع الملحن «صلاح الشرنوبي» وغيرها من الأغنيات المميزة لدي «إيهاب»، أما أغنية كأغنية (ده اللي شاغلي بالي» والتي نحن بصددها الآن فمكانها الصحيح هو قاعات الأفراح لا قلوب أو عقول متذوقي الفن الجميل. حبيبي قاسي من كلمات «عادل إلهامي» وألحان «صلاح الشرنوبي» جاءت أغنية (حبيبي قاسي» وهي من الأغنيات التي قدمها «إيهاب» من قبل، والأغنية (يا حول الله)، لا تقدم أي إضافة تذكر، حتي إذا حكمنا عليها في أوان صدورها سابقا، فكلمات الأغنية عبارة عن استرجاع لجمل قد تم استغلالها من قبل، ولا أجد مبرراً لطرح مثل هذه الأغنيات الآن، ولا أعتقد أن ذلك في صالح «إيهاب توفيق» ذاته، أما عن لحن «صلاح الشرنوبي» فلا نستطيع أن نتعامل معه بوصفه لحنا حديثا له، كما أننا لا يمكننا إدراجه ضمن الألحان المهمة ل«الشرنوبي» فاللحن أقرب إلي الألحان الاستهلاكية، تلك الألحان التي تزول بزوال (الموسم) الغنائي لها، ولا يمكننا أن نضعها في سياق التجربة الغنائية الجديدة، يبقي لنا التوزيع الموسيقي ل«حميد الشاعري» و«حميد» صاحب مدرسة ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، إلا أننا لا نعتبر كل أغنياته أو توزيعاته الموسيقية علامات، هناك أغنيات تتبع النمط الاستهلاكي الذي أشرنا إليه في معرض حديثنا عن لحن «صلاح الشرنوبي»، ولا أجد مبرراً لإعادة تقديم مثل هذه الأغنيات مرة أخري، فمن الواضح أنها أغنيات تم تجميعها لتحافظ علي صيغة واحدة، هي الصيغة الاستهلاكية الأقرب إلي منطق السوق، وأود أن أشير إلي أن هذه الصيغة تغيرت الآن، وأصبح حضور الأغنية الشعبية في الشارع وأفراحه هو الغالب، لذا كان ضروريا دراسة الحالة العامة للشارع قبل إصدار مثل هذه الأغنيات والتي تشبه الجرائد البايتة بصرف النظر عن قيمتها الفنية من عدمها. يا أحلي سمرة تعتبر أغنية (يا أحلي سمرة) من كلمات الشاعر «بهاء الدين محمد»، وألحان «حسين محمود» من الأغنيات التي نجحت في المزج بين (التجاري) و(الفني) أي أن الشاعر «بهاء الدين محمد» حاول ونجح في أن يمسك العصا من المنتصف، فقد راهن علي البساطة منذ بداية النص (يا أحلي سمرة لو ميلتي وجالك شوق/ ولو في العشق كملتي أنا اللي هادوق/ أنا المستني تتمني تحني عليه وتمني/ وتاخدي كل شيء مني وتديني لقب معشوق) - وهنا لابد من سؤال للشاعر «بهاء الدين محمد»، وهو هل يكفي لقب (معشوق)، كتعويض عن كل شيء، وهل يستطيع هذا اللقب أن يصبح بديلا عن مساحات العجز التي سيخلفها (وتاخدي كل شيء مني)، وهنا أحاول أن أكون منطقيا، من المعروف أن الشعر ابن الخيال في إحدي زواياه، إلا أن هذا الخيال لا يسد حاجة المنطق في كل شيء، أما عن المجمل العام للنص، فقد استطاع أن يزن المعادلة جيدا، فكانت أغلب الجمل بسيطة إلا أنها مجية إلي التلقي، وذلك بالمقارنة مع ما تم طرحه من أغنيات في الألبوم، ويعد لحن «حسين محمود» من الألحان المميزة في الألبوم، و«حسين محمود»، من المدرسة الشرقية في التلحين، فهو ابن الجملة المطربة في الأساس، وصاحب ألحان ناجحة كثيرة، نذكر منها (الأيام الحلوة) مع «إيهاب» ذاته، كذلك (لا يا قلبي) مع المطرب «محمد فؤاد»، و«إمشي» مع المطرب «أمين سامي» بالإضافة إلي ألحان (ولا دمعة) ل«خالد عجاج»، و(الحلم الجميل) ل«هاني شاكر» ولحن (الحلوة عيونك) مع «إيهاب توفيق»، وقد قدم «حسين محمود» في لحن (يا أحلي سمرة) لحنا يجمع بين (التطريبي) و(الايقاعي) عبر جمل ممتدة محملة بطاقات غنائية من السهل التواصل معها، كذلك جاءت رؤية «محمد مصطفي» في صياغة اللحن توزيعيا ناجحة إلي حد كبير، ففي أكثر الأوقات كان «مصطفي» يكسر التوقع في أدائه الايقاعي، كما أنه اعتني بإبراز اللزم الموسيقية ما بين المقاطع فترك لها ساحات خالية، دون أن يغلب الايقاع عليها أداء «إيهاب توفيق» ما من شك في أن «إيهاب توفيق» من الأصوات الجيدة في الحقل الغنائي، كما أنه يتمتع بقدرات طربية تنم عن دراسة وخبرة، فالكثير منا يعرف أن «إيهاب» مطرب دارس، ولولا الغناء لأصبح دكتورا في التربية الموسيقية، إلا أنه فضل الغناء علي الدراسة الأكاديمية، فقط ما ينقص «إيهاب توفيق» الاعتناء بالكلمة الجديدة والبحث عنها، فما جدوي أن يقدم مفردات تم تقديمها مسبقا، فعلي الرغم من أن «إيهاب توفيق» قدم ما يزيد علي اثني عشر ألبوما، إلا أنه من الصعب أن نجد عشرين أغنية نستطيع القول بأنها أغنيات مهمة، لذا وجب علينا أن ننبهه، فالغناء الجيد هو الذي يخلد ويبقي مع الزمن لا الغناء التجاري الذي يزول بزوال صاحبه.