نظرة تأمل وتدبر في مقاصد الدين الحق في تشريعاته تؤدي إلي نتيجة مهمة علامة ظاهرة بارزة باهرة ألا وهي تأصيل وترسيخ وإعلاء الاخاء الديني في المجتمع المسلم بين افراده. وبينه وغيره من مجتمعات, فالأيمان بجميع الانبياء والرسل عليهم السلام والتقدير التام لرسالاتهم وكتبهم اساس مهم في اسس العقيدة الإسلامية يتوقف عليه صحة ايمان المسلم من عدمه قال الله عزوجل قولوا آمناء بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وماأوتي موسي وعيسي وماأوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون الآية136 من سورة البقرة وعدم السعي لالغاء الغير أو محوه بل والإبقاء علي معتقده سواء وافق الإسلام أو خالفه من اسس التعامل والتعايش مع الآخر, جاءت آيات واخبار صحيحة فمن ذلك لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ماءاتاكم الآية48 من سورة المائدة.. ومستمرون علي أقوام في الصوامع قد حبسوا انفسهم فيها فدعوهم.., وقد حدد الإسلام علاقة الأمم والشعوب ببعضها علاقة تقوم علي الالتقاء وعلي الحق لذاته وليس علي قرابة أو جنس أو لون, فالأصل في الإسلام ان يتعارف الناس ويلتقوا لا أن يتفرقوا أو يختلفوا, وان هذا التعارف هو الأصل وأن نقيضه انحراف عنه, قال الله عزوجل وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا الآية19 من سورة يونس ويأتي صوم عاشوراء بين وسائل الاخاء الديني العملية فقد روي ابن عباس رضي الله عنهما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة فرأي يهود تصوم يوم عاشوراء, فقال: ماهذا فقالوا هذا يوم صالح, هذا يوم نجي الله تعالي بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسي, قال: فأنا أحق بموسي منكم, فصامه وامر بصيامه اخرجه البخاري ومسلم ومما يتصل بيوم عاشور في التشريع الإسلامي استحباب التوسعة علي العيال والأهل لأخبار واثار عديدة, وتأتي رواية أخري تدلل علي مبدأ التعايش في مجتمع المدينة فيما نحن بصدده امر رسول الله صلي الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر اخرجه الشيخان والترمذي. ويعد الاهتمام بيوم عاشوراء في عبادات كالصيام وعادات كالتوسعة من دلائل تقوية وتنمية العلاقات بين الإسلام وغيره وافاضت المصنفات الفقهية المعتمدة في بيان حقوق غير المسلمين علي المسلمين وكفي ان نعوتا طيبة منها: أهل الذمة: أي العهد من الإمام أو ممن ينوب عنه بالأمن علي نفسه وماله مع اقرارهم علي معتقدهم, واجراء عبادتهم ومايدينون به, وأهل اللكتاب: هم اليهود والنصاري بفرقهم المختلفة, دون تمايز بينهم ومدلولا الذمة وأهل الكتاب, يدلان علي نظرة المسالمة والمعايشة بين الإسلام وغيره, فضلا عن احكام ناطقة شاهدة بالاخاء الديني في صور لم تسبق ولن تلحق منها: عقد الذمة واثاره, حقوق أهل الذمة في حماية الدولة لهم وحق الاقامة, والتنقل وعدم التعرض لهم في عقيدتهم ولاعباداتهم, والمعاملات المالية وشبهها كفقه الزواج, واحكام ذبائح أهل الكتاب, ونكاح نسائهم, واستعمال انيتهم, وطهارة اجسادهم, والعدل معهم, استنباطا من نصوص محكمة وقواعد كلية, أما اجتزاء نص واغفال سياقه أو اهمال سببه أو واقعته فبعيد عن سلامة التناول العلمي السليم. وسيظل يوم عاشورا من ايام الله يجدد التذكرة الطيبة لاذن واعية بالاخاء الديني, رغم انف الجاهلين والغاوين والمنتحلين والمبطلين والمزايدين.