ما أكثر الخواطر التي يستلهمها المرء من وحي وعبق الذكري العطرة لهجرة النبي الكريم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة. حاملا رسالة الإسلام إلي البشر أجمعين من أجل تحرير الإنسان ورفع شأنه وتوفير أسباب العزة والكرامة له, باعتبار الناس يولدون جميعا أحرارا متساوين في الحقوق, لا فرق في ذلك بين إنسان وآخر وخاصة من ناحية الجنس واللون أو من ناحية الذكورة و الأنوثة أو اللغة والدين والجذور الاجتماعية. أريد أن أقول بوضوح: إن احترام حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية يتفوق في شروطه وضوابطه علي الإعلان الدولي لحقوق الإنسان, الذي صدر قبل62 عاما من الجمعية العامة للأمم المتحدة.. بل إنه يتجاوز بكثير كل ما تتغني به الديمقراطيات الحديثة من ضمانات لتأكيد حرية الإنسان وحقه في الاجتهاد والتفكير! لقد جاءت الشريعة الإسلامية قبل14 قرنا ونصف قرن من الزمان لكي تؤكد حق الإنسان الكامل في حرية التفكير في إطار الرغبة في تحرير العقل البشري من الأوهام والخرافات والتقاليد والعادات, التي كانت سائدة في ظل الوثنية, وأكبر دليل علي ذلك أن الإسلام هو أكبر داعية لنبذ كل مالا يقبله العقل وهو الذي يحرض الإنسان علي ضرورة التفكير في كل شيء وعرضه علي العقل, فإن آمن به العقل واقتنع بصحته كان محل إيمان, وإن رفضه العقل وكفر به كان محل رفض بغير نقاش. إن عظمة الشريعة الإسلامية أنها لا تسمح للإنسان بأن يؤمن بشيء إلا بعد أن يفكر فيه ويعقله ولا تبيح له أن يقول مقالا أو أن يفعل شيئا إلا بعد أن يفكر فيما ينتوي أن يقول أو أن يفعل. فللإنسان الحق في أن يفكر فيما شاء كما يشاء وهو آمن من التعرض للعقاب علي هذا التفكير حتي لو امتد تفكيره لإتيان أعمال تحرمها الشريعة الإسلامية والعلة في ذلك أن الشريعة لا تعاقب الإنسان علي أحاديث نفسه ولا تؤاخذه علي ما يفكر فيه من قول أو فعل محرم, وإنما تؤاخذه علي ما أتاه من أقوال أو أفعال محرمة, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث نبوي شريف إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم. وفي الحقيقة فإنه ليس أدل علي جدية الشريعة الإسلامية في إقرار حق حرية التفكير وحق حرية الاعتقاد من تأكيد حق حرية التعبير والذي ينتقل بتفكير الإنسان واعتقاده إلي دائرة العلن, لكي يكون ذلك بمثابة إشهار لصحة الحق في التفكير والحق في الاعتقاد ولا شك أن ممارسة حق حرية التعبير في الحدود التي وضعتها الشريعة الإسلامية يعود بالخير والنفع علي الأفراد والأمم, ويؤدي إلي نشر قيم الإخاء والحب والمودة والاحترام بين الناس. فضلا عن أن الممارسة الصحيحة لحق التعبير تساعد علي جمع كلمة أولي الأمر علي الحق دون غيره. وخلاصة القول أن الشريعة الإسلامية تبيح لكل إنسان أن يقول ما يشاء وأن يبدي رأيه كما يريد دون عدوان فلا يكون شتاما ولا عيابا ولا قاذفا ولا كاذبا, وأن يدعو إلي رأيه بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادل بالتي هي أحسن وألا يجهر بالسوء من القول ولا يبدأ به وأن يعرض عن الجاهلين! فهل من حق أحد أن يبتز شعوبنا الإسلامية بدعوي أن الثقافة الإسلامية لا تسمح بانتشار الديمقراطية ولا تحض علي احترام حقوق الإنسان؟ هذا هو السؤال! *** خير الكلام: ** موقف الحقيقة غالبا ما يكون أصعب... ولكنه لا يمكن أن يتحطم! [email protected]