في مثل هذه الأيام, منذ33 سنة, وبالتحديد في19 نوفمبر1977, حطت طائرة الرئيس الراحل أنور السادات علي مهبط مطار اللد الإسرائيلي فكانت زيارة القدس الشهيرة التي غيرت تاريخ الشرق الأوسط. واليوم وبعد أن قدم لنا شهادته كشاهد علي حرب أكتوبر73 علي صفحات الأهرام, يعود الوزير أحمد أبو الغيط, وزير الخارجية ليكتب شهادته, ليس علي الحرب, بل علي السلام هذه المرة. ومثلما كان أبو الغيط واضحا تمام الوضوح في الحلقات التي كتبها عن الحرب, فإنه يعود هنا إلي التأكيد أيضا ومن جديد علي أنه لايؤرخ لهذه المرحلة( مرحلة السلام من1977 وحتي انعقاد مؤتمر مدريد في أكتوبر1991) بل هو يسرد رؤيته هو, وتقييمه هو, من واقع مشاركته ومشاهداته كواحد من الذين شاركوا, منذ أن كان دبلوماسيا صغيرا.. فإلي المقال الذي يتحدث فيه عن مؤتمر مينا هاوس الذي عقد في القاهرة, ولم يستمر إلا يوما واحدا. أعدت في العام الأخير, وخلال قيامي بكتابة مجموعة المقالات التي صدرت في الأهرام ومجلة روزاليوسف, حول حرب أكتوبر... قراءة مجموعة الكتب الهامة التي كتبها الكثير من القادة السياسيين والعسكريين الذين شاركوا في هذه الحرب... وكذلك مجموعة من المؤرخين المصريين والأجانب... وخلال هذه الفترة تبينت علي الجانب الآخر غياب بعض أهم المصادر التي كان ينبغي أن يكون لها مساهمتها في التأريخ لهذه الفترة... وأعني بها السنوات الممتدة من أكتوبر73 وحتي أكتوبر91عندما أطلق مؤتمر مدريد المفاوضات العربية الإسرائيلية... أقول أن هذه المصادر لم تتح لها الفرصة أن تكتب رؤيتها ومساهمتها, وفي مقدمة هذه الشخصيات ولاشك يأتي الدكتور أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية... وكذلك الوزير المرحوم أحمد ماهر السيد, وزير الخارجية السابق وغيرهم كثيرون... وتصورت أن من المهم أن أكتب تجربتي بينما لايزال لدي قدرة وتركيز لتحقيق ذلك لما في الأمر من خدمة للأجيال القادمة من المصريين ولتعريفهم بالظروف التي كنا نعمل فيها منذ5 يونيو67 وحتي اليوم... من هنا... قررت كتابة هذه المجموعة الجديدة من المقالات والتي رأيت تسميتها شاهد علي السلام وبهدف إلقاء الضوء علي ما شهدناه وما قمنا به نحن أبناء الخارجية المصرية بما عهد بهم من وطنية خالصة ووفاء للوطن والعلم. من هنا أيضا أنوي أن أسرد في المقالات التالية التي آمل أن يتاح لي كتابتها رغم ظروف العمل الضاغطة والالتزامات المختلفة التي تضغط علي وقتي... ما وقع أمامي من أحداث أو ما شاركت فيه بشكل مباشر... في الفترة من إطلاق مبادرة الرئيس السادات في نوفمبر1977 وحتي مؤتمر مدريد في أكتوبر عام.91 وسوف يلاحظ القارئ الكريم أنني لا أؤرخ أو أسرد كل أحداث هذه الفترة... إذ تم تناولها في الكثير من الكتب والدراسات التي كتبت خلال كل هذه السنوات منذ عام1977 حتي...1991 إلا أنني سوف أسرد رؤيتي وتقييمي للمرحلة من واقع مشاهداتي ومشاركتي فقط... وهو الأمر الذي تمسكت به منذ إطلاق سلسلة المقالات السابقة التي نشرت علي مدي عام في الفترة من6 أكتوبر2009 وحتي أكتوبر.2010 وأبدأ بالقول أنني جلست مساء يوم19 نوفمبر1977 في حجرة الجلوس بمنزلي في مصر الجديدة أتابع في صمت... وربما وجوم هبوط طائرة الرئيس السادات في مطار اللد بإسرائيل ثم اقترابها من منطقة الاستقبال التي تجمع بها عشرات من مسئولي إسرائيل ورجال الصحافة والتليفزيون ينتظرون فتح أبواب الطائرة البوينج707 المصرية الرئاسية... كان هناك كل قادة إسرائيل... نفس القادة الذين حاربهم الرئيس السادات في معركة أكتوبر...73 جولدا مائير التي كانت نتائج هذه الحرب قد أطاحت بها وحزبها من حكم إسرائيل... وأيا ايبان وزير الخارجية الشهير الذي كان يتحدث العربية وسبق له الخدمة بالجيش البريطاني في أثناء الحرب العالمية الثانية بالإسكندرية وتزوج إحدي الفتيات اليهوديات من مصر... كان هناك أيضا بعض هؤلاء المسئولين ممن سبق لهم الزواج من يهوديات مصريات مثل الجنرال هيرتزوج الذي عمل كمتحدث للجيش الإسرائيلي أثناء بعض حروبها معنا... ثم تدرج في المسئوليات لكي يشغل منصب مندوب إسرائيل لدي الأممالمتحدة في السبعينيات قبل أن ينتخب في الكنيست رئيسا لإسرائيل في الثمانينيات وكان هناك أيضا الجنرال فايتسمان وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة مناحم بيجن... وكان فايتسم ان قد خدم في سلاح الجو البريطاني أثناء معارك شمال أفريقيا... كما شغل منصب قائد القوات الجوية الإسرائيلية التي وجهت لمصر ضربة قاسية في حرب عام.67 تواجد أيضا موشي ديان... وزيرا للخارجية الإسرائيلية... الذي انفصل عن حزب العمل أو تجمع المعراخ لكي تتاح له فرصة شغل منصب وزير الخارجية... كان كل الجنرالات والسياسيين يتواجدون بكثافة كبيرة... والجميع في حالة ترقب... وربما زهو... إذا أنهم يتواجدون علي أرض إسرائيل أثناء لحظات تاريخية لم يسبق لإسرائيل أن مرت بها... إلا عندما أعلنت هذه الدولة في15 مايو...1948 وفتح باب الطائرة... في هذا المشهد التاريخي وصعد مدير البروتوكول بإسرائيل السلم لكي يدلف إلي الطائرة ويدعو الرئيس السادات لاصطحابه خارجها وإلي أرض المطار... ثم الاستقبال الرسمي المشهود... وأحسست أن بعض قطرات الدموع تنساب علي وجهي بشكل هادئ... كان يجلس بالحجرة معي... نجلي كمال الذي لم يكن قد بلغ من العمر7 سنوات... ونظر الطفل إلي جهاز التليفزيون... ثم إلي والده وقال... إيه يا بابا... أنت بتعيط... إحنا أتغلبنا... ولم أعقب... لانني وقتئذ لم أكن فعلا أعرف كيف أصف الأمر أو أتفهمه... لم أكن أفهم الخطوة المصرية أو عواقبها ونتائجها وتأثيراتها علينا في مصر وعلي الإقليم العربي والقضية الفلسطينية وشكل النزاع العربي الإسرائيلي الذي عشت حياتي... سواء في منزل والدي الطيار الذي حارب إسرائيل وقصف قواعدها الجوية وجيوشها... أو عندما انضممت إلي الخارجية المصرية في عام1965 لكي أحارب معاركها الدبلوماسية جنديا من جنودها... لقد كانت الصدمة كبيرة واحتاجت الكثير من الجهد والتدبر والتفكير لكي أصل إلي خلاصات هذه الخطوة... لقد كنا بالخارجية المصرية في صدام مباشر ودائم مع إسرائيل علي مسرح الدبلوماسية الدولية... وكنت قد عدت منذ عدة أسابيع قليلة من نيويورك حيث عملت في وفد مصر لدي الأممالمتحدة في الفترة من74 حتي أكتوبر...77 واليوم ومع هذا الحدث فسوف تختلف الأمور ولا شك... ولم أكن أعرف كيف سنتفاعل كلنا مع الأمر خاصة وقد استقال وزير الخارجية إسماعيل فهمي... ونحي وزير الدولة للشئون الخارجية محمد رياض الذي تشكك في الموقف كله عندما طلب منه تحمل المسئوليات مؤقتا... كنت وقتها أعمل مع عمرو موسي الذي كان يشغل منصب مدير الهيئات الدولية بالخارجية ولديه صلات قوية مع الوزير إسماعيل فهمي والوزير محمد رياض... لم أكن علي ثقة بما سيحل به أو بغيره وكيف سنعمل... لقد كانت أياما بالغة الصعوبة علينا خاصة وقد كلف الدكتور بطرس غالي بمسئوليات وزير الدولة للشئون الخارجية وبإدارة شئون الدبلوماسية المصرية... وهو غير مطلع علي دهاليزها أو أشخاصها ونظامها وأساليبها وإن كان المؤكد أنه كان علي معرفة بكل قضايا مصر في المجال الدولي من واقع تدريسه بجامعة القاهرة وكذلك رئاسته لمجلة السياسة الدولية التي أنشأها في مؤسسة الأهرام. ومضت الأيام التالية لخطاب الرئيس السادات في الكنيست... والصخب الاعلامي الدولي الذي صاحب هذه الفترة... ومضي كذلك الاستقبال الهائل الذي رحب بالرئيس السادات عند عودته من إسرائيل وشهدت القاهرة مظاهرة غير مسبوقة في تأييد خطوة الرئيس وتوجهاته نحو السلام... وبدأنا بالخارجية نتأقلم تدريجيا مع هذه الخطوة وتوابعها وذلك رغم المعاناة التي صادفت البعض منا في تحقيق هذا التحول أو استيعاب الخطوة المصرية وما سوف يترتب عليها من تحولات... لقد قال ايا ايبان يوم زيارة القدس... أن الشرق الأوسط لن يعود إطلاقا مثلما كان... وأعتقد أننا جميعا... وبدرجات متفاوتة وصلنا إلي هذه القناعة في الخارجية المصرية... واقترحت مصر عقد مؤتمر تحضيري للبحث في عملية السلام ولدراسة إمكانيات السعي لاستعادة مؤتمر جنيف الذي عقد ليوم واحد في ديسمبر73 ولم يعد للانعقاد منذ ذلك الحين... وجاءت الدعوة المصرية لعقد المؤتمر المشار إليه بالقاهرة في منتصف ديسمبر... وكان الواضح أن الرئيس السادات وقد قام بهز الموقف السياسي والدولي وفي العلاقة مع إسرائيل... قرر التحرك.... وبسرعة للإمساك بكل خيوط العملية السياسية والتفاوضية وعدم إعطاء الفرصة لإسرائيل للهروب من ضغوطها... خاصة أن المجتمع الدولي في غالبية توجهاته عبر عن دعمه القوي للمبادرة المصرية ودوافعها. وتلقي الدكتور عصمت عبد المجيد... مندوب مصر الدائم في نيويورك والذي كنت قد تركته منذ أسابيع قليلة بعد انتهاء فترة عملي معه وعدت إلي القاهرة... وأقول تلقي تعليمات الرئيس السادات التي نقلها إليه الدكتور بطرس غالي وتقضي بأن يحضر للقاهرة فورا لرئاسة وفد مصر وكذلك مؤتمر السلام التحضيري بالقاهرة... وهو المؤتمر الذي عرف فيما بعد بمؤتمر مينا هاوس إشارة إلي الفندق الذي عقد به يوم15 ديسمبر.1977 كان الدكتور عصمت عبد المجيد من أوائل السفراء المصريين الذين عبروا عن تأييد قوي للمبادرة بعد عدة أيام من هضمه لها... ومن يتعرف علي الدكتور عصمت عبد المجيد... يصل وبسرعة شديدة إلي نتيجة مفادها أنه رجل مبدأ... يفكر كثيرا في خطواته ويحسبها بحساب دقيق... ثم يقوم بتنفيذ أفكاره بكل تصميم وإجادة... ولقد كان اختياره في هذه اللحظات اختيارا صائبا للغاية لما كان لديه من تراكم الخبرة والمعرفة القانونية والسياسية وتاريخ القضية الفلسطينية وتطورات النزاع العربي الإسرائيلي منذ عمله مع وزير الخارجية المصرية الأسبق والشهير محمود فوزي... وكذلك علي مستوي الأممالمتحدة التي كان قد أمضي بها عندئذ حوالي خمسة أعوام ونصف. كان هناك بوزارة الخارجية مجموعة عمل صغيرة من عدد من الدبلوماسيين المصريين المعروف عنهم الكفاءة والكتمان... يعملون في هدوء تحت رئاسة الدكتور أسامة الباز مدير مكتب وزير الخارجية وكانت مهمتهم الأساسية هي مساعدة وزير الخارجية علي إدارة ملف مؤتمر جنيف للسلام وكل الجهود التي كانت تبذل عندئذ للعودة إلي انعقاد المؤتمر وتسيير أعماله... تشكلت هذه المجموعة وبالإضافة إلي الدكتور أسامة الباز من كل من السفراء عبد الرؤوف الريدي مدير التخطيط السياسي نبيل العربي مدير الإدارة القانونية احمد الزنط بإدارة المعلومات والمستشار عمرو موسي مدير الهيئات الدولية والسكرتير الأول حسين حسونة بمكتب وزير الخارجية والسكرتير الأول محمد البرادعي السكرتير الخاص للوزير إسماعيل فهمي والمقرب جدا منه... ورغم استقالة الوزير إسماعيل فهمي فقد بقيت مجموعة العمل التي أدارها الدكتور أسامة الباز الذي كان يشغل أيضا منصب مدير المكتب السياسي لنائب الرئيس عندئذ. ووصل الدكتور عصمت عبد المجيد في أوائل شهر ديسمبر قادما من نيويورك لكي يرأس مجموعة العمل المشار إليها ويعد لانعقاد مؤتمر مينا هاوس التحضيري تمهيدا للانطلاق في المفاوضات مع إسرائيل وبهدف تحقيق فكرة السلام الشامل بالمنطقة. حاول الدكتور عصمت عبد المجيد الاتصال بي... فور الوصول... في مكتبي بإدارة الهيئات الدولية... وكنت قد غادرت مبكرا بعض الشئ... فاتصل بالمنزل حيث ترك رسالة مع زوجتي ليلي لكي أقوم بالحضور إليه في فندق شبرد مساء نفس اليوم... وقمت فور علمي بالأمر بالاتصال به في الفندق حيث طلب أن أقوم بزيارته ومعي قرينتي التي تستطيع أن تجلس مع السيدة الفاضلة إجلال هانم... قرينته... أثناء اجتماعنا... وأضاف الدكتور عصمت عبد المجيد أنه دعا أيضا السكرتير الأول صلاح الهنداوي الذي عمل معه في نيويورك وغادر في نفس يوم مغادرتي لها في أول أكتوبر السابق. تحدث الدكتور عصمت عبد المجيد فور انضمامنا إليه صلاح الهنداوي وأحمد أبو الغيط, في فندق شبرد بقوله... أن مهمته القادمة هي أخطر المهام التي كلف بها خلال عمله الطويل في خدمة الدبلوماسية المصرية... وذلك رغم هذه الخبرة التي تراكمت له منذ عمله مع الدكتور محمود فوزي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري في الفترة من53 وحتي...64 وهي فترة شهدت مفاوضات الجلاء البريطاني عن مصر وتأميم قناة السويس والانسحاب الإسرائيلي الأول من سيناء في عام57 وغيرها من تحديات كبيرة وضخمة... أضاف الدكتور عصمت عبد المجيد أن هذا التحدي يفرض عليه أن يعتمد علي هذين الاثنين من معاونيه السابقين الذين لديهم اطلاع واسع علي أسلوبه في التفكير وإدارة أعمال الوفد المصري في نيويورك... وعبر صلاح الهنداوي عن موافقته علي ما سوف يكلفه به رئيس الوفد المصري في المفاوضات مع إسرائيل... وأجبت من ناحيتي وبقدر كبير من الوضوح والأسلوب المباشر... وهي صفة كنت انتهجها دائما مع الدكتور عصمت عبد المجيد الذي أتصور أن أحد أقوي خصاله هي استعداده لاستيعاب صراحة المتحدث معه وامتصاص وجهات نظره مع فهمها بدقة. أنني لم أهضم بعد كل عناصر المبادرة المصرية رغم مرور ما يقرب من أسبوعين علي زيارة الرئيس السادات للقدس... وأضفت أنني ربما لست علي اقتناع بفاعلية المبادرة أو ما أدت إليه علي المستوي العربي... رغم تقديري أنها تلقي دعما دوليا ضخما... ثم أوضحت اقتناعي بأنني بمثابة جندي من جنود الدبلوماسية المصرية ولا يمكن له إلا أن يشارك في معركة بلده عندما يناديه قائده... وهو هنا الدكتور عصمت عبد المجيد... من هنا أشرت إلي استعدادي لأي تكليفات ستصدر منه لي. ثم عرضنا عليه أن يطلب من الدكتور بطرس غالي بأن يصدر تعليماته بضمنا إلي مجموعة العمل المصرية والوفد الذي سيشارك في المفاوضات في الأيام التالية. وقام بالتالي وفي نفس الجلسة بالاتصال بالدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية الذي وافق فورا وطلب أن تقوم إدارة شئون السلك الدبلوماسي والقنصلي باتخاذ اللازم. وبدأنا بالتالي, صلاح الهنداوي وأحمد أبو الغيط في اليوم التالي بالاجتماع مع الدكتور عصمت عبد المجيد في حجرة المكتب السابق للدكتور محمود فوزي عندما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشئون الخارجية في وجود الوزير محمود رياض... وزير الخارجية... وبدأ الدكتور عصمت عبد المجيد في تنظيم أعماله بمساعدتنا... وعقد أول اجتماع له مع مجموعة العمل السياسية للأزمة وهو الفريق الذي سبق لي الإشارة إليه بعاليه... والمؤكد أن معرفة الدكتور عصمت عبد المجيد العميقة بهم وبتوجهاتهم وقدراتهم سهلت من عملية إدارة أعمال المجموعة... وبدأ... كرئيس للوفد... بالاطلاع علي الوثائق والمستندات الأساسية التي لم يكن علي اطلاع عليها وهو بعيد عن هذه المسئولية في نيويورك... ثم أخذ يعقد الاجتماعات اليومية مع هذه المجموعة القوية من الدبلوماسيين المصريين... لقد كانوا جميعا من الشخصيات التي لها تأثيرها ودورها... ولا شك أن المستقبل الذي كان ينتظرهم كشف فعلا في السنوات التالية عن معدنهم وقدراتهم.. ومع ذلك يجب أن أعترف هنا أيضا أن التنافس فيما بينهم من ناحية وبعض التناقضات في المواقف والتوجهات من ناحية أخري أدت إلي بعض التعقيدات سواء وقتها أو في سنوات تالية فيما بينهم. ولعلي أشير في هذا المجال إلي واقعة أو واقعتين تعكسان برفق ما أتحدث فيه... إذ قمت بإثارة مسألة ضم السفير أحمد ماهر السيد... أحد مفكري الجيل الصاعد من الدبلوماسيين المصريين إلي مجموعة العمل... وتحدثت بالفكرة أولا إلي الدكتور عصمت عبد المجيد الذي رحب بها... إلا أن تجربته فرضت عليه أن يكلفني بالتحدث مع بعض أعضاء المجموعة لتحسس مواقفهم في ضم عضو جديد بمثل هذا الثقل... من هنا قمت بإثارة الأمر مع عضو أو أكثر... ورأيت مقاومة... وعرفت أن الأمر لن يلقي الترحيب... علي أي الأحوال تحدثت في نفس الشأن مع الدكتور نبيل العربي الذي أبلغني أنه سبقني إلي هذا الجهد دون طائل... لقد كان رأي احد هذه الشخصيات... وكان صاحب تأثير... أن وجود ماهر سيؤدي إلي توترات في المجموعة... من هنا فإنه يفضل عدم الموافقة علي انضمامه... وبذا خسرت المجموعة لعدة أسابيع فقط مثلما سيأتي ذكره جهد أحمد ماهر وتأثيره... أما النقطة الأخري المرتبطة بهذه الأولي... فكان في قيام إدارة شئون السلك الدبلوماسي بترجمة تعليمات الوزير بطرس غالي في موضوع ضم كل من أحمد أبو الغيط, وصلاح الهنداوي إلي مجموعة العمل... بأن يعملا كسكرتارية رئيس الوفد وليس كعضوين لمجموعة العمل... والفارق طبعا كبير... ورغم ذلك فقد جلسنا وشاركنا بالكامل في كل مداولات المجموعة في وجود الدكتور عصمت عبد المجيد أو في غيابه... لقد كان هذا الإجراء يمثل انعكاسا جيدا لمناورات القصر التي مارسها أحدهم وعلمنا نحن بمراوغاته حينها وإن كنا قد فضلنا عدم إثارة الأمر أو القيام بمواجهة قد تدمر ترابط هذه المجموعة الهامة التي كان عليها أن تركز علي خدمة أهداف الدبلوماسية المصرية وتوجهاتها في فترة بالغة الصعوبة والحساسية. علي أي الأحوال أخذت أعمل بتصميم وقوة للتعرف علي الموقف وأبعاده وأسلوبنا التفاوضي وحدود حركتنا القادمة في المؤتمر خاصة وقد اجتمع الدكتور عصمت عبد المجيد بكل من نائب الرئيس حسني مبارك في مصر الجديدة ثم بالرئيس السادات نفسه في القناطر لكي يحصل علي توجيهاتهما لإدارة أعمال المؤتمر والمفاوضات. وانتقلنا بعد ذلك بأيام للإقامة في فندق مينا هاوس توطئة لبدء الاجتماعات مع الإسرائيليين الذين كان يترأس وفدهم أحد الإسرائيليين المولودين في رومانيا بن اليسار الذي عين في فترة تالية وبعد عقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كأول سفير لها بالقاهرة. وأخذنا صلاح الهنداوي وأحمد أبوالغيط... نعمل تحت الإشراف المباشر للدكتور عصمت عبد المجيد... فقمنا معا بإعداد بيانه الافتتاحي أمام الاجتماع التحضيري الذي كان هدفه مثلما تكشف تسميته بالإعداد للعودة إلي انعقاد مؤتمر السلام الذي مثلما قلت سابقا اجتمع لمدة يوم واحد في ديسمبر...73 من هنا كانت صياغة البيان الذي ألقاه رئيس الوفد في هذا الاجتماع الافتتاحي لعملية السلام بعد استئنافها بيانا قويا يأخذ في عناصره الأساسية كل ما تحدث به الرئيس السادات أمام الكنيست في القدس. وكان الدكتور عصمت عبد المجيد, ولكي يعد نفسه لأعمال المفاوضات قد طلب من الدكتور أسامة الباز مدير مكتب وزير الخارجية المستقيل ومدير مكتب نائب الرئيس في نفس الوقت أن يوافيه بأي مستندات ووثائق يمكن أن تساعده علي إعداد الرؤية المصرية أمام الاجتماع. كما عقدت مجموعة اجتماعات تحت رئاسته لمجموعة العمل السياسية وحيث اتفق خلالها علي الأسلوب الأمثل للتعامل مع الجانب الإسرائيلي والسيناريوهات التي يمكن أن نتحرك في إطارها في ضوء الاحتمالات التي يمكن للإسرائيليين الإتيان بها أو أثارتها معنا. ووصل الوفد الإسرائيلي إلي مطار القاهرة حيث نقلته طائرة هليكوبتر مصرية مباشرة إلي أرض فضاء بالقرب من فندق مينا هاوس... وكان الوفد يتشكل في قائمته الرسمية من السفير الياهو بن اليسار والقانوني الإسرائيلي مائير روزين والجنرال افراهام تامير رئيس فرع التخطيط برئاسة الأركان الإسرائيلي. لقد تعرفت علي الجنرال تامير في السنوات التالية عندما عملت سكرتيرا خاصا لنائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كمال حسن علي في الفترة من84/82 وحيث كان كلاهما يعجب إعجابا كبيرا بالآخر... فقد رآه كمال حسن علي أحد الشخصيات الإسرائيلية التي كان لها رغبة كبيرة في تحقيق السلام مع مصر وبناء علاقة مصرية إسرائيلية مستقرة. وكان لي خلال هذه الفترة أحاديث كثيرة مع الجنرال تامير... كلما زار مصر لمقابلة كمال حسن علي... وكنت كثيرا ما أناقشه في معارك73 خاصة وقد شغل منصب رئيس أركان مجموعة القتال التي قادها الجنرال شارون إلي الغرب من القناة بعد عبور الجيش الإسرائيلي لها. وإلي الحلقة القادمة