لست من أنصار استخدام كلمات المبالغة أو العبارات الضخمة عند وصف حدث ما, ولكن كل المؤشرات توضح أننا مقبلون علي انتخابات برلمانية غير عادية. واستخدم في الإشارة إليها تعبيرات. مثل' بالغة الأهمية' ونقطة فاصلة أو بداية مرحلة جديدة إلي غير ذلك من تعبيرات تدعونا إلي التساؤل عما يميز هذه الانتخابات عن غيرها من الانتخابات ويعطيها مذاقا ونكهة مختلفة. ربما يكون السبب الأول أن هذه الانتخابات تأتي عقب مرحلة شهدت زخما سياسيا وحيوية اجتماعية وحالة من الحراك كان من مظاهرها التعديلات الدستورية والحركات الاجتماعية والمظاهر الاحتجاجية ذات الطابع السياسي والتحركات والوقفات ذات الطابع الاقتصادي. رافق ذلك ممارسة منظمة لحرية التعبير والحوار في وسائل الإعلام المختلفة وتبلور دور الإعلام الخاص في مجالي الصحافة والتليفزيون والبرامج الحوارية والأشكال المختلفة للميديا الجديدة من مواقع إلكترونية ومدونات. كما ازداد دور مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا مجموعة الجمعيات ذات الطابع الحقوقي والمهتمة بحقوق الإنسان. لقد شهدت السنوات الخمس الماضية تحولات سياسية مهمة لم تحدث بقرار واحد ولكن عبر مجموعة متتالية من التطورات التي حدثت ببطء وبشكل متدرج وهاديء كان نتيجتها تغير شكل الخريطة السياسية سواء علي مستوي الحكومة أو الأحزاب وبدأت مصر تدريجيا تشهد عمليات من المفاوضة السياسية والاجتماعية وتعدد مراكز التأثير عند صنع القرار. ونجد مثالا لذلك في النقاش الذي دار حول الحد الأدني للاجور وظهور آراء مختلفة بين الوزراء وأختلاف رأي إتحاد العمال وعدد من رجال الأعمال مع رأي المجلس القومي للاجور. ونجد ذلك علي مستوي التحديث المؤسسي والتنظيمي الذي حدث في الحزب الوطني. ونجده أيضا في هدوء الأوضاع واستقرارها في أغلب الأحزاب الكبيرة الأخري وتجاوز خلافاتها الداخلية التي أضعفتها في فترة سابقة. ونجده في محاولات بناء ائتلافات واتفاقات بين الأحزاب السياسية. وترتب علي تلك التطورات زيادة في حالة الوعي السياسي لدي قطاعات من المواطنين. وكل هذه التطورات علامة إيجابية تشير إلي اتساع دائرة الاهتمام والمشاركة باعتبارها ثمرة لسياسات الإصلاح السياسي. وربما يكون السبب الثاني لأهمية الانتخابات القادمة هو مشاركة الأحزاب والقوي السياسة الرئيسية فيها وسقوط دعوات المقاطعة والانسحاب السياسي. ومع أن دعوة المقاطعة لاقت رواجا إعلاميا لفترة فسرعان ما تراجعت لصالح موقف القوي المؤسسية الحزبية الناشطة في إطار الدستور والقانون والتي تسعي لتوسيع المشاركة الانتخابية للمواطنين. ومع أن لبعض الأحزاب المشاركة في الانتخابات تحفظاتها ومخاوفها, فإن قرار المشاركة تضمن اعتقادها في جدوي العملية الانتخابية وأهميتها وإن التغيير يتحقق من خلال المشاركة والتفاعل وليس بالمقاطعة والانسحاب. وكلما ازداد عدد الأحزاب والمستقلين المشاركين في الانتخابات تصبح المنافسة الانتخابية أكثر قوة واحتداما ويزداد عدد البدائل والخيارات المتاحة أمام الناس ويزداد عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات لأن كل مرشح سوف يحث أكبر عدد من مؤيديه ومناصريه للخروج لدعمه. وارتبط بزيادة عدد الأطراف المشاركة في الانتخابات إثارة قضايا مهمة مثل ضمانات نزاهة الانتخابات وتفعيل الإجراءات التي نص عليها قانون مباشرة الحقوق السياسية في هذا الشأن. وحدث تفاعل إيجابي بين أحزاب الوفد والتجمع والناصري من ناحية والحزب الوطني بهذا الشأن وكان نتيجته بروز أكبر لدور اللجنة العليا للانتخابات أمام الرأي العام ولأول مرة تتالت البيانات التي أعلنتها اللجنة والقواعد التي أصدرتها بشأن جوانب متنوعة من تنظيم العملية الانتخابية. وربما يكون السبب الثالث لأهمية الانتخابات هو السياق التاريخي لها, فهي تأتي قبل الانتخابات الرئاسية بعام. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن نتائج الأولي سوف تصنع المناخ السياسي في الشهور التالية لها والتي سوف تشهد مناقشات تشريعية مهمة في البرلمان. فالاجندة التشريعية للبرلمان القادم سوف تتضمن مشروعات قوانين مهمة لعل أبرزها قانون التأمين الصحي الاجتماعي وقانون الإدارة المحلية وقانون تحديث وتطوير التجارة الداخلية والرقابة علي الأسواق. المهم هو كيف نتعامل كحكومة وكأحزاب وكمجتمع مع هذه التطورات الايجابية في بلادنا. أعتقد أن علينا تأكيد الالتزام بالدستور والقانون في كل إجراء ننفذه فاحترام الدستور والقانون هو الطريق الوحيد للشرعية وأن نرفض كل دعوات الخروج عن القانون أو التهديد بذلك ومحاولات توظيف الدين لأغراض سياسية وعلينا تشجيع أكبر عدد من الناخبين للخروج إلي التصويت يوم11/28 وفي الجولة الثانية للانتخابات لكي يكون نواب البرلمان معبرين فعلا عن الإرادة الشعبية, وعلينا لتحقيق ذلك العمل علي أن تخرج الانتخابات في الصورة الحضارية التي تليق بمصر والمصريين. المزيد من مقالات د. علي الدين هلال