في إجتماع لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشوري في الأسبوع الماضي حذر السيد أحمد ابو الغيط من خطورة الوضع في السودان, محذرا من خطورة الانفصال وتبعاته كاشفا لأول مرة أن مصر طرحت خيار الكونفيدرالية علي السودان في حال اختيار الانفصال في استفتاء تقرير المصير المقرر خلال يناير المقبل. الكونفيدرالية خيار رائع يمكن أن يسهم في حل الكثير من مشاكل المعضلة السودانية مع اقتراب لحظة الاستفتاء, خاصة في ظل عدم حسم قضايا عديدة حتي الآن مثل قضايا الحدود وتوزيع الثروة وحركة القبائل, وعدم الفصل في مشكلة إقليم أبيي الواقع بين الشمال والجنوب وما يحتويه من بترول وما يسكنه من قبائل تنتمي الي الشمال والجنوب. ابيي عبارة عن مثلث من الارض يقع في منطقة التخوم الجغرافية الفاصلة بين الشمال والجنوب, وقد جري تحويل التبعية الإدارية لهذه المنطقة الي الشمال منذ عام1905 أي منذ أكثر من قرن من الزمان وبقيت كذلك حتي الآن, وتعتبر مثالا للتعايش والتواصل بين الشمال والجنوب, حيث تقطنه قبيلة الدينكا نقوك الجنوبية, وكذلك هناك حقوق تاريخية لقبائل المسيرية العربية, ولها حقوق مستقرة في الرعي والعبور, ونتيجة الخلافات الحادة في مفاوضات نيفاشا حول تلك المنطقة أفردت اتفاقية نيفاشا برتوكولا خاصا لمنطقة أبيي نص علي ان يتفق الطرفان علي ترسيم حدود أبيي, وبعدها يتم إجراء استفتاء بين سكانها علي حق تقرير المصير ليعلنوا موقفهم الانضمام الي الجنوب أو الاستمرار كجزء من الشمال.مازال الأمر مشتعلا, ولم يتم التوصل الي حل لمشكلة أبيي حتي الآن مثلها مثل الكثير من القضايا العالقة التي لم يتم حسمها, غير أن سلفاكير يتمسك بموعد الاستفتاء ويرفض أية محاولة لتأجيله رغم ان تأجيله لبعض الوقت لن يمثل كارثة كبيرة حتي لا تحدث كوارث غير متوقعة وتسيل دماء كثيرة وتخرج الأمور عن السيطرة. خلافات الجنوب الداخلية أكثر حدة من خلافات الجنوب مع الشمال, ويكفي ان نعرف ان ضحايا صراعات الجنوب/ الجنوب أكثر من ضحايا الصراع بين الشمال والجنوب, لكن توجهات القيادة الحالية للحركة الشعبية لتحرير السودان يصب في خانة الانفصال, وقد تصاعد هذا الاتجاه مؤخرا حتي جاءت دعوة سلفاكير للجنوبيين بالتصويت لصالح الانفصال علانية, بعد أن كان الموقف الرسمي للحركة هو الغموض والتحدث عن خيارات الوحدة الجاذبة وكيفية تحقيقها. كان جون قرنق الزعيم التاريخي للحركة الشعبية وحدويا, وكان يتبني مشروعا قوميا للسودان الموحد, وكان يضع الانفصال في موخرة رأسه وأجندته, غير ان الزعيم الحالي للحركة يفضل الانفصال, وهو موقف قديم يتبناه سلفاكير منذ مفاوضات اتفاقية نيفاشا التي تم توقيعها في يناير.2005 لا يتحمل سلفاكير وحده مسئولية ما يحدث, ولكن الحكومة السودانية ايضا بزعامة البشير لها دور كبير في عدم الاهتمام بالجنوب خلال السنوات الست المقررة كفترة انتقالية, لتضيع تلك الفترة بسرعة دون إنجاز ملموس, مما جعل الانفصال جاذبا اكثر من الوحدة في نظر الكثيرين من الجنوبيين. القضايا المتعلقة بالانفصال كثيرة ومعقدة وربما تفرز أحداث عنف قاسية بين الجنوبيين بعضهم بعضا من جانب, وبين الجنوبيين والشماليين من جانب آخر, وهو ما يسهم في توتر الاوضاع علي بوابة مصر الجنوبية في وقت تتصاعد فيه أزمة مياه النيل واتفاقية الحوض المثيرة للجدل. الحق أن مصر لم تهمل الجنوب, وقامت وتقوم بمشاريع رائعة هناك في التعليم والصحة والري وغيرها, غير أن الأمر يحتاج الي تكاتف عربي سريع لإنقاذ السودان قبل فوات الأوان. اتمني لو أجتمعت قمة عربية استثنائية لبحث الموقف في السودان ومؤازرة الجهود المصرية هناك قبل أن ينفرط عقد السودان ويتحول الي دويلات.. وهو السيناريو الأكثر احتمالا للأسف الشديد.