في هذا اليوم العظيم تحتفل مصر كلها بيوم مجيد علينا جميعا, وهو ذكري ملحمة بطولية نادرة عظيمة الأثر, قام بها رجال منا, وضربوا فيها خير مثل لمعني الكرامة للشعب المصري كله وليس فقط لرجال الشرطة, ففي هذا اليوم دافع بعض الرجال من أبناء مصر من كل مصر, ليس فقط بمعني مقاومة عدو خارجي يسعي لاحتلال الأرض وتحريرها منه, ولكن أيضا بمعني الدفاع عن الكرامة والعزة المصرية. فعقب توقيع اتفاقية الجلاء عن أرض مصر, والتي أدت لتمركز قوات الإحتلال البريطاني بمنطقة القناة, اشتدت عمليات الفدائيين المصريين بمدن القناة ضدها, عمليات تنوعت وشملت اغتيالا واختطافا لبعضهم وتفجيرات تستهدف معسكراتهم وقوافل إمدادهم بالذخيرة والمواد التموينية, وفي يوم الاثنين8 أكتوبر عام1951 ألغيت المعاهدة.. فكان ذلك بداية مرحلة جديدة من مراحل كفاح الشعب في سبيل تحقيق أهدافه, حيث اشتدت وتنوعت العمليات الفدائية أكثر, وقد عرف البريطانيون أنهم يتخذون من معسكر قوات أمن الإسماعيلية ملاذا لهم, وتمد لهم يد العون وتساعدهم, وقد قوي هذا الظن بعد أحداث الهجوم علي قطار السكة الحديد الذي كان ينقل البترول للقوات البريطانية صباح يوم1952/11/29 بمنطقة التل الكبير, وقيل أن أكثر من أربعين من رجال الشرطة اشتركوا فيه مع الفدائيين, وفي يوم13 يناير1952 نسف الفدائيون قطارا بريطانيا محملا بالجنود والاسلحة والذخائر. فكتبت صحيفة النيوزكر وينكل في تعليقها علي هذا الحادث تقول: إن الضباط الانجليز يقولون إن هذه المعركة أعنف من أي معركة خاضوها أيام الانتداب البريطاني في فلسطين, لذا فقد رأت القوات البريطانية أن القضاء علي العمليات الفدائية لن يكون إلا بمنع مساعدة قوات الشرطة عنهم فيسهل بعد ذلك حصارهم وتصفيتهم ثم القضاء عليهم, وكان ذلك يوم الجمعة الموافق25 يناير1952, حيث بدأت بحصار مدينة الإسماعيلية بقوات مسلحة قوامها15 ألف جندي مظلات وألف جندي من جنود القوات الخاصة وثلاث كتائب من المشاة فضلا عن كتيبة من قوات الشياطين الحمر المدربة تدريبا خاصا, وكان معها خمسون دبابة سنتريون وبعض الآليات والمجنزرات, وقد أحكمت تلك القوات بقيادة الجنرال أوكسهام حصار مبني المحافظة واحتلال أسطح ونوافذ المباني المقابلة, وكان بمبني المحافظة ثكنات قوات الأمن( بلوكات النظام) وقوامها250 جنديا تقريبا وتسليحها الرئيسي بنادق لي أنفيلد يدوية تعمير الطلقات وتفريغها, ثم سلمت إنذارا كتابيا لضابط الاتصال المصري البكباشي شريف العبد, تطلب تسليم أسلحة جميع قوات البوليس الموجودة بالمبني, وخروجها مجردة من اسلحتها خارج الثكنات, وإلا فإن القوات البريطانية ستتولي بنفسها مهمة نزع سلاحها وترحيلها بالقوة. وإزاء إصرار قوات الشرطة علي رفض الإنذار والمقاومة, فقد نفذ البريطانيون تهديدهم, أطلقوا القنابل علي ثكنات بلوكات النظام ودار المحافظة, قابل رجال البوليس هذا العدوان بالمثل, ونشبت معركة عنيفة بين القوتين, وبرغم التفاوت الكبير في قوة الطرفين, من حيث العدد والتأهيل العسكري والمعدات الحربية, فقد استمرت نحو أربع ساعات, أبدي فيها جنود البوليس المصري وضباطهم بسالة منقطعة النظير, ولم تتوقف القوات المصرية عن إطلاق النار علي القوات البريطانية حتي نفدت آخر طلقة لديها, فاقتحمت الدبابات البريطانية الثكنات. وعندما طلب القائد المصري تطبيق معاهدة جنيف بشأن معاملة الجرحي في ساحة الحرب, رفض القائد البريطاني هذا المطلب إلا إذا اقترن ذلك بالموافقة علي استسلام القوات المصرية وتسليم أسلحتها, وبالطبع رفض القائد المصري ذلك حيث انتهت المعركة لنفاد ذخيرة قوات الشرطة المصرية ومع تشبثها بمواقعها رافضة تسليمها أو تسليم سلاحها, حتي كان أن أذعن القائد البريطاني لخروج القوات المصرية من معسكراتها كما تخرج الجنود منتصرة من ساحة الحرب, بل إن القائد البريطاني لم يجد أمامه رغم ذلك إلا أن يأمر رجاله بأداء التحية العسكرية لهؤلاء الرجال البواسل الشجعان. معركة اعترفت فيها صحف العدو ببسالة وشجاعة جنود الشرطة, فكتبت صحيفة الديلي ميرور في مقالها الافتتاحي صباح1952/1/26: إن حوادث25 يناير هي بمثابة الخزي والعار للشعب البريطاني, وقالت صحيفة التايمز أعرق الصحف البريطانية وأكبرها: كانت شجاعة نادرة أن يتصدي هؤلاء المصريون لثلاث كتائب من المشاة الانجليزية التي تعد من خيرة القوات فضلا عن المدافع والدبابات, كما قالت صحيفة مانشستر جارديان إن معركة25 يناير أسفرت عن مقتل42 جنديا من جنود الشرطة.. وأضافت أن القيادة البريطانية في منطقة القناة لم تتوقع أن يتخذ جنود الشرطة المصرية الموقف الذي اتخذوه, كما أشادت بالإعجاب الشديد الذي ساد القوات البريطانية إزاء بسالة القوات المصرية, لقد ردت قوات الشرطة المصرية بالاسماعيلية بقيادة النقيب مصطفي رفعت الصفعة صفعتين للبريطانيين. من ناحية أخري لقد مثل يوم الكرامة, يوم25 يناير1952, البداية الفعلية لجلاء القوات الانجليزية عن مصر, فقد كان مبني محافظة الاسماعيلية رمزا للحكومة المصرية بالاسماعيلية وممثلا للسلطة المصرية بها, وكان يعني إستسلام حاميته وتسليمه للقوات البريطانية استسلام الحكومة المصرية ذاتها, لذا فقد كان موقف الشرطة المصرية ورجالها الأبطال بداية انكسار للهيبة والجبروت وطغيان قوات الاحتلال البريطاني.