مصير السياسة الخارجية الأمريكية من الأسئلة الملحة عالميا في مرحلة ما بعد إنتخابات الكونجرس التي أطاحت بالأغلبية الديمقراطية . وحلت محلها أغلبية جمهورية في مرحلة دقيقة للوضع الإقتصادي الداخلي وجملة من ملفات القضايا الخارجية منها العلاقات مع الصين وحرب العملات وسلام الشرق الأوسط وحرب علي القاعدة في أفغانستان واليمن والصومال وعلاقة غير مستقرة مع باكستان وتوتر مع إيران وملفات اخري غير ملحة. بداية لن يطرأ تغيير كبير علي رئاسة اللجان المؤثرة في مجلس النواب ومنها لجنة الشئون الخارجية التي سوف تتولي رئاستها إيلينا روس-ليتنين( جمهورية من فلوريدا) وهي أقدم الأعضاء في اللجنة بينما هناك شبه منافسة حول لجان كبري مثل المخصصات والطاقة والتجارة والخدمات المالية وتحتفظ لجنة الشئون الخارجية بتركيبة تجمع ما بين النواب القدامي المخضرمين والأعضاء الجدد ومن بينهم نواب تيار' حزب الشاي' اليميني الفائز بعدد مهم من المقاعد في الشيوخ والنواب. المفارقة أن مجموعة كبيرة من نواب الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي' الكلاب الزرقاء' أو' بلودوجز' خسروا مقاعدهم في الولايات التي يسيطر عليها التيار المحافظ الجمهوري ليحل محلهم نواب من الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري وحزب الشاي. كما دفعت القيادة الجمهورية بعدد ملحوظ من النواب المحافظين' الجدد' في اللجان المتصلة بقضايا المهاجرين ولجان التشريع الرئيسية من أجل تنبي مواقف متشددة في مواجهة الأقلية الديمقراطية والإدارة بالنظر إلي وصول100 عضو جديد إلي الكونجرس وهو رقم لم يحدث منذ فترة ما بعد الركود العظيم في كونجرس عام1938- والتي شهدت وصول77 نائبا جديدا. والمعتاد في لجان الكونجرس المتصلة بالعلاقات مع العالم الخارجي هو الدفع في عضويتها بعدد أكبر من النواب القدامي ثم' تطعيم' اللجان بعدد أقل من النواب الحديثي العهد بالعمل التشريعي حتي يكتسبوا الخبرات اللأزمة. وتتخد روس-ليتين- من مواليد هافانا- مواقف حادة في عدد من القضايا مثل تخفيف الحظر الأمريكي علي كوبا وهو الموقف الذي كان يؤيده هوارد بيرمن رئيس اللجنة السابق في فترة الأغلبية الديمقراطية وأعلنت بشكل واضح ترحيبها بأي شخص يقدم علي إغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. كما قدمت روس-ليتين مشروع قانون للإصلاح المساعدات الخارجية يتضمن تقليص المساعدات للسلطة الفلسطينية والأممالمتحدة. والمعروف أن نائب فيرجينيا إريك كانتور اليهودي الوحيد المنتخب في صفوف الجمهوريين في مجلس النواب- سيصبح زعيما للأغلبية في الكونجرس الجديد ومعروف عنه تشدده في مسألة المساعدات الخارجية وهو ما سيترك أثرا علي توجهات السياسة الخارجية للجمهوريين بشأن الشرق الأوسط في الفترة المقبلة( يوجد في الكونجرس الجديد12 يهوديا في مجلس الشيوخ و26 نائبا ديمقراطيا وواحد فقط جمهوري في مجلس النواب). ومن المتوقع أن يكون الإشتباك بين الجمهوريين والديمقراطيين حول السياسة الخارجية ملحوظا في الفترة الأولي نتيجة عدم إنجاز الرئيس الأمريكي باراك أوباما الكثير في العامين الماضيين حيث مازالت الملفات المهمة مفتوحة ولم يحرز البيت الأبيض تقدما في مواجهة الطموح النووي الإيراني والكوري الشمالي بينما تعثرت الدفعة الأخيرة للوصول إلي إتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين رغم إلقاء أوباما بثقله في أول محادثات ثنائية بين الجانبين في سبتمبر الماضي. كما أن الرئيس الأمريكي رغم إعترافه وقناعاته أن الولاياتالمتحدة يجب ان تخرج من المستنقع الإفغاني سريعا- خشية مزيد من التورط في حرب هي الأطول في تاريخ التدخل الأمريكي الخارجي حتي الأن- إلا أن مساعيه للخروج من المأزق لا تروق للجمهوريين وإن كان موقف لجنة الشئون الخارجية تحت إدارة صقور الجمهوريين سيكون' مؤيدا' لموقف إدارة اوباما في أفغانستان فيما يتعلق بتقديم الدعم لخطة رفع تعداد القوات الأمريكية وتقديم الدعم المالي ويمكن أن يحدث توتر في ضوء الموعد النهائي الذي حدده أوباما للإنسحاب من افغانستان في الصيف المقبل. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية سوف يفرض التعثر الحالي في مفاوضات السلام المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين علي الجمهوريين في الكونجرس النظر في مجموعة من النقاط الأساسية والفرعية أهمها طلب السلطة الفلسطينية ربط مواصلة التفاوض مع إسرائيل بإلزام الولاياتالمتحدة لحكومة بنيامين نتانياهو بوقف الإستيطان. وتتوقع مصادر دبلوماسية إرتفاع وتيرة التوتر في حال لجوء الجانب الفلسطيني- بدعم عربي- إلي الأممالمتحدة للحصول علي إعتراف دولي من مجلس الأمن بعضوية الدولة الفلسطينية في المنظمة العالمية خاصة في ظل الموقف المتشدد والمشكك في دور الأممالمتحدة عالميا الذي يتبناه غالبية أعضاء لجنة الشئون الخارجية وعلي رأسهم النائبة روس ليتين كما ينتظر أن يثير الجمهوريون مسألة التمثيل الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ونقل السفارة الأمريكية للقدس في إطار المزايدة علي إظهار الولاء لإسرائيل في الفترة المقبلة وهو سلوك سياسي معتاد في الفترات التي تسبق الإنتخابات الكبري حيث ستشهد الولاياتالمتحدة خلال عامين إنتخابات الرئاسة والكونجرس معا. وفي ظل التوازن الدقيق في عمل اللجان سيحتفظ السناتور الجمهوري' المعتدل' ريتشارد لوجر- أقدم الجمهوريين في لجنة العلاقات الدولية بالشيوخ التي يرأسها السناتور الديمقراطي المعروف جون كيري- بموقع متميز كجسر أو قنطرة بين الديمقراطيين وصقور المحافظين في المجلسين خاصة بعد فوز أعضاء من تيار حزب الشاي بعضوية مجلس الشيوخ مثل ماركو روبينو النجم الصاعد من فلوريدا وراند بول من كنتاكي. وخطورة اللعبة المقبلة بين الإدارة والجمهوريين في المجلسين أن الجانبين يمكن أن يسهما في لعبة التسويف المستمرة بشأن مساندة قيام الدولة الفلسطينية. ويحدد ارون ديفيد ميللر المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط سلوك الإدارة الأمريكية في المرحلة المقبلة في حال طلب الفلسطينيين إعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية علي حدود1967 بالقول'الإدارة لن تحارب معركة الفلسطينيين في مجلس الأمن وسوف تستخدم حق النقض ضد هذه الخطوة لثلاثة أسباب وهي أن أمريكا تفضل ما يسمي ببراجماتية التفاوض بين الطرفين وستقول الإدارة الأمريكية إن الإجراء الفلسطيني سوف يدفع إسرائيل إلي إجراءات مضادة خطيرة والأمر الثالث أن الرئيس الأمريكي سيختار معاركه في الفترة القادمة بعناية شديدة حيث جماعات المصالح واللوبي طالما واجهوا الرؤساء من نيكسون وكارتر وحتي بوش الأب بشأن ما يخص أمن إسرائيل'. كما توجد قضايا عالمية ملحة تمثل تحديا للإدارة والجمهوريين في الكونجرس مثل معاهدة الحد من التسلح'ستارت الجديدة' فقد وقع أوباما معاهدة استراتيجية جديدة لخفض الأسلحة مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف لكنها تنتظر تصديق مجلس الشيوخ. وقال أوباما أن الحد من التسلح' ليست قضية الديمقراطيين أو الجمهوريين ولكنها مسألة الامن القومي الامريكي'. ويتطلب التصديق تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ أو67 وهو عدد يفترض أن يصل أوباما إليه بسهولة في مجلس الشيوخ الحالي. كما أن ميدان التجارة الخارجية هو أحد أكثر المجالات التي يمكن أن يعمل الكونجرس تحت غالبية الجمهوريين لصالح أوباما ويؤيد أوباما الموافقة النهائية علي ثلاث اتفاقيات معلقة للتجارة الحرة- مع كوريا الجنوبية وكولومبيا وبنما. ويقول المحللون أن الانتخابات قد تدفع البيت الابيض بالفعل لإعادة التركيز علي موقع القضايا الاقتصادية في السياسة الخارجية الأمريكية. وبالنسبة لقضية المساعدات الخارجية يمكن القول أن الكتلة الجديدة من المحافطين وحركة الشاي الرافضة لزيادة الانفاق الفيدرالي قد يسبب مشكلات لمجموعة واسعة من مساعدات التنمية وبرامج المعونة الإنسانية. المناورة في السياسة الخارجية بين الديمقراطيين والجمهوريين سوف تتوقف علي مساحة التعاون أو الخلاف في القضايا التي يدافع عنها الرئيس أوباما في الداخل الأمريكي نفسه مثل الرعاية الصحية والهجرة والطاقة وهي التي تمثل نقاط التوتر الكبري في العلاقة بينهما حيث يطالب الجمهوريون بالرجوع عن معظم ما شرع له الكونجرس في عهد الأغلبية الديمقراطية وهي التراجعات التي يريد الحزب الجمهوري والمحافظون أن يبعثوا من خلالها برسالة للأمريكيين أن أوباما لا يصلح لأكثر من فترة واحدة. في اصرار الجمهوريين علي رسالتهم ستكون السياسة الخارجية ضحية المواجهة! [email protected]