هناك أسباب عديدة لهذه الزيادات الفلكية وهذا الإنفلات المجنون في أسعار الخضر والفاكهة. ولكن يبقي أهمها في تصوري كما ألمسه من خلال عملي في قطاع الزراعة هو جشع تجار التجزئة الذين يبيعون المنتجات الزراعية بما يتراوح بين مثلين وأربعة أمثال أسعار الشراء من أسواق الجملة. كما أن المشكلة تكمن أيضا في أن الفلاح يتحمل نتيجة هذا الجشع بالسلب حيث يضطر لبيع محاصيله التي لاتتحمل التخزين والبقاء سليمة لأكثر من48 ساعة بأسعار منخفضة لاتتناسب مع تكاليف الزراعة الباهظة مما يؤدي إلي هجرة الفلاح والعمالة للأرض الزراعية بحثا عن أعمال أخري أقل جهدا وأكثر أمانا وأكبر دخلا. وهي معضلة خطيرة تهدد مستقبل الزراعة والأمن الغذائي في مصر تهديدا جادا وخطيرا. ولذلك فإن الحكومة مطالبة كما كان يحدث منذ حوالي عشرين عاما في حدود ضيقة للغاية. بأن تنزل إلي السوق كمنافس بإنشاء أكشاك خشبية ومحلات لبيع الخضر والفاكهة في مناطق عديدة بالمدن وعلي الطرق السريعة, ويتم تمليكها أو تأجيرها لخريجي الجامعات والمعاهد, وتكون تحت إشراف وزارة الزراعة حيث يتم توريد المحاصيل من المزارعين إليها مباشرة بأسعار مرضية وواقعية تتناسب مع تكاليف الزراعة المرتفعة علي أن تباع للمواطنين بهامش ربح في حدود35%. في عام1988 ومن خلال تجربة شخصية قمت ببيع محصول الكمثري بنفسي وليس عن طريق بيع المحصول كله علي أرضه. وكان متوسط سعر البيع في سوق الخضر في روض الفرج والحضرة بالإسكندرية خمسين قرشا للكيلو, وكان بائعو الفاكهة الذين يشترون المحصول بهذا السعر يبيعونه للمواطنين بجنيه ونصف الجنيه(3 أضعاف). ثم عرفت طريقي إلي أكشاك البيع الخشبية التابعة لكل من وزارة الزراعة بالدقي ومديرية زراعة الجيزة بشارع الهرم. وكان متوسط سعر الشراء من المزارعين سبعين قرشا للكيلو, ومتوسط سعر البيع للجمهور تسعين قرشا. أي أن بائعي الخضر والفاكهة يسرقون بالفعل كلا من المنتج والمستهلك!! إن الدولة مطالبة بتحمل مسئوليتها تجاه هذا القطاع الذي يعد بحق قضية أمن قومي, وذلك بتشريع قوانين وتوفير آليات لحماية المزارعين من تقلبات السوق لأي هزات وخسائر يتعرض لها الفلاحون, وهو المتبع في دول العالم الاول التي لاتسمح حكوماتها بتعرض مزارعيها لأي خسائر تؤثر علي هذا القطاع الحيوي والإستراتيجي. فلابد أن توفر لهم التقاوي المنتقاة عالية الإنتاج, والأسمدة الكيميائية المعتمدة, والمبيدات السليمة المختبرة( إحدي المشاكل التي يعاني منها الفلاحون اليوم هي غش المبيدات والأسمدة, بل ومع الأسف تلجأ بعض شركات المبيدات إلي تقليل نسبة المواد الفعالة في المبيدات لزيادة ارباحها!!. بالإضافة إلي الضرورة القصوي لتطوير البحث العلمي للوقوف علي أحدث طرق الزراعة والخدمة والمقاومة الكيميائية والبيولوجية. وإمداد المزارعين بالنشرات الزراعية المتخصصة للوقوف علي أحدث وسائل الزراعة والمقاومة, ومتابعة الزراعات في الحقول لإرشاد الفلاحين كما كان يحدث في الماضي. محمد سعيد عز