ماذا تفعل عند سماعك أن مكتبة جامعة القاهرة التراثية التي كانت منبرا لثقافة وتاريخ أمة منذ عام1932 لن تكون سوي مبني مقسم إلي أشلاء أقصد أجزاء؟! فقد أثير خلال الأيام الماضية أن جامعة القاهرة تستعد في الفترة المقبلة لتنفيذ قرار إخلاء المكتبة المركزية القديمة التي تحتوي علي300 ألف كتاب و20 ألف مخطوط وتقسيمها إلي ثلاثة أجزاء.. الأكبر منها لكلية الآداب لتحول قاعات الإطلاع العريقة إلي قاعات لندوات ومحاضرات الكلية, والجزء الثاني كمتحف للوثائق.. أما الثالث فسيحول إلي مكاتب لأكثر من250 موظفا يعملون في المكتبة, وحتي يتم هذا التقسيم سيعاد تخطيط المكتبة هندسيا من جديد ووضع حواجز من الطوب داخل هذا المبني التاريخي.. كلام كثير قيل ولا يزال يقال حول هذا الموضوع يجعلنا نشعر بالمرارة.. ولكن أين الحقيقة؟ لذا كان علينا أولا قبل أن نشير بأصابع الاتهام أن نبحث جيدا حول وضع المكتبة الحالي ونتحقق من صحة القرار وصحة ما قيل عن امتناع موظفيها من تنفيذه, وما هي حالة كتب ووثائق المكتبة القديمة اليوم, لذلك قمنا بجولة بالمكتبة المركزية القديمة, وكانت هذه الخطوة أسهل مما توقعت حيث لم أجد أحدا يستوقفني عند دخولي المبني ويسألني من أنت.. أو ماذا تريدين فأخذت أتجول بدون أي قيود, علي الرغم من جمال وعراقة المبني الذي يضم ثروة ثقافية لا تقدر بثمن إلا أن المكان يفتقر للحياة ويحتاج إلي المزيد من الاهتمام والرعاية بشكل يليق بمكتبة من أقدم مكتبات مصر والشرق الأوسط, وكان الشيء اللافت للنظر أثناء جولتي داخل المبني إغلاق إحدي الغرف بالشمع الأحمر, مما زاد من شكوكي حول ما قيل بأن أمهات الكتب حبيسة دون تهوية وأن سوء عملية التخزين سوف يعرضها للتلف وأن هذا الكلام قد يكون صحيحا. ولمعرفة حقيقة الموضوع توجهت بعد ذلك إلي الأستاذة هناء السرجاني مدير عام الإدارة العامة لمكتبات جامعة القاهرة التي وافقت بعد تردد كبير علي الحديث معي بعد أن كان الإعلام أحد أسباب تضخيم المشكلة خلال الفترة الماضية. هذه المكتبة قد انفردت منذ تأسيسها بسمات خاصة وظروف ربما لم تتح لغيرها إذ توالت عليها الهبات والهدايا من الهيئات العلمية في الداخل والخارج, وتلقت مجموعات كبيرة وقيمة من الكتب المطبوعة والمخطوطات والدوريات العربية والأجنبية والخرائط والبرديات والأحجار الأثرية والمعاجم والمراجع العامة والمتخصصة والموسوعات, وحصلت علي مجموعات من الكتب النفيسة والنادرة ذات القيمة العلمية, وكان ذلك عن طريق الإهداء والشراء كمجموعة الأمير إبراهيم حلمي ومجموعة الأمير كمال الدين حسين التي أهديت إلي الجامعة وأغلبها في الأدب والجغرافيا والرحلات, كما أهديت للمكتبة مجموعات عديدة ومؤلفات نفيسة باللغات المختلفة, وغيرها من الثروات التي تضيف إليها الإدارة للمكتبة كل عام لإثراء كتب التراث.. أما الكتب الحديثة والتي يرجع تاريخها لما بعد الخمسينيات, فهي من اختصاص المكتبة المركزية الحديثة, فمنذ أن أفتتحت المكتبة المركزية الحديثة وأصبحت القديمة مكتبة تراثية والإدارة العامة والعاملون شغلهم الشاغل هو وضع خطة لإعادة فهرسة وتصنيف المقتنيات, حتي أن العاملين قاموا بإنشاء موقع علي نفقتهم الخاصة لإتاحة هذه الكنوز للباحثين. وحول حالة الكتب والمقتنيات داخل المكتبة.. وهل هي حبيسة بشكل يعرضها للتلف.. وما هي حقيقة الغرفة المغلقة.. قالت هناء السرجاني: أثناء عملية الفهرسة والتصنيف وجدت كتبا تحتاج إلي التجليد وأخري إلي الترميم, وهناك عروض مقدمة من بعض المؤسسات ويجري دراسة هذه العروض. أما بالنسبة لأمهات الكتب, فهي ليست حبيسة بل متاحة للقراء, هناك فقط غرفة مغلقة بمعايير ومواصفات خاصة تضم نحو20 ألف مخطوط, لقد قررت الجامعة أثناء افتتاح المكتبة المركزية الحديثة بالاحتفاظ بهذه المخطوطات الأثرية حرصا منها علي المقتنيات من التلف. ليس هناك مجال لسرقة أو تلف الكتب والمخطوطات, فنحن نحافظ عليها بشكل جيد داخل المخازن. وحول ما يحدث وما حدث بالفعل بشأن قرار مجلس الجامعة بخصوص المبني القديم تحدث إلينا الأستاذ الدكتور شريف شاهين رئيس قسم المكتبات والوثائق والمعلومات ومدير المكتبة المركزية الجديدة لجامعة القاهرة قائلا: حدث في الفترة الماضية مجموعة من المغالطات وسوء الفهم فيما يتعلق بقرار الجامعة.. القرار كان واضحا بأن المبني سيظل يحتفظ بهيئته وعلاقته التاريخية التراثية ولن تقوم الجامعة بأي تغير يسيء له.. بالعكس سيخضع المبني لعملية ترميم كاملة من الداخل والخارج من قبل شركات متخصصة. المكتبة ستظل كما هي, ولكن بمسمي المكتبة التراثية أو التذكارية, ولن تحول لأي شيء آخر كما قرأت أو سمعت. وحول القرار وسبب الزوبعة المثارة تحدث الدكتور شاهين.. وقال: كان المبني في القدم يخضع لكلية الآداب وهو بالفعل واحد ضمن المباني الملحقة بالكلية منذ البداية عام1932 وحتي تقريبا منتصف السبعينيات كان يطلق عليه مكتبة كلية الآداب إلي أن وضع مقر مكاتب الإدارة العامة لمكتبات الجامعة في هذا المبني, فمنذ ذلك الوقت وهذه الإدارة المعنية بكامل مكتبات كليات ومعاهد جامعة القاهرة كائنة في مبني التراث القديم.. ومازالت موجودة. قرار الجامعة واضح سيظل المبني كمكتبة, ولكنه سيصبح مكتبة تراثية.. أو تذكارية.. وليس كمكتبة مركزية. ستبقي داخل المبني مكاتب الإدارة العامة كما هي, هذه المكاتب نفسها التي سمعنا أنها من كلية الآداب, هذه المكاتب ليس لها صلة بكلية الآداب ولا العاملين بها, وهذا أول خلط. القسم الثاني للقرار أن تعود مكتبة كلية الآداب من البدروم في الملحق للمخازن التي نفتخر ونعتز بها في المكتبة التراثية. القسم الثالث يتم تجهيز متحف للحفاظ علي الكنوز والمخطوطات العربية والفارسية والتركية التي حافظت عليها الجامعة منذ100 عام, ويعد هذا المتحف امتدادا لمتحف الجامعة. وقد وضعت هذه المخطوطات الثمينة داخل إحدي الغرف المغلقة بالشمع الأحمر لحين تجهيز المتحف لأن هناك روادا يدخلون المبني القديم, لذا تم تجهيز وتبخير وتعقيم الغرفة من قبل لجنة متخصصة من كلية الآثار. وقد أكد دكتور شريف شاهين بأن المكتبة ستظل تحتفظ بمقتنياتها وبشكلها المعماري وسوف تقام فواصل لعزل المتحف عن رواد المكتبة وموظفي الإدارة للحفاظ علي المقتنيات الثمينة. لابد أن يخضع المبني لعملية التنظيم والترميم من أجل الحفاظ عليه وعلي مقتنياته التي سيعاد وضعها في وحدات متحفية مؤمنة. ومن وجهة نظري يجب أن نسرع بعملية الترميم.