أرسل لك ياسيدي هذه الرسالة لمن لا يرضي عن حياته وظروفه.. ليتأسي بها ويحمد الله علي ما مر به من ظروف مهما كانت.. فكل فرد فينا عندما يري ظروف غيره يرضي بما قسمه الله له. أنا شاب في الثلاثينيات من العمر أسكن في إحدي المدن الساحلية, بعد التخرج التحقت بوظيفة حكومية وأثناء العمل حصلت علي دراسات عليا, ولكن وجدت أنني لابد أن أبدأ حياتي المادية العملية الحقيقية, بالإضافة إلي أنني لا أحب التقييد, لذا حصلت علي إجازات سنوية وبدأت بالعمل الفعلي بالتجارة.. بدأت بخمسمائة جنيه فقط, ومع الوقت والتقدم في العمل وفقني الله في تكوين رأسمال جيد جدا بعد كفاح مرير جدا. أثناء ذلك وفقني الله وتزوجت, ثم بدأت الابتلاءات.. فبعد فترة من الزواج وتأخر الإنجاب أخبرني كل الأطباء بأنه من المستحيل حدوث حمل وولادة والعيب من جانبي.. فلم أجد غيره سبحانه وتعالي ألجأ إليه فلم يردني والآن رزقني الله بثلاث جواهر والحمد لله. واستمرت الحياة والعمل والكفاح.. أتحمل المنافسين في العمل من ناحية, وأتحمل ما يحدث من المقربين جدا لي من حقد وحسد دائمين ورغبة قوية منهم في إنهاء حياتي العملية بصورة غير مباشرة وغير مبررة.. وأولهم زوجتي وانا بالطبع أتحمل وأتحمل سنين وراء سنين. ومع مرور الوقت تقدمت في عملي وأصبح لي فروع عديدة ومصالح أخري في مجالات أخري.. ومع كل ذلك حياتي كلها عبارة عن شيئين فقط: الأول عبادة الله والتزامي بكل فروضي دون تزمت, والثاني التركيز في عملي مع مساعدة كل من يستحق وأيضا من لا يستحق عملا بالمثل القائل اعمل الخير وارمه في البحر وأيضا صاحب العمل الخير قال ياريتني كترت منه وصاحب العمل الرضي قال ياريتني ما عملت وهذه كانت حياتي فضلا عن الحديث اعمل المعروف في أهله وغير أهله. وفي خلال عام واحد حدث ما لا أحد توقعه بداية من مرض أولادي الثلاثة مرورا بعدم القدرة علي الحج قبل الوقفة ببضعة أيام بسبب حصول شركة السياحة علي اموال الحجيج واختفت.. وصولا إلي خيانة أحد الشركاء في أكبر صفقة, فضاع معها الكثير, ثم سرقة فرع من الفروع, ثم توقف العمل في فرع آخر.. وفجأة توقف العمل.. حمدت الله وصبرت وحاولت الوقوف مرة أخري في السوق ولكن ظروف الركود والكساد الاقتصادي واهتمام الناس بالحاجات الأساسية أكثر.. ساعد علي عدم العودة مرة أخري. فضلت أن أساوي كل أموري المالية بحيث لا يوجد أي ديون علي عاتقي وأن أعطي لكل ذي حق حقه ولم يعد يوجد أي ديون لأي فرد.. وبالطبع كلما حدث أمر مثل ما حدث أحمد الله وأصبر وأتذكر الحديث القدسي صبوا عليه العذاب فإني أحب أن أسمع صوته وهكذا.. وطبعا ذلك كله تبعه هروب كل الأصدقاء وتذمر الأقارب, وما أحزنني توقفي عن مساعدة من كانوا ينتظرونني شهريا.. ولكن لهم رب اسمه الكريم.. وبالطبع تبعه تذمر زوجتي الشديد وغضبها الدائم وعدم تحملها للوضع الجديد.. هي وغيرها. بالطبع مع هذه الظروف اضطررت للرجوع إلي العمل في وظيفتي الحكومية وما عانيت منه من كل النواحي من قلة الدخل مع الروتين والقيود, بالإضافة إلي الحرج الدائم من أشخاص كانوا في يوم ما موظفين عندي ومن شابههم.. ومؤخرا بدأت الحياة تسير, فحدث لي حادث مؤلم جدا وضياع آخر حاجة كنت املكها وكانت باقية من أيام العمل الجميلة وهي سيارة حديثة جدا.. لقد انتهت تماما وسط دهشة المحيطين وعدم اهتمام الكثير منهم.. فقد تعودوا علي حدوث كثير من الانتقام لي, عند غير المحبين وابتلاءات, عند المحبين. سيدي الفاضل قصدت أعرض مقتطفات من حياتي لكي يقرأ ذوو البلايا ويعرفوا انهم ربما أفضل حالا مما أنا عليه.. وما أنا عليه الآن هو فضل ونعمة من الله.. هو حال عزيز قوم.. لكن لم يذل إلا لله وحده.. اللهم اني عبدك الذليل وأنت العزيز وهل يرحم الذليل إلا العزيز, إلهي انا الفقير وأنت الغني وهل يرحم الفقير إلا الغني, إلهي انا العبد وأنت الرب وهل يرحم العبد إلا الرب.. سيدي الفاضل: ارجو أن أكون ساعدت من أقرأ مشاكلهم في بريدك الأسبوعي بأن يعلموا أن رحمة الله واسعة وفرجه قريب إن مع العسر يسرا ما يحدث لنا الآن هو الخير لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع, ولا أسألكم مساعدة ولكن أسألكم الدعاء بأن يرفع عنا الله جل جلاله الإصر والبلاء وأن يرزقنا العفو والعافية وأن يرزقنا من عنده بكرمه وفضله بوظيفة مناسبة ذات دخل مناسب من خلال عمل شريف وحلال وليس به أي شبهة.. والله الموفق, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. * سيدي.. كثيرون يغفلون عن أن ما بين أيديهم أو ما يكنزون قد لا يكون لهم, هم فقط مؤتمنون عليه, وليس رزقهم, فالرزق, كما في المال, في الصحة والمرض, في الأصدقاء, والأعداء, في الأزواج والأبناء. فإذا وعينا بهذا وسلمنا به لاسترحنا, وتعاملنا مع الحياة بما تجود, راضين بخيرها وشرها. ففي سورة الإسراء يقول سبحانه وتعالي: وإذا أنعمنا علي الانسان أعرض ونأي بجانبه, وإذا مسه الشر كان يئوسا, قل كل يعمل علي شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدي سبيلا, وها أنت سيدي من الصابرين المحتسبين. وحواري معك الآن ليس لك فأنت ممن نقتدي بهم ونحتسبك ممن قال فيهم الله في كتابه الحكيم: سلام عليكم بما صبرتم, فنعم عقبي الدار, ولكن كلامي إلي الذين لا يتحملون ما ابتلاهم الله به فيعلنون يأسهم وينتظرون الموت بل يترجونه بدلا من مواجهة نوائب الحياة. فليس الشقاء أن تكون أعمي, بل الشقاء أن تعجز عن احتمال العمي, كما قال الشاعر والفيلسوف جون ميلتون. إن تحمل المحن الصعبة, هو تطهير للروح والبدن والطريق الشاق إلي حصد المنح لمن يرضي ويصبر ويكون من الشاكرين.. لذا فإني أتعجب كثيرا من الذين يلقون بأنفسهم في الماء قبل أن تغرق السفينة, فلو صبروا وجاهدوا ربما أصلحوا السفينة ونجوا وأنقذوا معهم آخرين. من يتجاهل قسوة سريره ينم جيدا هكذا قال الحكماء قديما, فالتصالح مع الواقع المؤلم والبحث عن فرص للحياة معه, أجدي من البكاء عليه, فاستدعاء الألم وتأمله والاستسلام له لا يجلب إلا الألم واليأس, أبعدهما الله عنكم جميعا. وإلي لقاء بإذن الله.