حدثان فنيان اجتمعا في توقيت واحد علي ارض عروس البحر المتوسط مدينة الاسكندرية, كانت المصادفة وحدها وراء اجتماعهما, ولكنهما جاءا علي النقيض, حدث نجح نجاحا كبيرا, والآخر كنا نتوقع له النجاح في هذه الدورة. فقد تمثل النجاح في الحدث الاول وهو بينالي مكتبة الاسكندرية الأول للجرافيك القطع الصغيرة تعاملت معه مكتبة الإسكندرية باحترافية شديدة, وقدمت خلاله اعمالا ابداعية عالية المستوي ونجحت المكتبة في اختيار الفنانين والاعمال المعروضة, وسوف نفرد في مقال قادم بإذن الله للحديث عن هذا المعرض كي نوافيه حقه في العرض والتحليل. الحدث الذي كما نأمل له النجاح الذي شهدته مدينة الإسكندرية وهو بينالي الإسكندرية الدولي في دورته الخامسة والعشرين, والبينالي برغم عراقة تاريخه حيث تأسس منذ45 عاما في1955, بافتتاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر له في دورته الاولي إذ يعد ثاني اقدم بينالي في العالم بعد بينالي فينيسيا بإيطاليا1895, جاء دون المنتظر منه في دورته الجديدة من حيث مستوي الاعمال المعروضة والتي لاتليق بالحدث واهميته, ولابتاريخ المكان, فقد يقول قائل: ان الزمن يتغير وان التجديد والتكنولوجيا يفرضان ذلك لكن كل هذا لايلغي ان الابداع في الفن سيظل هو الاساس وليس العبث. ان البينالي لم يراع الدقة في اختيار الاعمال, فجاءت في مجملها دون المستوي اللائق, حتي الاعمال الفائزة بجوائز البينالي اثارت العديد من علامات الاستفهام حول الضوابط والقواعد الحاكمة لعملية الاختيار, وارجو ان يراجع الفنانون علي سبيل المثال عمل الفنانة المغربية الفائزة بإحدي الجوائز, بينما كانت هناك اعمال اخري تمتاز بالجدية مثل عمل الفنانة الليبية والجناحين الاسباني والايطالي. وجاء بينالي الإسكندرية في دورته الخامسة والعشرين التي شاركت فيه17 دولة من دول حوض البحر المتوسط, و33 فناناحاملا شعار ماذا بعد؟!, الذي يطرح تساؤلا: ماذا بعد صدام الحضارات الذي يشهده العالم؟ وماذا بعد الخروج من عباءة التاريخ الي فضاء العولمة؟.. وبدوري اطرح تساؤلا آخر وهو: كيف يقام بينالي الإسكندرية دون ان يشارك فيه فنان سكندري واحد؟, وكيف لايكون هناك فنان سكندري ضمن ضيوف شرف المهرجان؟. وضيفا شرف البينالي هما الفنان الايطالي مايكل أنجلو بيستوليتو الذي قدم عرضا لتحطيم المرايا احدث دويا هائلا وهو ينتمي لاتجاه آرت بوفيرا في ايطاليا, ويعد سليل بوميدورو, وجورجيو موراندي اللذان سبقاه في السعي إلي عرض اعمالهما في دورات بينالي الإسكندرية المتعاقبة. اما ضيف الشرف الثاني للبينالي فكانت الفنانة الفلسطينية سها شومان التي فازت بالجائزة الشرفية عن فيلم فيديو إنني في كل مكان الذي يحمل ذكرياتها عن الارض المحتلة. وتكونت لجنة التحكيم من: فوميو نانجو اليابان رئيسا, وعضوية كل من: هديل نظمي مصر, وريان عبد الله العراق, وانييلا جيو البرازيل, وإليزابيث هانسن الدنمارك, وإميلي دوهرتي بريطانيا, وجيمس هاريتاس الولاياتالمتحدة, ود.محمد أبوالنجا قوميسيرا عاما. وقد فاز بالجائزة الكبري لبينالي الإسكندرية منار الإسكندرية الفنان وائل شوقي وذلك عن عمله المركب والفيديو الذي حمل عنوان الحملات الصليبية الذي أراه اقل كثيرا من تجربة مشروع التخرج في الكلية. كما فازت الفنانة دوريس بيطار ممثلة لبنان في البينالي بجائزة عن عملها المركب الشرق في عين الغرب, وهو عبارة عن بعض الخرائط الورقية والاخري مركبة بطريقة الكولاج, وبعض الصور الكلاسيكية القديمة بالابيض والاسود المعلقة علي جدران القاعة ولم تستخدم بها اضاءة صناعية. ومن المغرب فازت الفنانة امينة بن بوشتي عن عملها المركب الأسرة, وهو عبارة عن مجموعة كبيرة من الاسرة الصغيرة المصنوعة من المعدن وتتشابه كلها من حيث الحجم والشكل, وتنتشر علي الارض في مجموعتين غير متساويتين في ترتيب منتظم, وفي الحائط المقابل رسمت الفنانة باللون الابيض سريرا وشيئا يشبه الطربوش او الأباجورة بطريقة عبثية. والجائزة الثالثة كانت من نصيب الفنان الفلسطيني تيسير بركات وذلك عن اعماله الفنية الصغيرة المعالجة بخامات من الطبيعة كالرمال, وعودة الي التاريخ والإنسان الاول, وصاحبت هذه الاعمال قصائد شعرية تشبه الخواطر النثرية علقت تحت الاعمال مباشرة. وقد اعطت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة للفنانة التونسية نادية كعبي عن عملها المركب لاتلقها في قاعة صغيرة مستطيلة استخدمت فيها شكل الكتابة العربية باللون الرمادي علي جدار قاعة بيضاء فيه استدعاء لمشهد الكتابة علي الجدران في شوارع العالم. وجاءت مشاركة الجناح الإسباني في البينالي متميزة كعادتها ومحتكرة الصدارة, كما تعودت علي مدي دورات البينالي السابقة, فنجد الفنان الإسباني ماليريانو لوبيز يسجد مأساة الهجرة غير الشرعية, في عمل ينتمي لفن التجهيزات يجسد في دراما شاعرية سفينة شراعية تحمل علي متنها جماعة من الافارقة يحملون مأساتهم, وتبدو السفينة عائمة علي بحر من الاسطوانات يجسد خريطة افريقيا. اما الفنان رومو لوريو فيجسد في دراما سوداء صراع الحضارات متمثلا في سجني جوانتانامو وأبوغريب, حيث ظلم الانسان لاخيه الانسان بضراوة ووحشية. وقدم الفنان المصري محمد عبلة بالمشاركة مع الفنانين صباح نعيم وهاني راشد عرض ما بعد الفردية والذي جاء دون المرجو منه, فهو عرض ينتمي لفن البوب تجهيز في الفراغ لكننا نفتقد فيه المتعة البصرية والدراما, وهو اشبه بفرح شعبي ساذج وكانت النقطة اللافتة في البينالي هي انحصار جوائزه في الفنانين العرب, بالرغم من وجود اعمال اخري عديدة تتجاوز قيمتها الفنية تلك الاعمال التي حصلت علي الجوائز. ولايفوتنا أن نثني علي أعمال التجديد التي تمت لمتحف الفنون الجميلة ومديره الفنان د.مصطفي عبدالوهاب. بقي شيء أخير وهو: كيف يتم ازالة تمثال الفلاحة لمحمود مختار الذي توسط حديقة المتحف قرابة ستين عاما ليستبدل بتمثال صليبي لايمثل لنا شيئا, وذلك تحت دعوي التجديد.