لقد من الله علينا وهو الذي علم الإنسان ما لم يعلم, وعلم آدم الأسماء كلها لكي يكتشف الكون ويعرف قوانينه السرمدية, وجعلنا أي البشر أعلم بشئون دنيانا أي لدينا القدرة والعقل والحكمة لكي نفكر ونتفهم ونفسر وندبر, فأعطانا أخيرا نعمة التواصل بين الكتاب والقراء من خلال شبكة المعلومات العالمية. مثل ذلك كان ثورة عظمي, فمن سبقنا من الكتاب والمحللين كانوا يرسلون رسائلهم إلي فضاء مخيف لا يعلمون معه كيف كان رد فعل القراء, وكيف كان تأثير الفكرة, حتي عندما كان بعض القراء يكتب خطاباته إلي الكتاب كان ذلك عددا محدودا من أصحاب الرأي أيضا. الآن أصبح عائد الكتابة فوريا, يأتي في صورة تعليقات مباشرة, وأحيانا تأخذ شكل مقالات مطولة باللغتين العربية والإنجليزية أيضا حيث تواصل المصريون في مشارق الأرض ومغاربها حتي إنهم أحيانا يتركون الموضوع الأصلي للمقال ويتبادلون الآراء فيما بينهم. وفي البداية فإن الشكر واجب لكل من يعلق علي مقالاتي سواء كان التعليق سلبا أو إيجابا, مدحا أو قدحا, أو بين كل هذا أو كل ذاك; فالمهم كما قال لي أستاذي الدكتور بطرس بطرس غالي في بداية طريقي إلي الكتابة إن المهم هو الاهتمام وليس القبول, فالقارئ الذي يقتطع من وقته ما يكفي للقراءة ووجد فيما قرأه ما يدفعه دفعا إلي التعليق كتابة, هو المكافأة الحقيقية لمن يكتب. كما أن الاعتذار واجب, ليس حول ما أكتبه ولكن عن عدد من الأخطاء التي وقعت فيها دون قصد وأولها ما جاء في رسالة أحد القراء حول مقالي20 مليون جهاز تكييف من خطأ حينما ذكرت أمرا عن العطل المفاجئ في الخط الكهربائي سمالوط القاهرة 500 كيلو فولت أمبير و صحتها كما جاء من القارئ الكريم 500 كيلو فولت بدون كلمة أمبير; فالكيلو فولت وحدة قياس الجهد( الضغط) الكهربائي أما الكيلو فولت أمبير فهي وحدة قياس ما يسمي بالسعة الكهربائية. أما الخطأ الثاني فقد كان في مقال الأسبوع الماضي بعنوان فكر الفقر وفقر الفكر حينما سقط سهوا كلمات جعلت متوسط نصيب الفرد يزيد من الناتج المحلي الإجمالي من19.6% إلي21.6%; والصحيح أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قد تزايد علي الرغم من زيادة نسب الفقر في مصر من19.6% إلي21.6% خلال الفترة من عام2008 إلي2009, فالفقر هو الذي زاد بهذه النسبة, أما زيادة نصيب الفرد فقد عادت إلي ارتفاع الناتج المحلي بما هو أكبر من الزيادة السكانية. ودون أن يعد التبرير خصما من الاعتذار, فإن الأمر يعود أحيانا لمصادر المعلومات المأخوذ منها, وأحيانا أخري فقد لا يغني حذر من قدر, فقد تم تصحيح المعلومة الأخيرة بالفعل, ولكنها ظهرت بعد الطبع علي حالها لأن النسخة غير المنقحة هي التي كانت قد استقرت بها الحال ساعة الطباعة. وبعد الشكر والاعتذار والتهنئة بعيد الفطر المبارك, فإن الخلاف مع جماعة من القراء يدور في أحيان كثيرة حول رغبة كامنة في تحديد الموقف من قضايا متعددة يجري حولها النقاش والحوار والشجار في منتديات إعلامية شتي. ولهذه القضية أكثر من جانب أولها أن الموضوع الذي يطرح في الأهرام ليس كالذي يطرح في وسائل أخري قد تري في الاهتمام ما يكفي, وفي الإثارة ما يرضي, وفي طرح اختلاف الآراء ما يفيد; ولكن عندما تكون الصحيفة قومية فإن البناء هو الهدف والمبتغي. ولذا فإن القضية ليست إظهار العيوب, وإنما التساؤل حول ما الذي جعل هذه العيوب والأخطاء والخطايا باقية, وما هو تفسير بقائها علي حالها, وهو المقدمة للبحث عن طرق العلاج الممكنة. القضايا هنا ليست ترفا يستخدم في الإحراج أو المزايدة السياسية, وإنما هي متعلقة بوطن وشعب لا يطلب منا أقل من إضاءة شمعة حينما يكون الظلام حالكا. وثانيا إن المقال بدوره مساحة, وعدد محدد من الكلمات, وعلي الكاتب هنا أن يحدد موضوعه, ويعرف قضيته, وكلما كان ذلك سلسلا وسهلا, وممتعا ومثيرا أيضا, كان ذلك إضافة وجذبا للقارئ. ولكن المستحيل بعينه هو أن يكون كل مقال منشورا سياسيا أو اقتصاديا يبدأ فيه بالإدانة والسخط واللطم علي الخدود, ثم تحديد موقف من كل القضايا المثارة من أول نزاهة الانتخابات حتي بيع الغاز لإسرائيل, وبعد ذلك يجد بضعة سطور للقضية المطروحة. المسألة هنا خاصة بالنسبة لي أن الموقف من القضايا المعروضة مثل قانون الطوارئ, والدستور, والانتخابات, والفساد قد تم تحديدها, بل تم ترتيبها في مقالات أخري, بل صدرت فيها كتب كاملة, ولا يمكن إعادتها كاملة, إلا لمن كان من القراء محترفا للملل, في كل مقال لأن ذلك ببساطة سوف يغفل حقا هاما للقارئ وهو أن يحصل علي تحليل وتفسير وربما تدبير للقضية المطروحة. وثالثها تهمة الانحياز للحزب الوطني الديمقراطي, وهي تهمة تستخدم أحيانا للخروج عن الموضوع المطروح بحيث لا يعقبها تعليق أو رد, وهي من ناحية تغفل التنوع الهائل داخل الحزب سياسيا واقتصاديا, كما هي الحال في الأحزاب الجماهيرية ذات القاعدة الواسعة سواء نتيجة الإيمان أو المصلحة. ولكن من ناحية أخري فإن القضايا المثارة هي قضايا مصر كلها وليس الحزب الوطني أو غيره من الأحزاب, ومن يتابع المواقف والأفكار المطروحة فيها سوف يجدها ممتدة كتبا ومقالات وأحاديث تليفزيونية وندوات ومؤتمرات وغيرها من وسائل التعبير وكلها تدور حول الديمقراطية, واللحاق بالعصر, والتنمية, والحرية والعدالة, والتحول إلي اقتصاد السوق في الداخل, والسلام والحفاظ علي الأمن القومي المصري في علاقاتنا الخارجية. كل ذلك جري قبل الالتحاق بالحزب الوطني الديمقراطي في عام2003 لأنه الحزب الذي يتيح الفرصة ليس فقط للاختلاف داخله, ولكن لأنه الحزب الذي يتعامل مع كل القضايا المصرية من زاويتها العملية وقدرتها علي التطبيق وتحويل الأفكار إلي واقع, كما أنه الحزب الذي يحافظ علي استقرار البلاد ورفض دفعها دفعا لكي تكون مثل الكثير من البلدان التي تجاورنا ويمزقها العجز والفشل. صحيح أن الحزب قد يكون أبطأ أحيانا مما يجب, ومترددا أكثر مما يلزم للبحث والتروي, ولكنه أيضا الحزب الذي قاوم الاستدراج إلي معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل, وهو الحزب الذي يري أن تواكب حركته الإيقاع العام للجماعة الوطنية. ورابعها الانحياز للأغنياء وهي تهمة لا أنفيها, متأسيا في ذلك بقول الرسول صلي الله عليه وسلم من أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف; وكذلك فإن اليد التي تعطي خير من اليد التي تأخذ. وأصل القضية هنا هو الخلاف في الفلسفة السياسية والاقتصادية حول الإجابة علي السؤال: ما أساس قوة المجتمعات؟ وتراوحت الإجابة بين الذين يرون, وأنا منهم, أن الأصل هو تكوين الثروة, وآخرين, لست منهم, يرون أن الإجابة هي توزيع الثروة القائمة. الأولون يركزون دائما علي الاستثمار, وتنمية الثروة بالصناعة والتجارة والزراعة والخدمات وكل ما ينشئ وظيفة ويخلق عملا ويقدم فائضا ويوفر موارد ويغير الأرض من جدب وبوار, إلي زرع وحصاد وإنتاج ودخل وثروة. والآخرون تشغلهم قضية الغني والفقير, وحلها في العادة أن يكون الجميع فقراء من خلال التوزيع ليس فقط للثروة من خلال سياسات للدعم والمعونات والمنح, وإنما أيضا توزيع العمل فما يقوم به فرد, يقوم به عشرة, وما يكفي من الوقت ساعة لإنجاز أمر, يتحول إلي أيام حتي يعطي الجميع فرصة. الأولون يرون أن صلاح الوطن يكون بالاستثمار ثم الاستثمار, فلا تترك أرض أو بحر أو سماء في بر مصر دون استغلال أو تنمية, وبذلك تزيد مصر منعة, وتتفوق علي إسرائيل, وتقضي علي التطرف, وترفض عجرفة القوي العظمي, يكون لها مكانة بين الأمم في الأرض, وأخيرا فإنها الطريق الوحيد للديمقراطية حيث تنمو الطبقة الوسطي ويشتد الوعي بالناس. والآخرون لا يرون في المصريين إلا طابورا طويلا من البؤساء الذين تتوقف سعادتهم علي مدي عدالة توزيع البؤس بين الناس, ومن ثم فإنهم يحلمون كثيرا بالمستبد العادل, الذي يوزع ما هو متاح بالعدل والقسطاس, ولا بأس بعد ذلك من التسليم له مادام يكفل حدا أدني من العيش يكفيه دورة حياة طبيعية. الثروة هنا في الحالات المتطرفة تهديد للزهد والعفاف, ومصدر أساسي للفساد, حتي باتت كلمات مثل الغني, وغني, والثروة, وتراكم رأس المال من المفسدات. وأخيرا الموقف من ثورة يوليو, ومن تاريخ مصر المعاصر, وفي مصر مدرستان: الأولي لا أنتمي إليها وهي تلك التي تري في الثورة أساس النظام المصري كله, ومن ثم فإن ما سارت عليه والفترة الناصرية بالذات هي الأساس الذي لا ينبغي الحياد عنه في سياسات مصر الخارجية. والثانية هي تلك التي تري في الثورة مرحلة آن لها أن تصل إلي نهايتها كما هي الحال في كل الثورات بعد أن قامت بدورها المؤهلة له في تاريخ مصر. ولكن التاريخ لا يبقي علي حال, وكما تغيرت الدنيا والتكنولوجيا والنظام العالمي, ولم تعد مصر علي حالها التي كانت عليها ويكفي أنها زادت ثلاثة وأربعين مليونا خلال الأعوام الثلاثين الماضية, أي ضعف ما كانت عليه عام1980, فقد آن أوان التغيير الأعظم إلي مرحلة أخري من تاريخ البلاد. وياعزيزي القارئ هذا هو الشكر والاعتذار والرأي, ولا تنس في النهاية أن ما تقرأه هو اجتهاد بقدر ما وهب الله من علم ومن حكمة, ولا تنس أبدا أن الخلاف لا يفسد للود قضية, أو هكذا يشاع حتي لو كان الواقع أمرا آخر!!. [email protected]