ما بين التخبط والغموض والمناورة تنحصر استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما للحرب في أفغانستان, ففي الوقت الذي أعلن فيه أوباما يوليو2011 موعدا رسميا لبدء الانسحاب. شكك مسئولون عسكريون أمريكيون في إمكانية الانسحاب في ذلك الموعد معتبرين أنه غير ملزم فبعد ساعات قليلة من إعلان أوباما انتقد قائد البحرية الأمريكية الجنرال جميس كونواي تحديد الرئيس الأمريكي لموعد الانسحاب من أفغانستان معتبرا أن ذلك سيعطي مسلحي طالبان الأمل في الفوز بالحرب وأنه سيمنحهم قوة وأكد أن القوات الأفغانية لن تكون جاهزة قبل بضع سنوات علي الأقل لتحل محل قوات الناتو في تولي مسئولية الأمن في ولايتي قندهار وهلمند وأعرب عن اعتقاده أن استراتيجية أوباما للحرب في أفغانستان قد تستلزم مناقشة مستفيضة من أجل تطبيق هذا القرار وأنها تحتاج إلي الشرح للأمريكيين حول أهمية المهمة الأمريكية وعدم تمكين القاعدة من اكتساب موطيء قدم هناك. وجاء تعليق قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس علي إعلان أوباما في نفس السياق حيث أكد في حديث لمحطة' فوكس نيوز' أن الرسالة التي يراد تمريرها عند الحديث عن يوليو2011 لا تعني التوجه نحو الخروج وإطفاء الأنوار عند اجتياز الباب وأن الأمر لا يتعلق بالرحيل بل يتعلق في الحقيقة بتمرير رسالة عاجلة وأضاف أن المسألة تتعلق بالقول بكل وضوح أن عملية ستبدأ في يوليو2011 ووتيرة هذه العملية ستحددها الظروف علي الأرض في أفغانستان. للوهلة الأولي يبدو إعلان أوباما عن موعد الانسحاب من أفغانستان مع رفض العسكريين للأمر نوعا من التخبط أو قد يشير إلي وجود صراع بين المسئولين السياسيين والعسكريين خصوصا أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس كرر بلهجة حازمة مؤخرا أن موعد يوليو2011 لبدء انسحاب القوات من أفغانستان موعد ثابت لكن الأقرب للواقع أن الأمر برمته لا يعدو مناورة سياسية يريد أوباما تحقيق بعض المكاسب من خلالها والشواهد علي ذلك كثيرة: * أولا: أن الرئيس الأمريكي احتفظ بهامش من الغموض اعتبره بعض المحللين استراتيجيا حول ما سيحدث في يوليو2011 فعندما تحدث أوباما عن ذلك التاريخ للمرة الأولي في ديسمبر2009 ربط ذلك الانسحاب بالظروف الميدانية علي الأرض وهو ما جعل كل طرف من اللاعبين في الساحة الأفغانية يفسر هذه العبارة حسب ما يريد. واعتبر مايكل أوهانلون من مؤسسة بروكينجز للأبحاث أن أوباما اعتمد' سياسة إرباك متعمدة' حول هذه المسألة وقال أعتقد أن أوباما يريد الاحتفاظ ببعض المرونة حول ما سيفعل في يوليو المقبل. * ثانيا: اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل حيث يخشي الديمقراطيون من فقدهم للأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب بما يؤثر في موازين الاقتراع علي القوانين التي يبعث بها الرئيس إلي الكونجرس وهو ما قد يضعف صورة الرئيس وقدرته علي تمرير القوانين التي يرغب في سنها خصوصا أنه خلال العامين الماضيين تقلصت شعبية أوباما إلي حدود44% بشكل عام وتقلصت بشكل أكبر في بعض الولايات ذات الأهمية الكبيرة في الانتخابات النصفية. * ثالثا: تأييد الحرب يتراجع لدي الرأي العام الأمريكي لذلك فإن بوادر انسحاب أمريكي آخر بعد الانسحاب من العراق- قبل حلول الانتخابات الرئاسية القادمة عام2012 سيساعد أوباما في محاولته إقناع ناخبيه بأنه تمكن من سحب الجنود من ميادين القتال خلال فترة رئاسته الأولي التي يتمني أن يمددها لأربع سنين أخري. * رابعا: أثار إعلان أوباما عن موعد الانسحاب من أفغانستان في يوليو2011 ردود فعل متباينة وانقسم الأمريكيون بين مؤيد ومعارض فالمؤيدون يرون أن الإعلان ينقل لكابول إحساسا بأن هناك حاجة ملحة ويتعين علي الأفغان زيادة حجم قوات الأمن لتسلم المسئولية تدريجيا بينما يري المعارضون أن هذه الاستراتيجية سيكون لها رد فعل عكسي وترسل إشارة إلي طالبان بأن الولاياتالمتحدة تستعد لإنهاء الحرب مع وضع توقعات غير عملية بين الأمريكيين بشأن عملية السلام في أفغانستان.. هذا الجدل في حد ذاته ربما يكون هدفا لأوباما لشغل الأمريكيين ولفت انتباههم بعيدا عن الأزمة الاقتصادية التي فشلت إدارته في معالجتها. وبعيدا عن مناورة أوباما فإن الأفغان من جانبهم أعلنوا علي لسان أكثر من مسئول علي رأسهم الرئيس حامد كرزاي أن يوليو2011 موعد غير ملائم للانسحاب حيث لن تكون القوات الأفغانية مؤهلة من وجهة نظرهم- لتحمل تبعات مسئولية الأمن قبل2014 خصوصا في معقل حركة طالبان بالجنوب لكن أوباما ربما لا يري أية أهمية للاتفاق مع الأفغان علي خطة الانسحاب فكما كان احتلال أفغانستان لأسباب أمريكية سيكون الانسحاب منها لأسباب أمريكية أيضا إن صدق أوباما وانسحب في الموعد المقرر.