في العالم المتقدم تعطي الدول أهمية بارزة لادارة الكوارث والأزمات وتهتم بكل الصور والأساليب بالاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية. وتملك دائما خططا طويلة الأجل وتضع السياسات اللازمة لتنفيذها. حتي لا تقع فريسة للأزمات الكبري والطاحنة التي كان من الممكن تلافيها عن طريق التخطيط المدروس والواعي, وهناك دائما تخطيط شامل علي المستوي المركزي والقومي يركز علي متطلبات التوازن وتفادي الخلل في كل قطاعات الاقتصاد القومي حتي في اعتي الدول الرأسمالية والا سقطت فريسة للفوضي وتضارب المصالح التي يصنعها التركيز علي تحقيق أعلي الارباح فقط لاغير ويرجع ذلك إلي ان الدول لايمكن ان تدار أوضاعها وأحوالها كما تدار الشركات ولا تستقيم أحوالها اذا تركت أمورها العليا تدار بمنطق الأسواق فقط لا غير ففي النهاية والبداية هناك حاجة لتدخل الدولة للتصحيح والتصويب حتي تضمن التنمية الشاملة وعدالة توزيع الثروة ومساندة الأقل دخلا وحمايته من الضياع والحرمان. وفي ظل الفجوة الغذائية التي تتزايد وتتصاعد للمحاصيل الاستراتيجية الرئيسية فإن التنمية الزراعية بالمفهوم القومي الشامل وبالحسابات العليا للوطن والمواطنين يجب ان تكون محل مراجعة متكاملة الاركان والابعاد في ضوء المحددات المائية والاحتياجات الضرورية للحياة والمعيشة وما أفرزته متغيرات الواقع علي امتداد السنوات الاخيرة في ظل التوجه لخصخصة السياسات الزراعية وتبني استراتيجيات جديدة قائمة علي حسابات التكلفة والعائد الاقتصادي لمستلزمات الانتاج الزراعي بكل مفرداتها وما أضيف اليها من متغيرات حادة في الهيكل الاجتماعي والبشري لسكان الريف بصورة تكاد تدفع لهجر حرفة الزراعة والبحث عن بدائل أخري حتي لو كانت حرف طفيلية وهامشية وما نتج عنها من ارتفاع كبير في تكلفة العمالة الزراعة وفي ظل هذه المتغيرات فإن كامل اقتصادات الانتاج الزراعي قد شهدت متغيرات عاصفة تستوجب إعادة دراسة العلاقة بين التكلفة الزراعية والعائد المحقق منها بحكم ان الفجوة الكبيرة والضخمة اصبحت تهدد بالفعل بالتوقف عن الزراعة وترك الأرض الزراعية بورا بلا زراعة وهو ما يدخل تحت بند الكوارث والأزمات ويتطلب التعامل والعلاج بمنطق الأزمة والكارثة بسياسات علي المدي القصير وأخري علي المدي المتوسط والطويل. وما هو محل للاختيار والنقاش لايدور في دوائر هل ندعم الزراعة أم لا ندعمها بل يدور في دوائر أشد خطورة ترتبط بهل نترك الزراعة المصرية بصورتها الراهنة لتنقرض ونترك الريف ليندفع في دوامات الاعتداء الصارخ علي الارض الزراعية ببناء المساكن والمصانع والمخازن والمحلات التجارية أم نتصدي للظاهرة مهما كانت التكلفة عالية ومرتفعة باعتبارها مشروعا قوميا في غيابه تفقد مصر الكثير من عناصر الاستقرار والتوازن وتضيع منها سلة الغذاء في الدلتا وعلي امتداد نهر النيل وفيها الأرض الخصبة التي تكونت عبر آلاف السنين ثم يتقاتل البعض حول الصحراء واحاديث زراعتها وتكلفة الزراعة العالية بها ونموذج توشكي وما انفق عليه من مليارات وعدم تحقيق عائد بعد عقدين من الزمن درس كان يحتاج التدبر والتفكير منذ فترة طويلة حتي يتم تصحيح المسار في التوقيت المناسب واللازم. ومادامت الدولة لا تملك عمليا وواقعيا القدرة علي تعديل تكاليف الانتاج الزراعي بصورة مباشرة فإن المتاح يرتبط بالتدخل للإعلان عن حزمة سياسات تحفيزية تعيد التوازن إلي حسابات وتقديرات الاقتصاد الزراعي في ضوء متغيرات الواقع, وهو الأمر الذي لا يحتمل التردد, ولا يحتمل انصاف الحلول, بل يستوجب رؤية واضحة وسريعة تطمئن أهل الزراعة الي أن نزيف الخسائر سيتوقف أو علي الأقل توقع الامور نحو تعظيم المؤشرات علي التخفيض المؤثر والفعال في خسائرهم, وأن قضاياهم ومشاكلهم محل تدقيق فعال وحاسم, وهو ما يتطلب بالدرجة الأولي سياسات سعرية واضحة ومستقرة للمحاصيل الاسترايتجية الرئيسية, وفي مقدمتها القمح والذرة والأرز والمحاصيل الزيتية والسكرية باعتبارها ضرورات حياة ووجود واستقرار. ويتناقض ذلك بشكل كامل مع التصريحات غير المستقرة والمتناقضة الصادرة من كبار المسئولين بالنسبة لاسعار المحاصيل الأساسية لانها تصنع مناخا سلبيا من الفوضي, وعدم اليقين وتؤدي إلي تعميق الاختلالات القائمة في قطاع الزراعة, وتتسبب في غياب القرار الزراعي السليم لدي المزارعين بحكم عدم العلم اليقيني بنتائجه والمثال البارز علي ذلك علي امتداد الأسابيع الأخيرة ما صدر من تصريحات متناقضة عن سعر توريد القمح للموسم الزراعي الشتوي الذي يطرق الأبواب, ومع أزمة القمح عالميا وإنخفاض صادراته, وإلغاء جزء من تعاقداته وارتفاع أسعاره تحدثت التصريحات عن سعر للتوريد يبلغ380 جنيها للأردب ثم تلاشت الأحاديث واختفت, وظهر السيد أمين أباظة وزير الزراعة أخيرا ليتحدث عن سعر جديد يكسر حاجز ال300 جنيه للأردب مع حديثه عن انخفاض اسعار القمح عالميا مما يدفع بالسياسات الزراعية إلي رده تتناقض مع ضرورات الصالح العام بالاصرار علي تبني منطق السوق, وبورصات الغذاء العالمية, بكل ما فيها من تذبذب, وعدم استقرار, وبكل ما تتضمنه أسعارها من تناقض حاد مع تكاليف زراعة القمح محليا وما يعنيه ذلك في نهاية المطاف من الاحجام عن زراعة القمح وتراجع المساحة المنزرعة, وعدم تحقيق الأهداف المعلنة للوصول بها إلي3,5 مليون فدان في الموسم الزراعي الجديد. *** بحسابات التنمية وبحسابات التخطيط فإن الأهداف المعلن عنها تتطلب سياسات لضمان تنفيذها علي أرض الواقع, وما يتم إعلانه من أسعار للمحاصيل الرئيسية لا يحقق من قريب أو من بعيد السياسات والأهداف المعلنة, بل يتطلب تفكيرا جديدا مختلفا بمائة وثمانين درجة عن التفكير القائم والمنفذ منذ عقود بدعاوي خصخصة السياسات الزراعية وخصخصة المعاملات والعلاقات, وتحول وزارة الزراعة إلي شاهد ماشفش حاجة تحت زعم وهمي بترك الزراعة لحسابات العرض والطلب وحسابات المكسب والخسارة وفقا لقوي السوق. ومع عدم صلاح قوي السوق فقط لا غير لإدارة السياسة الزراعية بخبرة الدول المتقدمة الكبري وضرورات التدخل الكثيف للدعم والمساندة للمزارعين بكل الصور والأشكال لأهمية وخطورة وحيوية قطاع الزراعة للاقتصاد القومي ككل وحسابات وتقديرات الأمن القومي فإن الحل العاجل يرتبط بالعودة إلي سعر380 جنيها للطن, وهو سعر الموسم قبل الماضي, ويرتبط برفع سعر توريد الذرة بما لا يقل عن270 جنيها للاردب وضمان سعر توريد للارز لا يقل عن1800 جنيه للطن مع مراجعة سياسات منع زراعته في الكثير من مناطق الدلتا حتي يتم توافر تركيبة محصولية جديدة ومجزية للفلاح تتلاءم مع الاحتياجات الاساسية بكل ما تتطلبه من تعديلات ضخمة في قطاع الصناعة والتجارة حتي يجد الفلاح السوق السهلة والمريحة لتصريف انتاجه ولا يتعرض لمحنة مزارعي البنجر الذين يلقي محصولهم بلا مشتر علي قارعة الطريق؟!. مواقف اقتصادية تأثير السياسات الانكماشية الاوروبية علي الدول الناميةتمثل دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها27 دولة أكبر اقتصاديات العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي قدر بحوالي16 تريليون دولار في عام2009, وتستحوذ علي حجم سوق يبلغ حوالي500 مليون نسمة, كما حققت حجما للواردات بلغ2,3 تريليون دولار, مقابل حجم الصادرات البالغ حوالي1.9 تريليون دولار في نفس العام. ويوضح الدكتور فؤاد ابوستيت أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية بمصر أنه يتضح من تلك المؤشرات الكلية السابقة دور الاتحاد الأوروبي في التأثير علي مجريات الاقتصاد العالمي والذي قد ننظر إليه بأنه قوة إقتصادية كبيرة تؤهله للعب دور رئيسي في رسم السياسات المالية والنقدية في الساحة الدولية من خلال عضوية العديد من دوله في مجموعة الدول الصناعية الكبري السبعG7 ومجموعة الدول الصناعية الكبري العشرنG.20 ومن ثم فإن مردود هذه السياسات تنعكس آثارها المباشرة وغير المباشرة علي العالم وخاصة الدول النامية. وهناك العديد من التساؤلات التي يكمن مدلولها في عدة محاور من أهمها: هل التجانس في السياسات الاقتصادية المالية والنقدية التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي قادرة علي أن تجنب العالم هزات اقتصادية أخري؟ وهل يؤثر التناقض في السياسة المالية فيما بينها وبين الولاياتالمتحدة علي معدلات النمو الاقتصادية المستقبلية؟ وماهي التأثيرات المتوقعة من انخفاض معدل سعر صرف اليورو علي الاقتصاد العالمي؟. للوصول إلي إجابات مقنعة عن هذه الأسئلة لابد من التعرف علي العناصر الأساسية التي تمنح دول الاتحاد الأوروبي ذلك الدور والثقل المؤثرين في الاستقرار الاقتصادي في الساحة الدولية في ضوء ما يلي: * حقق الاتحاد الأوروبي خاصة دول اليورو معدل نمو متواضع في بداية2010 بلغ حوالي0.2% مقارنة ب9% للصين و5% للدول الآسيوية, كما أن معظم الدول النامية قد حققت معدلات نمو تفوق معدل النمو السالف الإشارة إليه, وهذا يشير إلي أن دول اليورو مازالت عاجزة عن الخروج من الأزمة المالية العالمية أو تحاول تجاوز الأزمة المالية التي تتعرض لها والناجمة عن ارتفاع معدلات الدين العام بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بالرغم من أن البيانات الأخيرة تشير إلي استطاعة اليونان من تخفيض حجم مديونتها. * تبنت المانيا وفرنسا سياسة مالية إنكماشية تقوم علي أساس ضرورة الحد من الاقتراض لتمويل الإنفاق الحكومي والرجوع إلي سياسة تقليص حجم العجز في الموازنة العامة للدولة إلي معدلاتها الآمنة التي لاتتجاوز3% من الناتج المحلي الإجمالي, مما سوف يؤدي بدوره في التأثير المباشر علي جانب الطلب في هذه الدول, كما أنه يمثل الاتجاه المعاكس لبرنامج تحفيز الطلب الكلي الذي تتبعه الولاياتالمتحدة. وعليه فإن المحصلة النهائية تتوقف علي مدي تأثير السياسة المالية الإنكماشية المتبعة من جانب دول الاتحاد الأوروبي علي معدل النمو, وكذلك معاملاتها الخارجية مقارنة بمثيلاتها من الدول الصناعية الكبري. ويقدم الدكتور فؤاد أبوستيت الخبير الاقتصادي المرموق رؤية مختلفة للرؤية الأوروبية ويؤكد اختلافه مع يتم تنفيذه في الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة لأن السياسة المالية قد تؤثر بالسلب علي حجم الطلب الكلي من خلال التأثير علي حجم الاستهلاك والاستثمارات والصادرات, ومن ثم فإنها تحد من الإستثمارات المحلية والأجنبية وتؤثر بالتبعية علي معدلات النمو والتصدير والعمالة, وهناك آثار متوقعة علي الدول النامية في حال عدم استطاعة الاقتصاد الأوروبي التعافي من أزمته الاقتصادية الراهنة تتلخص في الآتي: {{ التصدير: قد تؤدي الأزمة المالية الأوروبية إلي إنخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي من1 1.5% بسبب انخفاض واردات دول الاتحاد من دول العالم الأخري, وبالأخص الدول النامية التي يمثل حجم وارداتها حوالي27% من إجمالي حجم الواردات للاتحاد الأوروبي, لما يمثل انخفاض قيمة اليورو تحديا آخر للعالم, حيث يؤدي إلي العديد من الآثار, فعلي سبيل المثال يؤدي إلي زيادة صادرات الدول الأوروبية للدول النامية نظرا لعدم مقدرة منتجاتها علي المنافسة, كما تنعكس آثاره علي صادرات الدول النامية للدول الأوروبية, الأمر الذي يعرض حصيلة النقد الأجنبي للعديد من التذبذبات الشديدة, وهي محصلة تتوقف علي مرونة السلع موضوع البحث والوزن النسبي للواردات الأوروبية من إجمالي الواردات. {{ انخفاض عائدات السياحة المتوقعة للدول النامية: من الطبيعي أن ينعكس انخفاض قيمة سعر صرف اليورو علي القدرة الشرائية للسائح الأوروبي والطلب علي الخدمات السياحية المتميزة, مما ينعكس سلبا علي حصيلة الايرادات السياحية الأوروبية للدول النامية, وعلي الحساب الجاري بموازين المدفوعات لتلك الدول ويعرض اقتصادياتها للضغوط المالية المباشرة من جراء انخفاض حاصلاتها من النقد الأجنبي, ويصعد الضعوط الانكماشية علي الدول النامية وأيضا علي العالم. {{ التأثير علي التدفقات الرأسمالية الاستثمارات الأجنبية تتوقف تدفقات رؤوس الأموال بين الدول علي عدة عوامل من أهمها سعر الصرف, سعر الفائدة, والتضخم, بالإضافة إلي عدة عوامل أخري سياسية واجتماعية, وعليه فإن انخفاض سعر صرف اليورو سوف يؤثر تأثيرا مباشرا علي الاستثمارات الأجنبية من وإلي دول الاتحاد, كما يؤثر علي احتياطي البنوك المركزية من النقد الأجنبي ويزعزع الاستقرار في أسعار الفائدة وسعر صرف العملة الوطنية. الناتج عن تدهور الثقة في استقرار أسواق المال خاصة بالدول الناشئة مما يعرضها إلي هروب رؤوس الأموال الأخري الأكثر استقرارا. {{ الإستثمارات الأوروبية إلي الدول النامية: نظرا لإنخفاض قيمة سعر صرف اليورو علاوة علي تدني أسعارالفائدة علي الين والدولار يؤدي إلي زيادة تدفقات الأموال إلي اقتصاديات الدول الناشئة والتي قد يعرضها إلي حدوث بعض الاضطرابات في أسواق الأسهم والسندات والعقارات فقاعات كما يؤدي إلي زيادة مخاطر الائتمان ويقود مرة أخري إلي ضرورة التدخل للحد من الآثار السلبية علي الاقتصاد العالمي. {{ التقلبات الشديدة في أسواق المال: لقد شهدت الفترة الأخيرة العديد من التذبذبات الشديدة في أسواق المال العالمية كنتيجة مباشرة لعدم استقرار أسعار الصرف والسياسات الاقتصادية المختلفة والتباين الواضح في معدلات النمو الاقتصادية, والتي انعكست آثارها علي أسواق المال, حيث انها تعتبر المرآة الحقيقية للتطورات الاقتصادية, ويكمن لب هذه المشكلة في أن الأزمة المالية الأوروبية تؤدي إلي العديد من التغيرات في أسواق المال نظرا لمحاولة بعض المستثمرين والبنوك ومؤسسات التمويل تقليل حجم المخاطر من خلال تقنين الإقراض. *** وفي ضوء أن أزمة الديون الأوروبية تلقي بظلالها علي الأسواق المالية العالمية مما يزيد التخوف من انتشار ظاهرة عدم مقدرة هذه الدول علي التصدي لمحاولة سداد الديون, خاصة بعد إعلان السياسة المالية التقشفية بها, إضافة إلي عدم تحقيقها معدلات نمو مناسبة, حيث حققت معدل نمو بلغ0,2% في الربع الأول من2010 مقارنة ب9% في الصين, وهذا قد يشير إلي امكانية تهميش دور الدول الأوروبية في الاقتصاد العالمي أو عدم أخذ مكانتها الطبيعية التي تتناسب مع إمكانياتها الاقتصادية والمالية ووزنها الكبير بالمقارنة بباقي القوي الاقتصادية الدولية.