مما لاشك فيه أن قضية الكوارث الطبيعية و البيئية التي أصابت ولاتزال تصيب العديد من المناطق في العالم، وتؤثر تأثيرات متفاوتة الخطورة علي الإنجازات المدنية والعمرانية هي من أهم القضايا التي شغلت ومازالت تشغل العقل البشري، منذ وعاها وتعرض لتأثيراتها، منذ القدم، وقدَّم في سبيل تجنبها أو الحيلولة دون وقوعها أو الخلاص منها أو الاحتماء من مخاطرها، العديد من القراءات والتحليلات الغيبية والأسطورية والظاهرية والباطنية والعلمية والمعرفية النظرية منها والتطبيقية، وذلك في محاولة منه لتفسيرها والتنبؤ بها واستشعار خطرها قبل وقوعها، وذلك لتجنيب التجمعات البشرية ويلاتها ودمارها. لا تكاد تمر فترة زمنية - قصيرة أو طويلة - إلا وتشهد منطقة من العالم، كارثة بيئية تلحق أضرارًا بالإنسان والبيئة المحيطة به، وتؤدي - في أحيان كثيرة - إلي ويلات ومآسٍ ومصائب كبري. وما حدث في "باكستان" في الأيام الماضية «أواخر شهر يوليو» من فيضانات مدمرة ناتجة عن أمطار موسمية غزيرة قتلت وشردت الملايين، خلاف الأعداد الكبيرة التي مازالت في عداد المفقودين، وما نتج عنها من خسائر مادية كبيرة، وانتشار الأمراض والأوبئة بين الأحياء، يعتبر من الكوارث الطبيعية والبيئية الخطيرة الجديرة بالملاحظة. وما حدث في "الصين" مؤخرًا من فيضانات مدمرة راح ضحيتها الآلاف من البشر خلاف الخسائر، وما حدث في "روسيا" أيضًا أوائل الشهر الجاري من موجة حارة أدت إلي اندلاع الحرائق هناك وقتل عشرات الأشخاص وتشريد الكثيرين وهدم واحراق بعض المنازل، وما إعصار "تسونامي" عنا ببعيد..!! ومن المعروف أنه عندما تحدث كارثة بيئية معينة في إحدي المناطق، تصبح وسائل الإعلام المختلفة، المحلية والإقليمية والعالمية، هي أهم السبل لمعرفة تطورات وتداعيات هذه الكارثة، وأهم منبر لإيصال الرسائل التي يود القائمون علي إدارة الكارثة، إبلاغها إلي المنكوبين وإلي بقية الأشخاص. والحقيقة أن الكيفية التي تتصرف بها وسائل الإعلام، تجاه الكارثة البيئية، وطرق معالجتها أو الحد من تداعياتها، تؤدي دورًا مهما في تخفيف حدة الأضرار، وهي أيضًا قد تؤدي - إذا استخدمت بصورة سلبية - إلي زيادة حدتها وآثارها السلبية..!! والناس يستجيبون للتعامل مع الكوارث، عندما يدركون مدي أضرارها، وتلعب العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية دورًا مهما في تحديد هذا الإدراك، لكن من الملاحظ أن الاهتمام العام يزداد بشدة كلما وقعت كارثة بيئية ذات أضرار جسيمة، وإن كان هناك اختلاف في درجة الاهتمام، في البلدان المتقدمة، عنه في البلدان النامية. ولاشك أن استخدام وسائل الإعلام والاتصال الحديثة مثل شبكة "الإنترنت" والرسائل النصية القصيرة علي "الموبايل"، يسهم إسهامًا كبيرًا في التخفيف من آثار وأضرار الكارثة، ويسهم في سرعة الوصول إلي المنكوبين، ويساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر أو المنشآت. وتفيد هذه الوسائل أيضًا في سرعة الإبلاغ بحدوث الكارثة، إلي الدول والجهات الدولية والإقليمية، وإلي أكبر شريحة ممكنة من الجماهير، وهذا من شأنه أن يحد من حدوث المزيد من الخسائر المادية والمعنوية، كما يسهم في الإسراع بإرسال المساعدات والمعونات إلي المنطقة المنكوبة، وفي اطلاق حملات الطوارئ الرسمية والشعبية. خطط شاملة تسعي بعض الدول - لاسيما المتقدمة - من خلال الجهات المسئولة عن الكوارث بها، إلي استباق وقوع الكوارث أو التنبؤ بحدوثها أو احتمالية حدوثها في أي وقت، فتلجأ إلي وضع خطط شاملة لإدارة الكوارث، ومن هذه الخطط ما يتعلق بالناحية الإعلامية، من أجل الاستعداد اللازم لهذه الكوارث والتخفيف من أخطارها وأضرارها والحد من آثارها في حالة وقوعها. ولقد أثبت هذا التخطيط نجاحه في مواجهة العديد من الكوارث البيئية التي ضربت العديد من الدول أو المناطق المتقدمة. والتخطيط الاعلامي لأي كارثة بيئية يشتمل علي ثلاث مراحل: المرحلة الأولي: وهي مرحلة ما قبل الكارثة، وفيها يتم وضع الخطط الإعلامية في ضوء الاستراتيجيات العامة لإدارة الكارثة والتوجهات السياسية العامة، ويجب أن تكون هذه الخطط شاملة ودقيقة وواضحة الوسائل والأهداف، كما يجب أن تتسم بالمرونة أيضًا، بحيث تستجيب لما قد يطرأ علي مسار الكارثة من تطورات. المرحلة الثانية: وهي مرحلة مواجهة الكارثة البيئية، والمعالجة الإعلامية في هذه المرحلة، وهي مهمة جدًا، نظرًا للدور الذي يؤديه الاعلام فيها، باعتباره مصدر المعلومات الرئيسي. وهناك مهمتان أساسيتان للقائمين علي التخطيط الإعلامي في هذه المرحلة: - الأولي: تقديم معلومات شاملة ودقيقة ودالة عن الكارثة لوسائل الإعلام، لتكوين النسق المعرفي عن الكارثة لدي المتلقي ومن ثم تمكينه من الوقوف علي أرضية صلبة في مواجهته للكارثة. - والثانية: تفسير المعلومات وتحليلها وتقييمها، لتقديم ما يسمي ب"ثقافة الكارثة"، بهدف تكوين النسق الفكري والقيمي عند المتلقي، إزاء الكارثة وجعله مدركًا وواعيا لواقع الكارثة من حيث أسبابها وشدتها. وينبغي للجهات القائمة علي التخطيط الإعلامي في تلك المرحلة، وضع أهداف واضحة لمواجهة الكارثة، تكون واقعية ومرنة وقابلة للتحقيق، وأهم هذه الأهداف: التصدي للكارثة لحظة وقوعها بأكبر قدر من الفعالية، وتفعيل قدرات الاتصال والتعامل مع وسائل الإعلام، وتخفيف الآثار السلبية للكارثة وإزالة رواسبها، وإبراز جهود الجهات الرسمية والأهلية في التعامل مع الكارثة، ومن بين هذه الأهداف التي يجب أن توضع في الاعتبار التعاطف مع ضحايا الكارثة وذويهم، علي أن من أهم هذه الأهداف أن يكون الاعلام موجهًا لمجتمع الكارثة، لضمان التأثير في كل فرد وتحويله من مجرد متلق للرسالة الإعلامية إلي متفاعل معها ومتجاوب مع عناصرها ومحقق لأهدافها. كما ينبغي للجهات القائمة علي التخطيط الإعلامي أيضًا، إعداد الرسائل الإعلامية المناسبة، بهدف إحداث التأثير المطلوب في المتلقي، ولكي تكون الرسالة الإعلامية فعَّالة، فإنه لابد أن يتوافر فيها: الجدة والفورية والدقة والموضوعية، الوضوح، مصداقية المصدر، الجاذبية التشويق، الاعتماد علي الصور الحقيقية. المرحلة الثالثة: وهي مرحلة ما بعد الكارثة، وهنا يضع القائمون علي الخطة الإعلامية للكارثة نصب أعينهم عددًا من الأهداف التي يسعون إلي تحقيقها منها: - تقديم المعلومات الدقيقة عن أسباب الكارثة وتداعياتها. - تقديم تحليل موضوعي للجوانب المتعلقة بالكارثة والأبعاد المتوقعة لها. - التعاطف الكامل مع الضحايا والمتضررين للتخفيف من معاناتهم ونشر وبث القصص الإنسانية المختلفة بهدف توضيح الحقائق الأساسية لهذه الكارثة. - عدم إهمال المعالجات السلبية لما قد تنشره بعض وسائل الإعلام، والاهتمام بالرد الفوري علي كل الادعاءات أو الانتقادات. المعالجة الإعلامية للكارثة البيئية وحسب المتخصصين، هناك نوعان للمعالجة الإعلامية للكوارث البيئية هما: المعالجة المثيرة وهي التي تستخدم في تغطياتها الأساليب التي تعتمد علي الإثارة والتهويل والسطحية والمعالجة السريعة التي ينتهي اهتمامها بالكارثة بمجرد انتهاء الحدث، وهي لا تحقق الأهداف العامة للإعلام، كما أنها لا تقدم للجمهور ما يشبع رغباته، بل تؤدي إلي تضليل الجمهور وتشويه معلوماته، وهذا النوع من المعالجة يعتبر في بعض الأنظمة استجابة لما تفرضه اعتبارات السلطة والمسئولية أو قد يكون تلبية لحاجات السوق الإعلامية. أما النوع الثاني: فهو ما يسمي المعالجة المتكاملة وهي التي تتعرض للجوانب المختلفة للكارثة البيئية وتغطي كل الأمور المتعلقة بها وتسلط الأضواء علي كل جوانبها بصدق وحيادية كاملة، وهذا النوع يتسم بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة، ويهدف إلي تكوين موقف متكامل ووعي عميق بالكارثة البيئية وذلك من خلال المعرفة العلمية السليمة لمعطياتها، مع ضرورة مراعاة مستويات الجمهور، والاعتماد علي كوادر إعلامية مؤهلة، والتركيز علي الأبعاد المحلية للكارثة. عوامل النجاح ويمكن إجمال عوامل نجاح التغطية الإعلامية للكارثة البيئية في الآتي: - التخطيط الإعلامي السليم والدقيق للكارثة وتوقع حدوثها في أي وقت، حتي وإن كانت المنطقة أو البلد المدروس بعيدًا عن مناطق الكوارث البيئية أو الطبيعية أو كانت المنطقة لم تتعرض منذ زمن طويل لمثل تلك الكوارث. - التكامل بين جميع وسائل الإعلام، لإعلام الجمهور بحقيقة الكارثة وتغطية كل الأبعاد المرتبطة بها.