هذا هو عنوشان الموضوع الذي نشرته المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية التي تصدرها منظمة اليونسكو, وقد تمت ترجمة هذا العدد في مركز مطبوعات اليونسكو في القاهرة. وهو المركز المسئول عن ترجمة مطبوعات المنظمة الدولية من مجلات وهي عديدة وتقارير دورية. وقد سبق أن كتبت عن كبار السن, كما أحب أن أسميهم, وكان مقالي نابعا من حقيقة اني أنتمي الي هذه المجموعة وعشت مشكلاتها وتعايشت مع صعوباتها, أما مقالي الحالي فهو محاولة أن أقدم ما قامت به الأممالمتحدة ومنظماتها من أجل كبار السن, أو الشيخوخة كما تطلق عليها اليونسكو هذا الاسم, ولن أستطيع في هذا المقال أن أقدم الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدتها اليونسكو لمناقشة هذا الموضوع من الاربعينيات حتي مؤتمر مدريد الذي عقد عام2002. وكما ذكرت, سبق مؤتمر مدريد عدد من المؤتمرات والاجتماعات لعل أهمها اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في فيينا عام1982 وأصدرت ما عرف بمشروع فيينا الدولي للعمل من أجل الشيخوخة, وهو الاتفاقية الدولية الأولي بخصوص الشيخوخة, وقد وقعت علي هذا المشروع124 دولة( لا أعرف إن كانت من بينها), وقد حدد هذا المشروع ثلاث أولويات رئيسية أولها: استدامة السمنة في عالم يتزايد فيه عمر الانسان, وثانيا الحفاظ علي الصحة الجيدة والحياة الكريمة للمتقدمين في العمر, وثالثا تأسيس بيئة داعمة ومناسبة لكل المجموعات العمرية, وكان الهدف الشامل للمشروع يتمثل في العمل كحافز لصياغة سياسة للشيخوخة وتوجيه الجهود الدولية والقومية في هذا الشأن والعمل علي تقوية قدرات الحكومات ومنظمات المجتمع المدني للتعامل مع شيخوخة السكان بشكل فعال. وكأول اتفاقية دولية شاملة بشأن الشيخوخة لعب مشروع فيينا دورا مهما في زيادة الوعي بخصوص قضايا الشيخوخة في كل أنحاء العالم, وفي عام1991 طبقت الجمعية العامة للأمم المتحدة وثيقة أخري علي قدر كبير من الأهمية وتعد علامة مهمة في توجيه المجتمعات الدولية نحو قضايا الشيخوخة والموجهة الي ضمان أن يحظي وضع كبار السن بأولوية الاهتمام في صياغة السياسة القومية, ومن خلال تقويم الوضع القانوني لكبار السن والاسهام الذي قدموه الي مجتمعاتهم, ثم تصنيف ثمانية عشر مبدأ تتعلق ببعضها ببعض وهي الاستفادة والمشاركة والرعاية وتحقيق الذات والكرامة, وبعد عام من ذلك حددت الجمعية العمومية عام1999 علي أنه العام الدولي لكبار السن اعترافا بإنسانية السكان الذين ناهزوا سن الشيخوخة والوعد الذي يحمله لتوجيه الاتجاهات والقدرات في المشروعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والروحية, وقد اتخذ هذا العام شعار هو نحو مجتمع لكل الأعمار وكان الاطار الفكري المحدد في هذا المجتمع ينطوي علي أربعة أبعاد متداخلة: وضع كبار السن, والسمنة المستدامة أي مدي الحياة, والعلاقات متعددة الأجيال, والعلاقة المتبادلة بين السكان والشيخوخة والسمنة. ومن ذلك نري أن مشكلة كبار السن لايمكن معالجتها بشكل منفصل كقضية قائمة بذاتها بدون اهتمام مناسب بالفرص طويلة الأجل للشيخوخة, وقد وضع الاهتمام بكبار السن في سياق تطوير وحماية كل حقوق الانسان والحريات الأساسية. ونأتي الآن الي مؤتمر مدريد الذي عقد عام2002 وكان يقوم علي ثلاثة موضوعات جوهرية مترابطة, يجب ألا ينفصل التوجه السياسي للشيخوخة عن جدول أعمال السمنة وتفعيل دور كبار السن والتحقيق الكامل لحقوقهم وحسب قرارات المؤتمر فإنه اذا أردنا تحقيق مجتمع لكل الأعمار لابد أن يتم الاهتمام بالشيخوخة من جانب المجتمعات وصناع السياسة بحيث يتم الاعتراف بالفرص والتحديات بشكل متكافيء بين جميع الأعمار, ويعتبر مشروع مدريد وثيقة شديدة الثراء ومتعددة الوجوه ونجد بين بنودها أهمية تعزيز الحماية الاجتماعية لكبار السن بما فيها ضمان دخل مناسب والدعم الرسمي وغير الرسمي وتخفيض نسبة الفقر بين كبار السن واتاحة فرص العمل للذين يرغبون منهم في العمل والقضاء علي العقبات العمرية في سوق العمل الرسمية وأي شكل للتفرقة بسبب العمر وازالة معوقات العمل بعد سن التقاعد وتعزيز وضع الشيخوخة في المكان الصحيح في مجتمع محلي يولي اهتماما كبيرا بالميول الفردية لكبار السن والاسكان المتاح لهم, وتعزيز التكامل بين الأجيال. وفي جزء من مشروع مدريد نجد عرضا للتغيرات الديمقوجرافية في العالم بسبب تغير بنية السكان والمشاركة المتنامية لكبار السن, ويذكر المشروع ما جاء في تقرير قسم السكان التابع للأمم المتحدة من أن عدد السكان في عمر الستين أو يزيد يتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات تقريبا بحلول عام2050 وبينما نجد الآن شخصا واحدا من كل تسعة أشخاص وصل لسن الستين أو تجاوزها, فإنه بحلول عام2050 سيكون شخص واحد من كل خمسة وبحلول عام2150 سيكون شخص واحد من كل ثلاثة أشخاص في سن الستين أو يزيد وبشكل عام قدر عدد الأشخاص في سن الستين أو يزيد بنحو688 مليونا في عام2006 ويتوقع أن يصل الي مليونين في عام2050 وفي ذلك الوقت, تبعا لنفس التصور ولأول مرة في تاريخ البشرية سوف يكون عدد السكان المسنين أكبر من نسبة الأطفال من لحظة الولادة حتي14 سنة. ويستمر التقرير ليبين أن في الوقت الراهن نجد أن13% من مجموع السكان في سن الستين وما بعدها يصلون الي سن الثمانين وما بعدها, ولذلك فإن هناك توقعات بأنه بحلول عام2050 سيكون نحو20% من السكان المسنين في سن الثمانين وما بعدها, وقد مر العالم بتطورات مهمة في طول العمر فقد زاد متوسط العمر المتوقيع عند الميلاد بنسبة عشرين سنة منذ عام1950 الي المستوي الراهن وهو66 سنة, ومن هؤلاء الذين يعيشون حتي سن السبعين يتوقع أن يعيش الرجل لمدة سبعة عشر عاما أخري والسيدات بزيادة21 سنة. وبعد اجتماع مدريد بات معروفا علي نطاق واسع أن الشيخوخة ليست مجرد قضية رعاية اجتماعية بل هي قضية تنمية اجتماعية, واقتصادية بمعناها الواسع, فضلا عن أنها قضية حقوق إنسان وقضية مشاركة واعتراف بالدور المحوري الذي يلعبه كبار السن في المجتمع, وان تخفيض معدل الفقر يعد جديدا في سياق الشيخوخة, طالما أن الفقير بين المسنين لايزال مرتفعا في مجتمعات عديدة. ويعد مشروع مدريد أداة عملية لمساعدة صناع السياسة في التركيز علي الأولويات الأساسية المرتبطة بشيخوخة السكان, وتعتبر قضايا تفعيل دور كبار السن وحماية حقوقهم وكرامتهم قضايا محورية في سياسة مجتمع لكل الأعمار, وكذلك المطالبة بأن تكون لهم مشاركة كاملة وفعالة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مجتمعاتهم, وستسعي الفقرة العاشرة من مشروع مدريد الي إسهام كبار السن في المجتمع وهي تؤكد أن إمكانات كبار السن تعتبر أساسا قويا للتنمية المستقبلية وهذا يمكن المجتمع من أن يعتمد بشكل متزايد علي مهارات وخبرة وحكمة كبار السن ليس في أن يأخذوا زمام المبادرة في اصلاح أوضاعهم أو تطويرهم الذاتي فحسب, ولكن أيضا في أن يشاركوا بشكل فعال في اصلاح المجتمع ككل, ويمثل كبار السن في هذا السياق مصدر نفع عظيم للمجتمع. وفي النهاية أطلب من كبار السن الحصول علي هذا العدد المهم من المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية, فقراءتها ستعطيهم الأمل والتطلع الي دور جديد لهم في المجتمع, وأهدي المقال الي وزير الضمان الاجتماعي.