خلال الأيام القليلة الماضية أعادت قيادة بارزة لمجتمع الأعمال التجاري تذكير المصريين بنكتة سخيفة مريضة دعت لاستبدال زراعة القمح والحبوب بزراعة الفراولة والكانتالوب. وهي نكتة مستفزة تكشف عن درجة عالية من الجهل والغرض وكان قد تم اطلاقها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وانفتحت شهية السياسة الزراعية بخبرائها المزعومين علي تطبيقها بكل الهمة والجدية وكانت النتيجة العملية كارثة كبري من كوارث الزمن وتمت زراعة الفراولة والكانتالوب وغيرها من الفواكه ولم يتم تصديرها ولم يسجل الميزان التجاري المصري الخيرات الوفيرة لعوائد تصدير الفراولة بسعر12 ألف دولار للطن كما زعم ادعياء العلم والمعرفة ولم تنهمر الدولارات والاسترليني واليورو والين علي الخزائن العامة والخاصة حتي يمكن استخدام الجزء اليسير منها والقليل كما ادعوا منها لاستيراد القمح والحبوب المتدنية الاسعار والعوائد وكأن كل العالم الذي يزرع القمح والحبوب مصاب بالعجز والتخلف الفكري الذي يمنعه من ادراك عبقرية نظرية الفراولة والكانتالوب وان بعض المصريين المكشوف عنهم الحجاب هم وحدهم القادرون علي فك طلاسمها وألغازها. وبعيدا عن الاكاديمية التي يستلهم منها هؤلاء البعض مايرددونه من نكت سخيفة ومريضة لا ترتبط بالواقع المصري من قريب أو من بعيد فإن رفض الأوهام والخزعبلات قد أصبح فريضة وطنية بحكم تجارب الواقع المريرة والقاسية في قطاع الزراعة وما أفرزته من خبرات بالغة السلبية والتدمير وما افرزفه من انكشاف غذائي مروع هو ما يحتم ان نستمع فقط لاغير لخبرات وتجارب الدول المتقدمة والتي بالرغم من ارتكاز تقدمها علي الصناعات والخدمات وتحقيقها العوائد والأرباح الضخمة والقيمة المضافة العالية من أنشطتها إلا أنها أدركت الخطورة الشديدة للسماح للقطاع الزراعي بأن يتدهور ويتراجع ليس فقط باعتباره منتجا رئيسيا للغذاء الذي هو عماد الحياة ولكن ايضا باعتباره قطاعا هاما لاستيعاب جانب كبير من السكان وقوتهم العاملة وباعتباره قطاعا حيويا للتوازن البيئي والمناخي وايضا للتوازن والتوزيع الديموجرافي الأمثل للسكان ودفعت هذه الاعتبارات والمقتضيات ان تخرج الزراعة من الحسابات التقليدية للتكلفة والعائد وان تدخل تحت مظلة حسابات شاملة لمنظومة متكاملة للدعم المباشر وغير المباشر عن طريق الدول والحكومات باعتبار ذلك حتمية من حتميات الرشاد الاقتصادي بالمفهوم العام للمصلحة الوطنية والقومية وبحسابات الامن القومي والأمن الغذائي وكذلك بكافة الحسابات الانسانية والاجتماعية التي تضمن البقاء والوجود والتماسك للدول والمجتمعات وتستأهل دفع فاتورة تكاليفها مهما ارتفعت وتضخمت. وعندما تتحمل اليابان فاتورة تكاليف انتاج الأرز محليا بعشرة أضعاف تكلفة استيراده من الخارج فانها تخالف وتعارض ابسط مفاهيم اقتصادات السوق وأبسط مفاهيم الكفاءة والرشاد الاقتصادي التقليديه وعندما تدعم سويسرا البقرة الواحدة بما يصل لنحو2000 دولار سنويا وتفعل مثلها باقي الدول الأوروبية وأمريكيا مع اختلاف تكلفة الدعم وهي دول تتبني النظرية الرأسمالية بقواعدها الأساسية الحاكمة فإنها جميعا لاتحرث في البحر ولا تتنازل عن المفهوم الرأسمالي الصحيح والسليم بحكم انها تدفع فاتورة تكاليف التوازن الاقتصادي العام وبحكم انها تمنع قطاعا حيويا من قطاعاته من الانهيار والفناء والاندثار في غيابه يسود الخلل وعدم التوازن ولا تستقيم الأعمال والمعاملات والانشطة الضرورية والحيوية لبقاء الحياة والحفاظ عليها وما تستوجبه من التلازم الحتمي بين الصناعة والخدمات والزراعة. ووفقا للتقديرات العالمية ومعارك منظمة التجارة العالمية المحتدمة من الفقراء والاغنياء فإن الدول الصناعية الكبري تفرط في دعم الزراعة وتفرط في دعم الغذاء في مراحل الانتاج وكذلك في مراحل التصدير للخارج ووفقا لتقارير المنظمات الدولية فإن حكومات الدول الكبري تبنت سياسات المعونة الغذائية للدول النامية حتي تضمن تصريف فائض الانتاج الزراعي والغذائي لديها وتضمن في نفس الوقت الحفاظ علي ثبات الاسعار العالمية وتماسكها وتمنع تعرضها للأزمات في ظل نقص الطلب العالمي عليها لعدم توفر الامكانيات والأموال لدي المحتاجين اليها والراغبين في شرائها من فقراء الدول النامية وكان ذلك واضحا للغاية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ووصل الأمر الي تدمير فائض الانتاج الزراعي والغذائي واستخدامه علي نطاق واسع كغذاء للماشية وساهمت هذه السياسات في صرف الكثير من الدول النامية عن الاهتمام بالزراعة وتباطؤ جهودها في تحسين انتاج القمح والحبوب مع توفير الكثير من الاحتياجات الأساسية في صورة منح بدون مقابل مادي وبدا الأمر وكأنه مخطط متكامل لتعميق عجز الدول النامية عن الوفاء باحتياجاتها الضرورية حتي يستمر قطاع الزراعة في الدول الصناعية الكبري عفيا وقويا وقادرا علي الاستمرار والبقاء. ولوكان منطق عملاء نظرية الفراولة والكانتالوب صحيحا وسليما لتوقفت دول أوروبا المستورد الرئيسي لهاتين السلعتين وغيرهما عن زراعة القمح والحبوب ولتوقفت امريكا المنتج الأول للقمح عالميا عن انتاجه ولتوقفت روسيا الاتحادية المنتج العالمي الثالث عن انتاجه وتراجعت الارجنتين واستراليا وكندا عن انتاج القمح والحبوب ولعاش العالم جميعا في غيبوبة أوهام الفراولة والكانتالوب ولكن كل الوقائع مازالت تثبت وتؤكد ان اليابان تنتج الأرز باعتباره محصولا رئيسيا للغذاء الياباني بعشرة أضعاف تكلفته لضمان الأمن الغذائي وحماية الأمن القومي وللإبقاء علي الحياة وفرص العمل في الزراعة ومحيطها وهو ما يدفع دولة مثل المملكة العربية السعودية لأن تنتج القمح بالرغم من ارتفاع التكلفة وبالرغم من ندرة المياه وفي الموسم الأخير فإن الانتاج السعودي من القمح بلغ1.2 مليون طن وهي تملك المال الوفير من النفط وصادراته ولا تعاني شح النقد الأجنبي وندرته ولكنه الرمز وللإبقاء علي ثقافة انتاج القمح والحبوب ومنع اندثارها تحسبا لتقلبات العالم وأوضاعه وظروفه. *** تثبت حقائق العالم المؤكدة في الدول الصناعية الكبري ان الابقاء علي قطاع الزراعة ودعمه وانتعاشه يعد الشغل الشاغل للسياسات العامة حتي لو ادي الامر لاصطناع طلب مستحدث اضافي علي الحاصلات الزراعية يضمن استخدام جزء متزايد منها لانتاج الوقود الحيوي باعتبار ان ذلك الطلب الجديد لايحقق فقط توفيرا لمصدر جديد من مصادر الطاقة البديلة بل يحقق كما تشير كافة المؤشرات المزيد من الارتفاعات الفعلية والعملية لاسعار هذه المحاصيل اضافة لما يتيحه من فرص جديدة لحكومات الدول الصناعية الكبري لفتح المزيد من الدعم للمزراعين تحت مسميات مستحدثه ومضافة. وقد ادركت بعض الدول النامية ذات الكثافة السكانية العالية مثل الهند والصين المخاطر الكارثية لاتساع هذه الانكشاف الغذائي علي الاخص القمح وباقي تشكيلة الحبوب وفي مقدمتها الذرة والارز ومخاطر تراجع المحاصيل الزيتية والمحاصيل المنتجة للسكر اضافة الي حتميات توفير اللحوم الحمراء والبيضاء والالبان والاسماك باعتبارها مكونات الغذاء الرئيسي للانسان وحققت نجاحات باهرة تستحق التعليم والنقل. تعليق ضغوط السياسات العامة وارتفاع الخسائر ومخاطر توقف النشاط الزراعي تلقي الاسبوع الاقتصادي تعليقا من الدكتور نادر نور الدين الاستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة حول مقالات ازمة القمح وعجز التنمية الزراعية يؤكد فيه حتمية المعالجة الشاملة للازمة الغذائية وحتميات مراجعة السياسات الزراعية والسياسات المرتبطة بها في حلقات التجارة والدعم والتصنيع الزراعي والتي اثبتت فشلا واضحا علي امتداد السنوات الماضية وأدت الي نتائج شديدة السلبية علي الواقع الزراعي نتيجة لما الحقته من اضرار وخسائر فادحه بالفلاح مع التوسع في فرض القيود والشروط علي المزارعين ومثالها الأخير شروط استلام محصول القمح وما تسببت فيه من تراجع للكميات التي تسلمتها الحكومة الي معدلات متدنية لا تتجاوز2.1 مليون طن وكان المستهدف3.5 مليون طن. ويوضح خبير التنمية الزراعية وخبير بورصات الحبوب العالمية في تعليقه ضرورة أن يضاف إلي ما طرحته المقالات من تساؤلات عن ضرورة مساءلة إن لم تكن محاكمة وزراء التضامن والزراعة والري والمالية لما فعلوه في المزارع المصري طوال السنوات الثلاث الماضية وبعده عن الزراعات الإستراتيجية والاهتمام فقط بالزراعات الهامشية ولسيادتكم بعض هذه الأفعال التي تسببت في أزمة القمح والأرز والسكر التي نعيشها حاليا والتي سوف تتفاقم مستقبلا طبقا لما يلي: 1 قرار وزارتي التضامن الاجتماعي والزراعة بتخفيض أسعار استلام محصول القمح هذا العام من المزارعين من380 جنيها عام2008 إلي240 جنيها فقط عام2010 مع وضع كافة العراقيل أمام المزارعين لعدم توريده للدولة بدءا من رفع درجات النظافة إلي22.5 قيراط بدلا من22 قيراطا( رغم تخفيض هذه المواصفات علي المستورد خاصة القمح الروسي والأوكراني), واشتراط أن يتم تسجيل مزارعي القمح لحيازاتهم في شهر مارس وأن يكون التوريد فقط لمن يمتلكون بطاقات الحيازة الزراعية رغم علمهم بأن90% من مزارعي القمح هم من صغار المزارعين لحيازات أقل من فدان واحد وأن70% منهم من المستأجرين الأميين الذين لا قبل لهم بعمليات التسجيل هذه ولا يمتلكون بطاقات حيازة زراعية لكونهم مستأجرين, بما أدي إلي بيعهم معظم محصول القمح إلي تجار القطاع الخاص بالأجل ولم يتسلموا أسعار قمحهم حتي اليوم نتيجة لعادة هؤلاء التجار في المماطلة والنتيجة أن ينخفض ما تسلمته الدولة من القمح المحلي إلي2.1 مليون طن فقط من المستهدف تسلمه بما لا يقل عن3.5 مليون طن ومن إجمالي محصول تجاوز7 ملايين طن!!.. والأن نسمع من تسبب في هذه الكارثة بمحاولة التجمل والتبرأ من المأساة التي تسبب فيها الإعلان عن مطالبته بالتوسع في زراعات القمح في الموسم الشتوي القادم بأسعار مجزية للمزارعين رغم كونه العائق الأكبر ضد زراعات القمح طوال السنوات الخمس الماضية وينطبق هذا علي وزيري التضامن والزراعة علي الرغم من التبني الخاص لشخصي ومعي الدكتور عبد السلام جمعة منذ سنوات لضرورة دعم مزارعي القمح في مصر تأمينا لمحصولنا الاستراتيجي الأول. 2 تتحمل وزارة الري مسئولية تقديرات خاطئة بشأن أن مساحة زراعات الأرز اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي المصري من الأرز دون فائض للتصدير لا تتجاوز1.1 مليون فدان فقط علي الرغم من إجماع العلماء والمتخصصين في الزراعة وإنتاج الحبوب بأنها لا تقل عن1.4 مليون فدان بالإضافة إلي الحفاظ علي أراضي الدلتا من اقتحام البحر لها أو يملح مياهها الجوفية, تشاء الأقدار بأن تجتاح الفيضانات دول جنوب آسيا المنتج والمستهلك الرئيسي لمحصول الأرز في العالم بدءا من الصين ومرورا بالهند وباكستان وبنجلاديش بما أسفر عن تدمير الزراعات القائمة لجميع الحبوب من القمح والأرز والشعير والشوفان والذرة بالإضافة إلي تدمير كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجي من هذه السلع والتي تمثل الصين وحدها35% من المخزون الاستراتيجي العالمي من القمح. هذه الفيضانات أدت إلي حدوث زيادة فورية في أسعار الأرز في البورصات العالمية للحبوب بنسبة10% في أسبوع واحد مع توقع المزيد من الارتفاعات خلال الأسابيع القادمة ليكون ذلك ردا علي من نادي بأن استيراد الأرز أفضل كثيرا لمصر من زراعته وبعد أن تسبب في حرمان مصر من عائد تصدير نحو1.2 مليون طن من الأرز تدر نحو6 مليارات دولار لمصر وتعمل علي إزالة أطنان من الأملاح من أراضي الدلتا ومياهها الجوفية وحماية نحو مليوني فدان من البوار وتخفف التلوث الموجود بمياه المصارف الزراعية المسبب الأكبر لتفشي الأمراض في الريف المصري. 3 الثالثة كانت مع مزارعي السكر سواء البنجر أو القصب فالأول أهدرت آلاف الأطنان منه علي الجسور في مختلف القري المصرية بعد أن رفضت المصانع القائمة استلامه من المزارعين لوفرة زراعات البنجر هذا الموسم حتي مع كونهم استلموا تقاوي الزراعة من مصانع استخراج السكر من البنجر ومن حقيقة أن مصر لا تحقق اكتفاء ذاتيا من السكر إلا بنسبة68% فقط ونحتاج إلي المزيد من التوسع في إنتاجه وبالتالي فلا ذنب للمزارعين الذين تسلموا التقاوي من هذه المصانع والتي زادت مصنعين هذا العام في عدم استلام محصولهم والتسبب في خراب كبير لهم يستحقون التعويض عنه خاصة وأن الأقدار سوف تجذبهم نحو زراعات القمح الموسم المقبل نتيجة للارتفاع المتوقع في أسعاره محليا ودوليا وبالتالي سيكون ردهم علي المصانع عمليا بالبعد عن زراعة البنجر نتيجة لقصر نظر القائمين علي هذه المصانع. أما مزارعو قصب السكر في محافظات صعيد مصر فقد استغاثوا بجميع المسئولين لتسلم ثمن ما وردوه من المحصول إلي الدولة ولم يتسلموا قرشا واحدا علي مدي ثلاثة أشهر بعد التوريد حتي جاءهم الفرج بتقسيط مستحقاتهم علي قسطين أو ثلاثة نتيجة لتعنت وزارة المالية في توفير الاعتمادات اللازمة لاستلام محصول القصب وكما هو الحال أيضا في استلام محصول القمح وكأن الجميع يقف ضد مساعدة المزارعين وتشجيعهم علي إنتاج الحاصلات الإستراتيجية الأساسية والتي تهم كل فرد في مصر. وعلي الرغم من الخراب الذي لحق بمزارعي البنجر وتأخر مستحقات مزارعي القصب يخرج علينا مسئولو الزراعة للتباهي بتحقيق زيادة في إنتاجيتنا من السكر هذا العام للتغطية علي الأخطاء الفادحة ضد المزارعين. عموما كانت الأقدار أيضا مع المزارعين وضد الفكر التجاري بالاستيراد بأن ارتفعت أسعار السكر في الأسواق العالمية ورفعت أسعار السكر في الأسواق المحلية إلي أربعة جنيهات بدلا من جنيهين ونصف الجنيه قبل الأزمة الحالية لتضع المزيد من الضوء علي قصر نظر وحسابات مسئولي إنتاج الغذاء في مصر. 4 الفيضانات الحالية التي تجتاح الدول الآسيوية وانخفاض محصول القمح في روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وروسياالبيضاء وكندا والولايات المتحدةالأمريكية ثم قرار روسيا بإيقاف تصدير القمح حتي نهاية العام والتوقع بتمديده حتي منتصف العام المقبل وطلبها من كازاخستان وروسياالبيضاء وأوكرانيا الانضمام إليها, ثم التوسع في إنتاج الوقود الحيوي من القمح خاصة في أوروبا والذي استوعب4 ملايين طن قمح هذا العام في أوروبا فقط ثم التوسع في إنتاج الإيثانول الحيوي من السكر والتوسع أيضا في إنتاج الديزل الحيوي من زيوت الطعام وما هو قادم بالتأكيد من تأثير تغير المناخ علي نقص إنتاج الغذاء في العالم يتطلب سياسة زراعية عاجلة ومربحة لدعم زراعات القمح وبنجر السكر وحاصلات الزيوت والأرز والفول والعدس والقطن أيضا بعائد مجز للمزارعين ليس له شأن بالأسعار العالمية لأن هذا هو وقت الوقوف بجانب المزارعين لغسل هموم ثلاث سنوات عجاف تحملوها بكل صمود انتظارا لدور مسئول من الدولة معهم, مع الاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية التي أنتجت القمح من أراضيها الصحراوية وعلي مدي عشر سنوات بأسعار أعلي كثيرا من أسعار الاستيراد.